عشت في مكتب لصحيفة وسط صنعاء، كنت أنام بسلام، في أول الليل كنا أنا وصاحبي نكتب تعليقا موحدا ونلصقه في جميع الحيطان، الكتبة والصحفيين، الناشطات والهواة، المراهقين والمسؤولين. عشت في مكتب لصحيفة وسط صنعاء، كنت أنام بسلام، في أول الليل كنا أنا وصاحبي نكتب تعليقا موحدا ونلصقه في جميع الحيطان، الكتبة والصحفيين، الناشطات والهواة، المراهقين والمسؤولين، كنا نلصق ثم نمشي بلا اكتراث، لو عدنا إليهم صدفة كنا نجدهم يشتمونا بلا هوادة لخروجنا عن السياق كما يقولون..
أنا من تعز وصاحبي من ريمة.
وكنا نناضل في سبيل الثورة بلابتوب واحد ثقيل من لابتوبات الجيل الثاني.
وكان في حوش مكتبنا شجرة عنب، نسقيها كل أسبوعين، تتدلى منها العناقيد، فنقطفها حامضة في الظلام كي لا نؤذِ جيراننا، كان أحد جيراننا يسكن في الطابق الثاني الملتصق بحوش شجرة العنب ونوافذ منزله تطل على الحوش تماما..
ورغم المرحلة المراهقاتية، إلا أننا عشنا بأدب، لانعرف أحداً ولا يعرفنا أحد، نقرأ ونناضل، نبتهج ونتشفى، نعلق ونطفئ الجهاز ليبرد..
في ليلة ما، عشنا الرعب على حقيقته، في تلك الليلة الوحيدة عرفت أن لجارنا بنات..
اشتعلت صنعاء فجأة، أصوات النار من كل مكان، لأول مرة نسمع النار على تلك الشاكلة، اختضلنا، انطفأ الضوء من بيت جارنا، فتحت النسوة النوافذ، طفقن يطلقن الزغاريد الشامية التي نسمعها في المسلسلات: أووووووووه..
صوت سقف غرفتهن كان يهتز، يبدو أنهن يرقصن، إحداهن ظلت في النافذة تزغرد، كانت تغيظنا وتمعن في الإغاظة، هربت وصاحبي إلى الصالة، تركنا اللابتوب يحن وحيدا وشجرة العنب والتعليق الأخير..
ما زالت أصوات الرصاص مشتعلة..
خرجنا إلى ساحة المعتصمين أمام الجامعة.. سألناهم بوجل، قالوا لنا بأن علي صالح عاد.. عاد من الرياض بعد رحلته العلاجية وشكر الملك..
في الصباح، تشجعت؛ خرجت إلى ركن المكتب، كانت جارتنا البلطجية تقود سيارة سوداء فخمة: تغيظيني يا بنت الكلب.. تفجعيني لأجل رئيسك المحترق وتقودين سيارة سوداء وأنا أدخر أجرة الباص كي أشتري الفطور.. ما الذي فعلته بك يا بنت الكلب؛ أنا الذي اكتشفتك في تلك الليلة وكنت أقول: واغض طرفي إن بدت لي جارتي.. حتى تواري جارتي مأواها..
بي فضول لأعرف: هل ما زالت تلك المرأة على موقفها؟ هل ما زالت على قيد الحياة أم التهمتها مليشيا الحوثي..
هل لسانها ما زال صالحا للزغردة؟!