كتابات خاصة

صوفيون ضد الإمامة

بلال الطيب

اليمن جُغرافياً ذات تكوين جيولوجي صعب، مَناخها مُتعدد، وتَضاريسها مُتفاوتة، وتبعاً لذلك اختلفت طبائع الناس، والانسان كما يقولون «ابن بيئته»، وفي «اليمن الأسفل»، حيث الطبيعة السهلة، وجد الانسان المُسالم، حرث الأرض، وامتهن التجارة، وآثر الاستقرار، وما شيوع المذهب الشافعي بنكهته الصوفية فيه، إلا وليد ناجز لتلك الطبائع.
اليمن جُغرافياً ذات تكوين جيولوجي صعب، مَناخها مُتعدد، وتَضاريسها مُتفاوتة، وتبعاً لذلك اختلفت طبائع الناس، والانسان كما يقولون «ابن بيئته»، وفي «اليمن الأسفل»، حيث الطبيعة السهلة، وجد الانسان المُسالم، حرث الأرض، وامتهن التجارة، وآثر الاستقرار، وما شيوع المذهب الشافعي بنكهته الصوفية فيه، إلا وليد ناجز لتلك الطبائع.
وفي المقابل، كان «اليمن الأعلى» وما زال مَيداناً للتشيع والغلو، وجد فيه الشيعة مرتعاً خصباً لنشر أفكارهم، وإقامة دولتهم، كان «الأئمة الزيود» الأكثر حضوراً، تماهى مذهبهم وتلك البيئة القاسية، انتصروا على «الاسماعيلين» المتسامحين دينياً، ثم روضوا قُطاع الطرق، وصيروهم وقوداً لمعاركهم المُقدسة.
بفعل الدعم والرعاية «الرسولية» ثم «العثمانية»، وجدت الطرق الصوفية طريقها للانتشار، وسجل التاريخ وجود أعلام كُثر مُنتمون لذات المدرسة، أشهرهم الشيخ أحمد بن علوان، ليحفل موروثنا الشعبي بالكثير من القصص التي تؤرخ لحياتهم وارتباطاتهم بالمحكومين والحكام، في حكايا هي أقرب إلى الأسطورة، إلا أن بعض المؤرخين خلدوها.
حين دبَّت القطيعة بين السُلطان عَامر بن عبدالوهاب، والفقيه عبدالهادي السودي، كان الأخير يَصّعد إلى قَلّعة القاهرة، ويَرمي بحجر أملس تجاه تركيا؛ وهو يردد:
كنا مع عامر واليوم على عامر 
يا دولة الأتراك ذودي بني عامر
جاء الأتراك؛ وحين عجزوا عن اقتحام تعز، بسبب التحصينات التي استحدثها الإمام الزيدي «المطهر»، أرسل إليهم الفقيه محمد مقاتل بِسُلم؛ وببركة ذلك السُلم اقتحموا المدينة؛ أسموها «بستان الصالحين»، وبنوا فيها المساجد، والمدارس، وجعلوا الوقفيات الكثيرة عليها، وتكريماً للفقيه «السودي» شيدوا على ضريحه قبة كبيرة، كانت حتى الأمس القريب رابضة ببهاء في قلب المدينة المنكوبة.
اشتهر الإمام الزيدي القاسم بن محمد مؤسس «الدولة القاسمية» بتعصبه المذهبي، وتكفيره لمُخالفيه، وقتلهم إذا لزم الأمر، وحين ظهر أحد المتصوفة في صنعاء، الخاضعة حينها للأتراك، تسلل إليها ليلاً، قتل الفقيه، وخرج من المدينة خائفاً يترقب، ليُصدر بعد ذلك فتوى كفر بها الصوفية، وأتباعها، وداعميها؛ وهو المدخل الذي تسلل من خلاله وبنيه لاجتياح المناطق الشافعية.
يقول الإمام القاسم: «إن أصل دينهم من بقية أولاد المجوس، أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حقناً لدمائهم ودينهم، قاتلهم الله ولعنهم، فإذا خافوا على نفوسهم خلطوا تلك الملاهي بالتهليل ومولد النبي، فالواجب على المسلمين استباحة دمائهم وأموالهم، لأنهم كفار مُشركون؛ بل شركهم أعظم وأكثر، فمن أجارهم فهو كافر، ومن أحسن إليهم فهو كافر».
عزز «المتوكل» إسماعيل فتوى أبيه بفتوى أشمل، كفر بها «الشوافع»، وألزمهم أن يزيدوا في الأذان بـ «حي على خير العمل»؛ وترك الترضي على الشيخين؛ وحين وصل إليه بعض أعيان «جبل صبر» شاكين ظلم عاملهم، أعرض عنهم، فما كان منهم إلا أن أعلنوها ثورة، بقيادة بعض فقهاء الصوفية، ولم يدينوا لدولته إلا بعد أن قتلوا ثلث جيشه. 
