بنكي عدن وصنعاء المركزيين: صراع الهيمنة
تقترب نهاية المهلة التي منحها البنك المركزي في عدن للبنوك لنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، يوم الأحد 2 يونيو القادم، وفي اليوم التالي، الاثنين 3 يونيو، سيبدأ البنك المركزي في عدن بطرح مزادات لسندات حكومية وأذون خزانة بقيمة 10 مليار ريال. تأتي هذه الخطوة في إطار التنافس المالي بين البنكين المركزيين في عدن وصنعاء، حيث يسعى بنك مركزي عدن إلى جذب الاستثمارات البنكية وتعزيز هيمنته على النظام المالي في اليمن.
وتُعَد أذون الخزانة والسندات الحكومية من أسهل وأأمن الاستثمارات على المستوى المحلي، نظرًا لأنها مضمونة بضمانة حكومية، وتزداد اعتماد البنوك عليها خلال فترات الحروب والأزمات بسبب عدم الاستقرار، وحجم الاستثمار في أذون الخزانة والسندات الحكومية في اليمن يصل إلى تريليونات الريالات، وتُعتبر وسيلة رئيسية من البنوك المركزية للتحكم في حجم الكتلة النقدية “السيولة” في السوق والحفاظ على سعر الصرف، ويهدف البنك المركزي في عدن من خلال هذه الخطوة إلى تقليل المعروض النقدي من العملة المحلية في السوق، بمعنى أن البنك المركزي في عدن سيقوم بالاقتراض من البنوك لتغطية نفقات الحكومة، ومن ثم التوقف عن ضخ المزيد من النقود في السوق لتغطية تلك النفقات.
في مارس 2023، صادق برلمان حكومة صنعاء على قانون يحظر التعاملات الربوية، استناداً إلى فتوى مفتي الديار اليمنية، شمس الدين شرف الدين. ونتيجة لذلك، توقفت الإيرادات التي كانت تحققها البنوك من استثماراتها في أدوات الدين العام مثل السندات الحكومية وأذون الخزانة، مما أثر سلباً على قدرتها على تغطية نفقاتها وتكاليفها عملها، كما لم تتمكن البنوك من استعادة أموالها من الحكومة لاستثمارها في طرق أخرى أو للوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين.
يُعد عرض البنك المركزي في عدن للبنوك للاستثمار في سندات وأذون الخزانة فرصة مغرية، ستحفز البنوك على استقبال ودائع العملاء واستثمار أموالها في هذه الأدوات الحكومية، وبالتالي تحفيز الاقتصاد. لذلك، يُتوقع أن يشجع هذا العرض البنوك على نقل مراكزها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، مما يجعل فروع البنوك في صنعاء تتبع للإدارات العامة في عدن.
وتأتي هذه الخطوة من البنك المركزي في عدن تأتي في وقت حساس للغاية، حيث تعاني البنوك في صنعاء من تأثيرات قانون منع التعاملات الربوية، الذي يحرمها من استثماراتها التقليدية في أدوات الدين العام. وبسبب هذا القانون، تجد البنوك نفسها مضطرة للبحث عن بدائل استثمارية لتغطية نفقاتها، فيُعد العرض المقدم من البنك المركزي في عدن فرصة ذهبية لهذه البنوك، خاصة في ظل الظروف المالية والاقتصادية غير المستقرة في البلاد.
علاوة على ذلك، يعكس هذا الإجراء من البنك المركزي في عدن رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانة عدن كمركز مالي رئيسي في اليمن، ويساهم هذا التحرك في تعزيز الاستقرار المالي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا، ويدعم الاقتصاد المحلي عبر توفير أدوات استثمارية آمنة ومضمونة.
ويمكن الإشارة إلى أن قرار البنك المركزي في عدن بفتح مزادات للسندات الحكومية وأذون الخزانة يعد خطوة ذكية في سياق التنافس المالي بين البنكين المركزيين في عدن وصنعاء. هذه الخطوة لا تقتصر فقط على معالجة مشاكل السيولة والنفقات الحكومية، بل تُعد أيضًا استراتيجية فطنة لجذب البنوك والاستثمارات إلى عدن، مما يسهم في تعزيز استقرارها المالي والسياسي في الوقت نفسه.
ويحرص البنك المركزي في عدن على نقل المراكز الرئيسية للبنوك إلى عدن، بهدف تحسين الاقتصاد والعملة المحلية، وزيادة الاستقرار المالي والنشاط الاقتصادي في مناطق سيطرته، وتعزز الخدمات المصرفية وتخلق فرص عمل جديدة. ورغم التحديات المحتملة، مثل رفض سلطات صنعاء لعملية النقل، إلا أن الفوائد المتوقعة من نقل المراكز تفوق المخاطر ويمكن أن تسهم في تحسين أداء البنوك وحياة المواطنين من خلال تحسن سعر الصرف في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة عدن.