في البيضاء جرح الزمان وجرح المكان.. جرح الزمان هو جرح تاريخي بامتياز على اعتبار أن البيضاء جزء أصيل من الزمن المتعلق بالذات اليمنية التي تقف على الضد من المشروع الإمامي الكهنوتي. تقول المرويات التاريخية عن أشهر جرائم الإمامة السلاليين في البيضاء وهي الجريمة التي تتموضع في مقام بالغ الجرح في ذاكرة الذات اليمنية والمتمثلة باجتياح المطهر بن شرف الدين لرداع البيضاء، عاصمة الدولة الطاهرية في الوقت الذي كانت فيه الدولة الطاهرية في مواجهة التصدي للغزو البرتغالي في عدن والسواحل اليمنية، وكعادة الامامة الانتهازية التي تشتغل بالاتساق مع المشروع الخارجي التفتيتي، وجهت طعنة نحو ظهر الدولة الوطنية حينذاك.
جاء المطهر بن شرف الدين على رأس مجاميع بربرية قادمة من المرتفعات العليا المسلحة حينها، حاولت قيادة الدولة الطاهرية التصدي لهم دون إعداد أو تجهيز جيد على اعتبار أن قوة الجيش والدولة كانت قد ألقت بثقلها لمواجهة الاحتلال البرتغالي الذي بدأ بقضم السواحل، فعملت الدولة على الدفع بثقلها العسكري من السهول نحو السواحل ولم تدرك حينها أن الاجتياح القادم من المرتفعات سيعمل على الغدر بالدولة القائمة حينها بالاتساق وربما التنسيق مع الاحتلال.
هذه المروية حضرت في بالي وأنا احاول التدقيق في أسباب الحقد الإمامي التاريخي على البيضاء ولماذا ترمي الإمامة بثقلها البربري نحو البيضاء كلما فكرت باجتياح اليمن؟
وكذا محاولة تفحصي للجرح البيضاني التاريخي والقهر الحاضر في الذاكرة البيضانية اليمنية وحضور تلك الذاكرة في الموروث الشعبي في الأغاني والشعر والأهازيج الشعبية التي تحضر في السمر والأعراش وبالذات السجال الشعري الجميل بين القردعي والحميقاني وملحمة حيد ذي ناعم.
في اللحظة الراهنة حضر جرح البيضاء أكثر من أي وقت مضى في الشأن العام بعد الجريمة القاسية التي تم ارتكابها بحق مشائخ ذي ناعم بعد أن تم اختطافهم وتم تصفيتهم وهم أسرى وما تلى تلك الجريمة من سخط واحتقان شعبي واسع لفت الذهن نحو البيضاء وهي التفاته ربما تكون غير مسبوقة من وجهة نظري، وقد لا تكون كذلك.
في البيضاء جرح الزمان وجرح المكان.. جرح الزمان هو جرح تاريخي بامتياز على اعتبار أن البيضاء جزء أصيل من الزمن المتعلق بالذات اليمنية التي تقف على الضد من المشروع الإمامي الكهنوتي القائم على فكرة الاجتياح والحكم بالغصب والعمل على تشكيل منظومة للقهر والاستلاب واجتياح المناطق التي لها علاقة بالحيوية اليمنية التي تقاوم وتسبتسل كلما تعرضت الكرمة اليمنية للمس والإذلال.
أما جرح المكان في البيضاء فهو جرح الجغرافيا المضطهدة التي تنتمي إليها محافظات السهول الوسطى التي عانت كثيراً من الهيمنة المركزية التي تحكم اليمن بذهنية الغلبة ونفسية العصابة وليس بناء على حكم الشعب نفسه بنفسه وقوانين الدولة القائمة على حكم القانون والتوازن الوطني والتوزيع العادل للثروة والسلطة.
وهذا يفسر الاستسسال الخالد للدفاع عن المشروع الجمهوري في التاريخ اليمني الحديث أو الانحياز للمشروع اليمني القومي الذي يعمل على تعزيز الوطنية اليمنية واستعادة الذات اليمنية التي لها علاقة بالأرض والإنسان.
ربما تكون عبارة مهمة في هذا التوقيت لمفكر اسمه سانتيانا كان يقول: “من لايفهم التاريخ كتب عليه أن يعيد مآسيه”.
وفهم التاريخ هنا، يعني تحليله وتشخيصه وتفكيك علاقته باللحظة الراهنة، وأهم فهم من وجهة نظري هو فهم الزمان والمكان وبالمعنى المعرفي فهم التاريخ والجغرافيا ومن خلال فهم التاريخ والجغرافيا سيتولد الفهم السياسي والاجتماعي للواقع اليمني والتراكم التاريخي وهي مناسبة جيدة في هذه اللحظة التي تعيشها البيضاء أن يتم فهم جرح الزمان والمكان للبيضاء ومن خلالها سيتم فهم جرح الزمان والمكان للذات اليمنية الحضارية التي تعرضت للاستلاب التاريخي من ثنائية الكارثية التي حلت بالذات اليمنية، وما زلنا نعيش مآسيها تحت أشكال متعددة ثنائية الاجتياح السلالي والفارسي الذي يتشابك مع بعضه بحبل سري عجيب وغريب، ونعيش لحظة مناسبة لتفكيك هذه الثنائية من خلال التفكيك التاريخي اليقظ.