ثورة «الرعية الشوافع» الكبرى حدثت بعد قرنين من التواجد «القاسمي» الأول، قادها الفقيه الثمانيني سعيد المذحجي، انتصروا عليه بفعل الخيانة، ثم حزوا رأسه، وقدموه قرباناً لنزق إمامهم المُتسلط، وفي إب أيضاً، قامت ثورة بقيادة الفقيه مارش المحمدي، وهي الأخرى لم يكتب لها النجاح، وفي الحجرية تكونت حركة شعبية بقيادة الفقيه نعمان البناء، مؤسساً بذلك لزعامة «بيت النعمان» السياسية. 
جدد «القاسميون» احتلالهم للمناطق الشافعية «1919»، وحين استعصت عليهم «المقاطرة»، دخلوها عنوة، قتلوا، دمروا، نهبوا، وأدخلوا رعاياها جحيم حُكمهم المُظلم، بالتزامن مع وصول الفقيه حميد الدين الخزفار، وحين علم «المُحتلون» بتحريضه للرعية، نسفوا مسجده وزاويته، وزجوا به في سجونهم الموحشة، ليموت فيها «ابريل1942».
في ذلك الوقت، عاد الشيخ الصوفي عبدالله الحكيمي من المَهجر، تعرف في تعز على الأحرار الأوائل، شاركهم في عدن تأسيس «الحزب» و«الجمعية»، وأواهم في داره المتواضع، ثم جدد العزم على العودة إلى بريطانيا، ومنها أرسل تبرعات المغتربين، وأصدر صحيفة «السلام»،  متجاوزاً خيبات فشل الثورة الدستورية، ومؤكداً عدالة القضية.
بعد ثورة «23يوليو1952» توجه «الحكيمي» إلى القاهرة، قال له الرئيس محمد نجيب: «لقد علمتمونا كيف نثور، أعيدوا المحاولة ونحن معكم»، عاد وكله حماس إلى عدن، انتخب بالإجماع رئيساً لـ«الإتحاد اليمني»، الأمر الذي أزعج سلطات الاحتلال، وحليفها الإمام أحمد، لفقوا له تُهمة حيازة السلاح، وزجوا به في السجن، ليموت مسموماً «أغسطس1954».
تَحفل كتب التاريخ بالكثير من الأحداث التي تؤكد عداء «الأئمة الزيود» لـ«مشايخ الصوفية»، الأحياء منهم والأموات؛ وهذا الإمام أحمد حينما أخمد ثورة الزرانيق «1929»، استباح مدينة بيت الفقيه أحمد بن عجيل، وأمر بهدم قبته، ليقوم بعد ذلك بـ«24» عاماً بإخراج رفات الشيخ أحمد بن علوان، ودفنه في مكان مجهول، كما سجل المؤرخون قيام «المهدي» عباس بهدم كثير من القباب، وكذلك فعل ولده «المنصور» علي، وحفيده «المتوكل» أحمد.
كانت زبيد مَحط رحال طالبي العلم الشافعي، وحده محمد يحيى الجنيد يمم خطاه صوب صعدة، معقل الزيدية المُقلق، ولم يعد منها إلا «زيدياً ـ جارودياً»؛ ذاع صيته كمعالج بالأعشاب الطبيعية، وفي زاويته بقرية «الصراري ـ جبل صبر» تظاهر بالتزامه الصوفي «الأشعري»؛ وقدم نفسه لخُلص أصحابه كـ«مُعتزلي»؛ متخذاً من الجدل وسيلة لإيصال فكره.
مع مرور الوقت، افتضح أمره، وتلقى انتقادات لاذعة من أقرب الناس إليه، واتهم بممارسة السحر لكسب المزيد من الأتباع، وبظهور الحركة الحوثية، تم التحقيق معه في جهاز الأمن السياسي أكثر من مرة، بوصفه متعاطفاً مع الحركة المُتمردة.
بعد ثورة «11فبراير» ابتكرت الحركة الحوثية أدوات جديدة للتمدد جنوباً، فرَّخت كيانات «يسارية» و«دينية» عززت من توجهها التوسعي، كان التصوف اللافتة العريضة للاستقطاب، وبعد أربع سنوات من العمل المُنظم، عبر ملتقيا «التصوف الاسلامي»، و«الإمام الشافعي»، كانت النتيجة صفر على الشمال، ليعجز مسؤولو تلك الكيانات، عن رفد الحركة بمقاتلين، بل اصبحوا عالة عليها، عدا قلة قليلة من أسرتي «الجنيد» و«الرميمة»، ومشايخ ومرتزقة المُؤتمر الشعبي العام.
تعز «صُوفية»، ولن تكون «حوثية» ولا «داعشية»؛ الصوفية مغروسة في جذورها منذ الأزل، تمثلها تلك الروح النقية، والسجية المُسالمة، ولا يمثلها ذلك المشعوذ المخاتل؛ أو ذلك المجذوب الجاهل.
الصوفية في تعز مَوروث عريق، ولحظات صفاء، وتراتيل حب، ونفحات محبة، تتسلل من الزوايا العتيقة، تثير الشجون، وتبعث الأشواق، وترتسم بود فوق جدران الذاكرة. 
الشعوب كما أثبتت الأيام تبقى مَحكُومة بخصائصها وطباعها، وأي فِكر دخيل يتعارض وتلك الطبائع، مَصيره الزوال، وبما أن سكان تعز «صوفيون» بالفطرة، فسيبقون كذلك، على أرضهم وجدت نقوش أثرية، لقوانين مذيلة بـ«الرحمن الرحيم»، كانت تسير حياة أجدادهم، في زمن كانت الفوضى مُتحكمة، والوثنية سائدة.
إلى تعز أرسل الرسول الأعظم صاحبه معاذ بن جبل، لينعت سكانها حال دخولهم الإسلام أفواجا، بـ«الأرق قلوباً، والألين أفئدة»، وفي ذلك قال الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان: 
يا رسالات السماءِ
إننا شعب هُدى.. إسلامنا
أزهرت فيه أماني الأنبياء
ثم مضي الشاعر الصوفي مؤكداً رفضه لكل دخيل:
هاك منّا قسماً يا ارضنا
خالداً في شدةٍ أو في رخاءِ
لن يُلاقي البغي إلا رفضنا
رفض جبارٍ شريف الكبرياءِ
وسنمضي رافضين
كل من جاء لكي يدجي ضحانا..

اليمن جُغرافياً ذات تكوين جيولوجي صعب، مَناخها مُتعدد، وتَضاريسها مُتفاوتة، وتبعاً لذلك اختلفت طبائع الناس، والانسان كما يقولون «ابن بيئته»، وفي «اليمن الأسفل»، حيث الطبيعة السهلة، وجد الانسان المُسالم، حرث الأرض، وامتهن التجارة، وآثر الاستقرار، وما شيوع المذهب الشافعي بنكهته الصوفية فيه، إلا وليد ناجز لتلك الطبائع.
وفي المقابل، كان «اليمن الأعلى» وما زال مَيداناً للتشيع والغلو، وجد فيه الشيعة مرتعاً خصباً لنشر أفكارهم، وإقامة دولتهم، كان «الأئمة الزيود» الأكثر حضوراً، تماهى مذهبهم وتلك البيئة القاسية، انتصروا على «الاسماعيلين» المتسامحين دينياً، ثم روضوا قُطاع الطرق، وصيروهم وقوداً لمعاركهم المُقدسة.
بفعل الدعم والرعاية «الرسولية» ثم «العثمانية»، وجدت الطرق الصوفية طريقها للانتشار، وسجل التاريخ وجود أعلام كُثر مُنتمون لذات المدرسة، أشهرهم الشيخ أحمد بن علوان، ليحفل موروثنا الشعبي بالكثير من القصص التي تؤرخ لحياتهم وارتباطاتهم بالمحكومين والحكام، في حكايا هي أقرب إلى الأسطورة، إلا أن بعض المؤرخين خلدوها.
حين دبَّت القطيعة بين السُلطان عَامر بن عبدالوهاب، والفقيه عبدالهادي السودي، كان الأخير يَصّعد إلى قَلّعة القاهرة، ويَرمي بحجر أملس تجاه تركيا؛ وهو يردد:
كنا مع عامر واليوم على عامر 
يا دولة الأتراك ذودي بني عامر
جاء الأتراك؛ وحين عجزوا عن اقتحام تعز، بسبب التحصينات التي استحدثها الإمام الزيدي «المطهر»، أرسل إليهم الفقيه محمد مقاتل بِسُلم؛ وببركة ذلك السُلم اقتحموا المدينة؛ أسموها «بستان الصالحين»، وبنوا فيها المساجد، والمدارس، وجعلوا الوقفيات الكثيرة عليها، وتكريماً للفقيه «السودي» شيدوا على ضريحه قبة كبيرة، كانت حتى الأمس القريب رابضة ببهاء في قلب المدينة المنكوبة.
