نساء يمنيات على قيد الحلم.. يتعرضن للنبذ بسبب عدم إنجابهن..!
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من هيفاء المذحجي
تعتبر الأمومة من أقوى الغرائز الطبيعية الموجودة في المرأة. تشعرها باكتمال أنوثتها وعلو كيانها وتعزز مشاعرها العاطفية، لكن هناك نساء يمنيات وجدن أنفسهن في واقع مليء بالأسى، ويواجهن صعوبات في تحقيق هذه الرغبة، ومع ذلك الوجع. يتعرضن لمعاناة ومضايقات؛ نتيجة عدم قدرتهن على الإنجاب.
يعشن هؤلاء النسوة حالة من العنف المركب، يشوبه صمت يحيط به الكثير من الصبر. في مجتمع تقليدي يقدس الأمومة ويعظم من شأن الأم، ولا يحقن مشاعر من لا تمتلك طفلاً تداعب وجنتيه. حيث يتعرضن للنبذ والشتيمة والمعايرة والإساءة اللفظية والتهديدات المستمرة بتعدد الزوجات، من قبل الزوج ومعه عائلته غالبًا والمجتمع، إضافةً إلى الصراع الداخلي المتمثل بالتوجس والشعور بالوحدة والقلق الدائم من شبح عدم الإنجاب.
على قيد الحلم
تعيش ليلى البالغة 30 عامًا، في مدينة تعز، ومنذ ولادتها لم تعرف سوى حضن والدتها الدافئ وحنانها؛ لذلك باتت تتوق لأن تصبح أمًا، وبدأ ذلك الحلم يلاحقها منذ زواجها من حب حياتها قبل 11 عامًا من الآن. مرت تلك السنوات وليلى على أمل أن يلقي القدر طفلها الأول إلى حضنها، لكن مضت الأيام ومازلت هي على قيد الحلم.
تقول ليلى ل”يمن مونيتور”: “قمنا بتجربة كل طرق العلاج الطبية والشعبية وتنقلت من طبيب إلى آخر، ولكن دون فائدة، كان عندي أمل كبير في كل مرة أن أحصل على العلاج ولكنني أعود للمنزل بخيبة جديدة ووجع مضاعف”.
في البداية، كان زوج ليلى متقبل للأمر، والداعم الأول لها في كل المواقف. يحفزها على الاستمرار في العلاج والمتابعة وعدم الاستسلام؛ لكن سرعان ما تبدل الموقف مع مرور السنوات، وبدأت تشعر ليلى بإهمال في تعامله معها، وشعرت بتوقفه عن الإحساس بمعاناتها، وكأنه فقد الأمل من حدوث الحمل.
ومنذ زمن، كانت قد تجلت علامات الاستفهام في محيا المقربين منها وعائلة زوجها على وجه التحديد، وسرعان ما أصبحت تأخذ أشكالاً أخرى من التعبير الصريح من قبل والدة زوجها، بل كل المحيطين بها، والتساؤل مرارًا والتشكيك طوال ذلك الوقت عن إمكانية الحمل، ورميها بالتلميحات بتزويج ولدهم بامرأة أخرى قادرة على إنجاب الأحفاد.
تضيف ليلى، “عشت سنوات في بيت زوجي عانيت خلالها الأمرين، وساءت حالتي النفسية كثيرًا، ففضلت العودة إلى بيت أهلي، ولكن مع شعور بالنقص هذه المرة، فقد حرمت من أغلى حلم يراود المرأة، وهو الأمومة”.
قهر المجتمع
إن تحميل المرأة كامل مسؤولية عدم الانجاب، يعد نوعًا من أنواع القهر والعنف الذي يمارسه المجتمع ضد المرأة، ونادرًا ما يتم التسامح معها بحسب نوع، ودرجة القرابة، ومستوى الوعي والتعليم. وفقًا لأستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتور محمود البكاري.
ويعتقد البكاري أن المجتمع ينظر للمرأة التي لا تنجب بنظرة قاصرة قد تهدد حياتها الزوجية بالفشل، خاصةً عندما لا يراعى أن يكون الزوج هو السبب في عدم الانجاب، ولكن تتحمل الزوجة المسؤولية بكل الأحوال؛ بسبب ذنب لم ترتكبه.
