في الحُديدة اليمنية.. أطفال في مهمة الكبار
حسب منظمة رعاية الطفولة بالحديدة فإن أكثر من 30% من الأطفال في المدينة تسربوا من المدارس، وانخرطوا في العمل. يمن مونيتور/ الحديدة/ خاص
منذ نحو عام ونيف، تعصف باليمن، الجمهورية الأشد فقراً مقارنة بمثيلاتها في المنطقة العربية، حرب شرسة، فرضتها جماعة الحوثي مسلحة، التي ابتلعت مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء وبعض مدن الشمال والغرب، وحولتها إلى إقطاعيات خاصة، تحت تصرف عناصرها.
وتتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بإهدار المال العام، وصولاً إلى الاحتياطي النقدي، باعتبارها تسيطر على البنك المركزي ووزارة المالية بصنعاء منذ أواخر سبتمبر/ أيلول 2014.
تضاعفت معاناة المواطنين، وفقد الآلاف وظائفهم، نتيجة اغلاق العديد من المشاريع وتوقف أخرى، إضافة إلى مغادرة الشركات الأجنبية البلاد بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وصولاً إلى انهيار العملة مقابل الدولار، ونشوء أسواق سوداء للعملات والمشتقات النفطية، وانعدام الخدمات وعلى راسها الكهرباء والماء ونقص الأدوية.
وتتهم منظمات محلية ودولية الحوثيين بتجنيد الأطفال والزج بهم في الحروب، وأمس الخميس، قال تقرير سري أعده خبراء الأمم المتحدة الذين يراقبون العقوبات المفروضة على اليمن إن الحوثيين استخدموا المدنيين كدروع بشرية في حربوهم ضد القوات الحكومية في أكثر من منطقة يمنية.
وقالت “رويترز” إنها أطلعت على تقرير وقع في 105 صفحات، يثبت إن الحوثيين أخفوا مقاتلين وعتادا بالقرب من مدنيين في منطقة المخا بمحافظة تعز “بهدف متعمد هو تفادي التعرض للهجوم” وفي انتهاك للقانون الدولي الإنساني.
وفي الحديدة التي يطلق عليها اليمنيون عروس البحر الأحمر، غربي البلاد، وضع الحوثيون أيديهم على كل شيء، ونشروا مسلحيهم في الميناء والمطار ووسط وأطراف المدينة، ما عرض تلك المناطق إلى ضربات طيران التحالف العربي الذي يشن حرباً ضدهم منذ 26 مارس/ آذار 2015.
وحسب منظمة رعاية الطفولة بالحديدة فإن أكثر من 30% من الأطفال في المدينة تسربوا من المدارس، وانخرطوا في العمل منذ اندلاع الحرب في البلاد.
ونتيجة لانعكاسات الأوضاع الأمنية المتردية في ظل غياب الدولة واحلال المليشيات بدلاً عنها، اضطر كثير من تجار ومالكي المنشآت الصغيرة الخاصة إلى مواجهة خيارات صعبة، فسوق العمل المصاب بالركود أجبرهم على تسريح العاملين واستبدالهم بأبنائهم الصغار، وهو حسب أحد أرباب الأعمال في المدينة، خيار يشبه “المستجير من الرمضاء بالنار”.
“محمد سفيان”، أحد الأطفال الذين رمت بهم الأوضاع المعيشية المتردية إلى سوق العمل رغم صغر سنه، ففي كل يوم نجده يبيع الماء على أطراف المدينة، متوسلاً المارة الشراء.
يقول “محمد” لـ”يمن مونيتور”، بلهجته العامية: “ياخي مو نعمل نسرح نشحت، لا وألف لا؛ نفوسنا عزيزة واسرتي لها كرامة والحرب هي أوصلتنا لهذه الحالة”.
ويتابع، “احنا نازحين من الوازعية بتعز، أبي توفي بالحرب، وأنا أكبر واحد بالاسرة من الأولاد الذكور؛ كنت أدرس والآن مافي معي غير اشقى واصرف على اسرتي، واقعْ رجّال”.
ويواصل شرحه لمعاناته، “أكثر من عشرين مرة وأنا اسقط مغمى عليا بالأرض بسبب الحر وما معي إلا الصبر حتى يفرجها ربك، وتتوقف الحرب ونرجع البلاد ونعيش بأمان واوعدك اكمل دراستي واقع صحفي ومصور مثلك”.
وفي الجانب الأشد قتامة، لجأت جماعة الحوثي المسلحة إلى تجنيد الأطفال، واشراكهم في المعارك التي تخوضها ضد القوات الحكومية والمقاومة الشعبية، خصوصاً في المناطق التي تعرضت فيها لاستنزاف كبير في الأرواح والعتاد.
يروي الطفل “أ.ص”، ذو الـ13 ربيعاً، كيف ترك مدرسته التي أحبها وهو في الصف الثامن، وانخرط في صفوف الحوثيين، بعد أن مكث أشهر في معسكر تدريبي بمديرية حرض، شمال غربي اليمن، بناء على رغبة والده الذي يوالي الجماعة.
يقول “أ.ص” لمراسل “يمن مونيتور”، إن الحوثيين أوكلوا إليه مهمة تفتيش المارة في شارع زايد بمدينة الحديدة، ورغم حداثة سنة إلا أنه يقضي نحو 5 ساعات (من 11 صباحاً حتى 4 عصراً) تحت شمس حارقة وفي أجواء شديدة الحرارة.
يتحدث الطفل بلغة تبدو أنه تعرض لتعبئة دينية ما، فهو لديه قناعة بأن ما يقوم به “مهمة جهادية” وهي التي جاء من أجلها من إحدى قرى بلدة “بني قيس”، بمحافظة حجة، وأنها كفيلة بأن “تدخله الجنة”.
ذلك واحد من مئات الجوانب المظلمة للحرب، التي تغتال براءة الأطفال، وتحملهم فوق طاقاتهم، فوجوههم كالملائكة، تجدهم يقفون في الجولات والشوارع العامة، يحملون الأثقال وغالبيتهم يعملون في أعمال شاقة مثل ورش الحدادة والنجارة وأعمال البناء والتشييد، في انتظار معجزة تزيح عن كاهل هذا البلد شبح الحرب.
يحمل أطفال الحديدة، كما هو حال أقرانهم في مدن يمنية مختلفة، على كواهلهم كل متاعب الحروب، ليجدوا أنفسهم قد تجاوزوا أعمارهم بسنوات، وأوكلت لهم مهمة هي في الوضع الطبيعي من مهمات الكبار.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إن نحو ألف طفل قتلوا وأصيب ألف و500 آخرين، خلال المعارك المتصاعدة في اليمن منذ أكثر من عام.
وفي مؤتمر صحفي عقده الناطق باسم المنظمة في اليمن محمد الأسعدي في الثامن عشر من يوليو/ تموز الماضي، بحضور عدد من الأخصائيين اليمنيين، في مقرها بصنعاء، ذكرت المنظمة أن “200 طفلا اختطفوا، خلال فترة الحرب، فيما تم تجنيد أكثر من 1000 طفل للمعارك”.