كتابات خاصة

ليالي متخمة بحكايا الجن

محمد العليمي

كنا أربعة أو أكثر.. وكان صديقي منير وهو شاعر حداثي متدفق وجذاب كان يكتب قصيدة النثر بعمق ورؤية. وكنا كثيرا ما نقضي الليالي سويا، وتدهشني كمية المتناقضات التي يحملها صديقي. كنا أربعة أو أكثر.. وكان صديقي منير وهو شاعر حداثي متدفق وجذاب كان يكتب قصيدة النثر بعمق ورؤية. وكنا كثيرا ما نقضي الليالي سويا، وتدهشني كمية المتناقضات التي يحملها صديقي.
إذا تحدثت عن الجن فسيورد لك مئات القصص التي حدثت له.
كانت تبتدئ الليلة هكذا.. يأتي إبراهيم متأخرا وحتى يبدأ باستثارة منير يخترع قصة في الحال.
يقول ابراهيم بصوت متفجع: لو تدروا يا جماعة أيش حصل لي . وأنا ماشي الآن من جنب البيت شفت بين الشجر رؤوس زرقاء لها آذان طويلة.. هنا يترك منير كل شيء كان منشغلا به ويوجه السؤال لابراهيم: وعيونهم حمراء صح.. وتماشيا مع اللحظة الفانتازية يقول ابراهيم بالضبط، عيونهم حمراء.
بعدها يتوجه منير لنا بالحديث ويقول: هيا شفتوا والله قد شفتهم عشرين مرة.
ثم يبدأ حديثه الطويل عن الجن.. ويبدو أن الجن في رأس صديقي كما يحكي عنهم أشبه بمؤجر عمارة تأخرت في سداد ما عليك من فواتير، فكلما أراد منير فتح الماء في الليل يغلق الجن الحنفية، وكلما فتحها مرة أخرى يغلقها الجن مرة ثانية، وهكذا صراع طوال الليل، يشبه صراع دون كيخوته لطواحين الهواء الفارغة، لكن دون كيخوتة أحب النبلاء وأراد أن يصير منهم في صورة هزلية، وكان منير نبيلا حقاً.
كنت ساعتها وغالبا ما نكون قد أطفأنا الأنوار أتغطى بالبطانية وأضحك.. كنت أضحك بصوت مكتوم حتى لا يتوقف منير عن حديثه المتدفق.
وفي الحقيقة كانت هذه الليالي تعد أجمل ذكرياتنا.. كنا نقضيها في الحديث المفتوح عن كل شيء. وكنا نتكلم ونتكلم ونتدفق دون توقف، ونقرأ الشعر والأدب والفن، ونتحدث عن السياسة والروايات والفتيات وعن التعليم الأكاديمي، ثم نتأوه كثيرا وننام، ونشعر أن هذه الليالي العذبة ستستمر الى سنوات طويلة.
وكان أعذبنا ابراهيم ومصطفى.. صديقان لا أظن أنني سأتخلى عن حبهما والوفاء لهما.. أحدهما لا يكاد يرى فتاة حتى ينجذب اليها مغناطيسيا، وكأنه في حفلة تنويم مغناطيسي، والأخر نبيل ومرح ويحمل داخل الشميز البني المخطط روحا نادرة وجذابة.
كانت هذه أيامنا الأجمل، وأنا أفتقدها الآن، ولا أدري إن كان الزمن القادم كفيلا بإدهاشنا أو أن علينا أن نصنع بهجتنا واندهاشنا.
صديقي منير أصبح متدينا جدا، لم يعد ذلك الحداثي الجميل، ترك الشعر وترك “إلمقه” وبدأ رحلة الإيمان بالمسيخ الدجال وانتظار المهدي الذي سيخرج حسب كلامه خلال سنة او سنتين، حتى أنه منع صديقي مصطفى من بناء غرفة لأولاده الأربعة، قائلا له: مفيش داعي يا مصطفى تبني غرفة والمسيخ الدجال قد هو بيخرج، وكان مصطفى يتودد له ويقول: مله أنا أفدالك خليني أبني حتى غرفة يا منير.
حتى الآن لم يخرج المسيخ الدجال ولم يستطع مصطفى بناء غرفة ولو حتى صغيرة، وأصبح كغيره من ملايين اليمنيين تلفهم شوارع الغربة كشيء عابر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى