أنا منبهر جدا بما رأيته هناك، ويكفيني أنني كنت الصحفي الوحيد الذي غطى معركة مشرعة وحدنان الأخيرة إعلامياً، وأول صحفي يصل المنطقة. اضطررت قبل عام من اليوم في الخامس عشر من شهر أغسطس للذهاب إلى مديرية “مشرعة وحدنان” لتغطية المواجهات الدائرة هناك، لإحدى القنوات المحلية، كان يتوجب علينا للوصول إلى هناك المرور عبر مناطق سيطرة الحوثيين في الجهة الغربية من المدينة، فرزة “بيرباشا -أدود” بعدها كان أمامنا طريق جبلي وعر، استغرقنا فيها أكثر من ثلاث ساعات مشيا على الأقدام حتى وصلنا إلى قرية ذي عنقب والميهال.
حينها كنت برفقة الصديق محمد التويجي والذي كان أيضاً دليلنا في الطريق، كنت لأول مرة أزور فيها مديريات جبل صبر، التقينا يومها بأغلب قيادات المقاومة الشعبية في المنطقة والقيادات الميدانية، أخذنا بعض التصريحات واللقطات، وذهبنا للراحة، على أن نستكمل تجهيز المواد المطلوبة للقناة في اليوم التالي.
في المساء أبلغتنا قيادة المقاومة الشعبية بشكل سري، على أن يوم الغد سيكون هناك هجوم شامل واقتحام لوكر المسلحين الحوثيين في قرية “حدنان”، أبلغونا أيضاً أن توقيت الهجوم سيكون بعد صلاة الفجر، قمت مرة أخرى بتجيز أفكاري، وتغيير خارطة برنامجي، لأني سأقوم بتغطية المعركة الأخيرة في مشرعة وحدنان، ولن يكون الغد يوماً عابراً.
استيقظنا فجر اليوم التالي، تحركنا سريعا إلى مكان تجمع المقاومة الشعبية، كان الجميع قد وصل، وعلى رأسهم قائد المقاومة الشيخ محمد المحمودي، والقيادي الميداني البارز حينها “مبارك هزاع” – الذي قتل بعدها بأسابيع أثناء محاولة اقتحام المقاومة الشعبية لتجمعات المسلحين الحوثيين المتمركزين في جامعة تعز-، كان الجميع مستعداً، والمثير للدهشة، أن غالبية المتواجدين، كانوا لا يمتلكون بحوزتهم سوى خزنة واحدة فقط من رصاص بندقية الكلاشينكوف أو اثنتين على الأكثر، كانت معركة مصيرية، معركة نصرهم المنتظر.
بدأت عمليات الاقتحام، وتم أسر عدد من المسلحين المواليين للحوثيين في حدنان، تم استعادة السيطرة على مجمع هائل، ومسجد القرية، لم يأتي وقت الظهيرة إلا وكامل قرية حدنان بيد المقاومة الشعبية، كانت أصوات الرصاص تملأ السماء، وزغاريد النساء وصيحات الأطفال وتهليلات كبار السن تملأ أرجاء قرى مشرعة وحدنان، سأعترف للجميع أن حالة من الفرح والبكاء ساورتني حينها، لأول مرة أشاهد مثل هذه الفرحة في وجوه الناس، كان نصراً عظيماً بالنسبة لهم، وبالنسبة لتعز وجميع أبنائها.
غمرنا أبناء البلدة بكرمهم، وحسن ضيافتهم، على الرغم من الحالة المادية التي كانوا يعيشونها بسبب الحصار الذي كان مفروضاً عليهم، كانوا يأكلون ما تيسر من الخبز والماء وقليلاً من الطبيخ، يكفي أنهم كانوا كرماء وما زلت أتحدث عن كرمهم حتى اليوم، مقارنة بغيرهم.
في المساء، دارت مواجهات أخرى في أسفل البلدة، القريبة من المدينة، وتحديدا منطقة “الكشار” ونتيجة لعدم وجود تخطيط مسبق بالهجوم قتل ما يزيد عن 6 من شباب المقاومة، لكن رفاقهم استطاعوا بعدها استعادة السيطرة على المنطقة، وفتح الطريق الرئيسي الرابط بين مشرعة وحدنان ومدينة تعز وكسر الحصار المفروض.
في الساعة السابعة من نفس المساء اجتمعنا مع أهالي القرية لتشييع شهدائهم الذي سقطوا في المواجهات الأخيرة، كنت حينها أعيش حالة لا توصف من الذهول، الجميع صابر ومحتسب، رغم ألم الفقدان، ووجع الفراق، كان أهاليهم يرددون، “لأجل هذه التراب ضحى هؤلاء بأرواحهم، لأجل كرامتنا، لأجل هذا الجبل الشامخ، الذي استعصى أمام كل ضربات الحوثيين والمواليين لهم”.
في اليوم الثالث، غادرت المنطقة، باتجاه المدينة، ومعي كمية من الذواكر المحملة بعشرات من مقاطع الفيديو للقناة التلفزيونية، ما زلت أقول حتى اليوم، “لم أشهد مقاومة على مستوى اليمن أعظم من مقاومة صبر مشرعة وحدنان، كانوا يقاتلون ببسالة كانت معركة مصيرية بالنسبة لهم، كانوا متحدين كأسرة واحدة ولأول مرة يكونون بذلك الشكل”.
أنا منبهر جدا بما رأيته هناك، ويكفيني أنني كنت الصحفي الوحيد الذي غطى معركة مشرعة وحدنان الأخيرة إعلامياً، وأول صحفي يصل المنطقة، بعد زيارة وحيدة وسابقة لمصور قناة الجزيرة مباشر، الزميل نائف الوافي.
—————–
*مراسل “يمن مونيتور” في تعز.