الانتخابات الإيرانية.. نظرة على المرشحين
من المقرر أن تجري إيران انتخابات رئاسية مبكرة في 28 يونيو/حزيران لاختيار رئيس جديد للبلاد خلفاً لإبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث طائرة في مايو/أيار. وافق مجلس صيانة الدستور التي تتولى فحص المرشحين اختيار ستة رجال من أصل 81 شخصاً (بينهم أربع نساء) تقدموا للترشح.
خمسة من هؤلاء الرجال الستة هم من الدائرة القريبة من المرشد الأعلى علي خامنئي ويمثلون توجهه المحافظ. وهم: سعيد جليلي، المقرب من المرشد والذي قاد فريق المفاوضات النووية (2007-2013) في أشد فترات العقوبات القاسية على طهران. وكانت رسالة الماجستير 1990 بعنوان هو “السياسة الخارجية للنبي” ورسالة الدكتوراة “التعبير عن الفكر السياسي للإسلام في القرآن”. تعرض لهزيمة ساحقة في انتخابات 2013م بحصوله على 11 بالمائة من الأصوات وظل في الكواليس، وفي 2021 تنازل لصالح ابراهيم رئيسي. محمد باقر قاليباف يخوض محاولته الرابعة لرئاسة إيران، وهو عمدة طهران السابق، واحتفظ بمنصبه كرئيس للبرلمان بعد انتخابات مارس/آذار. مقرب من المرشد وسبق أن عينه قائدا للقوات الجوية في الحرس الثوري، كما كان قائدا للشرطة في الجمهورية الإسلامية. وينادي ببعض الأفكار للإصلاح والتغيير. من بين المرشحين أيضًا عمدة طهران علي رضا زاكاني والذي منع من الترشح للرئاسة في انتخابات 2013و2017م، وأمير حسين قازي زاده هاشمي الأصولي المتشدد والعضو في البرلمان. ومصطفى بور محمدي، وهو رجل دين شغل منصب وزير خلال الرئاستين في عهد محمود أحمدي نجاد(محافظ)، وحسن روحاني (برغماتي/إصلاحي).
والرجل السادس والمرشح الإصلاحي الوحيد، هو مسعود بيزشكيان، وزير الصحة في عهد محمد خاتمي، وعضو البرلمان. استبعد في الانتخابات الماضية من الترشح. ويحظى بدعم معظم الكتلة الإصلاحية التي قاطعت الانتخابات الثلاث الماضية. والذي يبدأوا أكثر تفاؤلاً بفوزه في ظل الانقسام بين خصومه.
وخلال سلسلة من المناظرات المتلفزة أظهر المرشحين إما انفصالاً عن الواقع أو أبدوا نيتهم إحداث إصلاحات. لكن رجل الدين مصطفى بور محمدي ، كان من أشد المنتقدين للوضع الراهن بين المرشحين. زاكاني ظهر بعيداً عن واقع الاقتصاد الإيراني وهو أهم الملفات في البلاد اليوم، لدرجة عدم معرفته بتعريف السيولة النقدية، ووعد بتقديم اللحوم إلى أبواب منازل الإيرانيين! وهي وعود مثل صنع اللبن من ماء البحر. أكد المرشحون على ضرورة زيادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى من خلال تكثيف إمكانية زيادة عائدات النقد الأجنبي، وقاليباف بعيد عن هذا الطريق إذ شارك أقاربه في الهجوم على السفارة السعودية في 2016. فيما يعتقد جليلي أن منظمات المجتمع المدني والنقابات يمكن أن تؤدي إلى ثورة ناعمة.
في السياسة الخارجية أشارت تصريحات للمرشد إلى أن “المرشح الأنسب” هو الذي يعتمد سياسة معارضة الولايات المتحدة؛ بعد أن تعهد “بزشكيان” بحل مشكلات إيران عبر التفاوض، وأكد على ضرورة التفاوض مع واشنطن؛ منتقداً الهجوم على السفارة السعودية وقال”الذين تسلقوا السفارتين البريطانية والسعودية تولوا المناصب” في إشارة كما يبدو إلى قاليباف. أما زاكاني فيرى أن “الاتفاق النووي تجاوز الخطوط الحمراء للنظام الإيراني”، ويُعرف السياسيون في إيران زاكاني باعتباره تلميذ جليلي. فيما يؤيد محمد باقر قاليباف العمليات الإيرانية العابرة للحدود بما في ذلك عمليات محور المقاومة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ويعتبرها حماية لإيران.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن جليلي وقاليباف وبيزشكيان في مستوى متقارب للحصول على أصوات الانخبين. فيما الثلاثة الأخرين “قازي زاده، وبور محمدي، وزكاني” يتذيلون الأرقام متدنية. لكن ذلك لا يظهر الوضع الانتخابي في إيران إذ أن الانتخابات الوطنية السابقة شهدت أقل نسبة مشاركة من الناخبين بما في ذلك تسجيل انتخابات رئيسي عام 2021 مشاركة أقل من نصف الناخبين (48.8%) وهي الأقل في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وتشير استطلاعات الرأي إلى قلة اهتمام الناخبين بالانتخابات حيث لم يشاهد 71% من الإيرانيين المناظرة الأولى لمرشحي الرئاسة.
مع ذلك، يمكن تحسن في نسبة إقبال الناخبين مع وجود مرشح إصلاحي، إلى جانب الأصوليين، إضافة إلى التأثير الذي طرحه وفاة رئيسي بحادث الطائرة وحاجة المجتمع ليظهر متماسكاً في ظل التحديات الداخلية والخارجية. كما أن الخلافات الشخصية بين المرشحين القريبين من المرشد -التي ظهرت في المناظرات التلفزيونية- تمزق الأصوات لصالح الإصلاحيين.
قد لا تكون الرئاسة الإيرانية ذات صلاحيات واسعة في ظل وجود المرشد الأعلى، إلا أنها تملك بعض الصلاحيات المؤثرة في سياسات إيران الداخلية والخارجية بما في ذلك أعضاء السلطة التنفيذية الذين يتعاملون مع المواطنين ومع الدبلوماسية في الخارج. وأياً كان سيصبح الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية سيواجه تحديات كبيرة منذ اليوم الأول في ظل سخط اجتماعي متفاقم مع القمع المستمر منذ 2022م، ووضع اقتصادي متردي، وملفات أمنية خارجية أكثر حساسية وتأثيراً في مستقبل إيران.