بطبيعته، المجتمع اليمني مجتمع محافظ كما يصفه البكاري. يهتم في الانجاب، خصوصًا إنجاب الذكور، حيث هناك نساء معرضات للعنف بسبب إنجاب الإناث، ويتحملن مسؤولية حصول ذلك، وغالبًا يجبر الأهل الرجل بالتعدد والزواج من امرأة أخرى في أحسن الأحوال، مع إبقاء الزوجة الأولى كنوع من الشفقة عليها.
وبحسب حديث البكاري مع “يمن مونيتور”، فإن الأسرة اليمنية، عريضة وكبيرة يسودها جو عائلي يقوم على تفضيل الزوجة التي تنجب، فضلًا على تفضيل إنجاب أكبر عدد من الأطفال، وعلى المرأة أن تحقق للزوج وأسرته هذه الغاية دون النظر لأهمية وضعها الصحي أو الاجتماعي أو امكانية قدرتها على التربية والعناية بجميعهم في وقت واحد.
ضغوطات نفسية
تقول الاخصائية النفسية، ريم العبسي، إن هناك علاقة وطيدة بين الصحة النفسية والصحة الانجابية، فشدة القلق والتوتر الناتج عن عدم حدوث الحمل عند المرأة يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتأخر الحمل بشكل أكبر، بسبب الضغوطات الشديدة من قبل الزوج وعائلته والإصرار على سرعة الانجاب. ما يجعل الزوجة في حالة استعداد وانتظار دائم، وعند عدم حدوث الحمل تفقد الأمل.
وترى العبسي أن تساؤلات الناس الكثيرة عن الأمر، يشعرها وكأنها الوحيدة التي لم تنجب، وبالتالي يتولد لديها الخوف، بينما هناك الكثيرات مثلها، بالإضافة إلى الشعور بالنقص والشقفة ممن حولها، وبالتالي تبدأ مشاعر الاحباط واليأس بالتسلل إلى قلبها، وحينها تلجأ الزوجة للعزلة والانطواء والابتعاد عن كل ما هو متعلق بالأطفال والانجاب؛ هروبًا من الإحساس بالتجربة والفشل.
وتشير العبسي إلى أن الزوجة تصبح عصبية المزاج وتعاني من الحزن الدائم وتفقد الشعور بالأمان داخل منزلها ومع زوجها وكذلك مع أهلها أو المجتمع، بالإضافة إلى نقص تقديرها لذاتها ولقيمتها المجتمعية، والشعور بالذنب تجاه شريكها، وكل هذا قد يسبب الكثير من المشاكل الزوجية والاجتماعية مع أهل زوجها وفي أسوأ الحالات قد يؤدي إلى الطلاق.
التمسك بالأمل
ولمقاومة تلك الضغوطات والمشاعر السلبية، تنصح الاخصائية النفسية الزوجة ببقائها على الأمل الدائم والإيمان بالمستحيل، والاستمرار في المحاولات العلاجية أو الطبية المختلفة، ومواجهة اليأس بالأمل، مشيرةً إلى أنه ينبغي عليها ألا تشعر بالخجل وتبادر لطلب المساعدة من زوجها أو أهلها لمتابعة العلاج، وأن تتلقى الدعم المناسب منهم، ويجب أن تكون مهيأة نفسيًا لجميع التوقعات لتجنب الصدمات النفسية من عدم حدوث الحمل.
وتؤكد العبسي على أهمية الاستشارة النفسية عند طبيب مختص وتلقي الجلسات العلاجية المناسبة لتفريغ الطاقة السلبية الموجودة داخل المرأة، إلى جانب ممارسة أنشطة معينة تفضلها وتشغل وقتها عن التفكير بالإنجاب، وأن تدرك بأن هناك علاقة قوية بين الصحة النفسية والانجابية وأنهما وجهين لعملة واحدة.
وتقترح في حديثها ل”يمن مونيتور”، تجربة ممارسة الزوجة للأنشطة المرتبطة بالأطفال لتفريغ طاقة الأمومة في داخلها، فمشاعر الأمومة باعتقادها، تكمن في الممارسة وليس الولادة والانجاب فقط، محذرةً من قيام المرأة بجلد ذاتها ويجب وأن تتعامل برفق مع نفسها والابتعاد عن لوم الذات أو الشعور بالذنب تجاه الشريك وأن تواجه المجتمع بثقة لتعيش بسلام.
*تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.