اشتهر الإمام الزيدي القاسم بن محمد مؤسس «الدولة القاسمية» بتعصبه المذهبي، وتكفيره لمُخالفيه، وقتلهم إذا لزم الأمر، وحين ظهر أحد المتصوفة في صنعاء، الخاضعة حينها للأتراك، تسلل إليها ليلاً، قتل الفقيه، وخرج من المدينة خائفاً يترقب، ليُصدر بعد ذلك فتوى كفر بها الصوفية، وأتباعها، وداعميها؛ وهو المدخل الذي تسلل من خلاله وبنيه لاجتياح المناطق الشافعية.
يقول الإمام القاسم: «إن أصل دينهم من بقية أولاد المجوس، أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حقناً لدمائهم ودينهم، قاتلهم الله ولعنهم، فإذا خافوا على نفوسهم خلطوا تلك الملاهي بالتهليل ومولد النبي، فالواجب على المسلمين استباحة دمائهم وأموالهم، لأنهم كفار مُشركون؛ بل شركهم أعظم وأكثر، فمن أجارهم فهو كافر، ومن أحسن إليهم فهو كافر».
عزز «المتوكل» إسماعيل فتوى أبيه بفتوى أشمل، كفر بها «الشوافع»، وألزمهم أن يزيدوا في الأذان بـ «حي على خير العمل»؛ وترك الترضي على الشيخين؛ وحين وصل إليه بعض أعيان «جبل صبر» شاكين ظلم عاملهم، أعرض عنهم، فما كان منهم إلا أن أعلنوها ثورة، بقيادة بعض فقهاء الصوفية، ولم يدينوا لدولته إلا بعد أن قتلوا ثلث جيشه. 
ثورة «الرعية الشوافع» الكبرى حدثت بعد قرنين من التواجد «القاسمي» الأول، قادها الفقيه الثمانيني سعيد المذحجي، انتصروا عليه بفعل الخيانة، ثم حزوا رأسه، وقدموه قرباناً لنزق إمامهم المُتسلط، وفي إب أيضاً، قامت ثورة بقيادة الفقيه مارش المحمدي، وهي الأخرى لم يكتب لها النجاح، وفي الحجرية تكونت حركة شعبية بقيادة الفقيه نعمان البناء، مؤسساً بذلك لزعامة «بيت النعمان» السياسية. 
جدد «القاسميون» احتلالهم للمناطق الشافعية «1919»، وحين استعصت عليهم «المقاطرة»، دخلوها عنوة، قتلوا، دمروا، نهبوا، وأدخلوا رعاياها جحيم حُكمهم المُظلم، بالتزامن مع وصول الفقيه حميد الدين الخزفار، وحين علم «المُحتلون» بتحريضه للرعية، نسفوا مسجده وزاويته، وزجوا به في سجونهم الموحشة، ليموت فيها «ابريل1942».
في ذلك الوقت، عاد الشيخ الصوفي عبدالله الحكيمي من المَهجر، تعرف في تعز على الأحرار الأوائل، شاركهم في عدن تأسيس «الحزب» و«الجمعية»، وأواهم في داره المتواضع، ثم جدد العزم على العودة إلى بريطانيا، ومنها أرسل تبرعات المغتربين، وأصدر صحيفة «السلام»،  متجاوزاً خيبات فشل الثورة الدستورية، ومؤكداً عدالة القضية.
بعد ثورة «23يوليو1952» توجه «الحكيمي» إلى القاهرة، قال له الرئيس محمد نجيب: «لقد علمتمونا كيف نثور، أعيدوا المحاولة ونحن معكم»، عاد وكله حماس إلى عدن، انتخب بالإجماع رئيساً لـ«الإتحاد اليمني»، الأمر الذي أزعج سلطات الاحتلال، وحليفها الإمام أحمد، لفقوا له تُهمة حيازة السلاح، وزجوا به في السجن، ليموت مسموماً «أغسطس1954».
تَحفل كتب التاريخ بالكثير من الأحداث التي تؤكد عداء «الأئمة الزيود» لـ«مشايخ الصوفية»، الأحياء منهم والأموات؛ وهذا الإمام أحمد حينما أخمد ثورة الزرانيق «1929»، استباح مدينة بيت الفقيه أحمد بن عجيل، وأمر بهدم قبته، ليقوم بعد ذلك بـ«24» عاماً بإخراج رفات الشيخ أحمد بن علوان، ودفنه في مكان مجهول، كما سجل المؤرخون قيام «المهدي» عباس بهدم كثير من القباب، وكذلك فعل ولده «المنصور» علي، وحفيده «المتوكل» أحمد.
كانت زبيد مَحط رحال طالبي العلم الشافعي، وحده محمد يحيى الجنيد يمم خطاه صوب صعدة، معقل الزيدية المُقلق، ولم يعد منها إلا «زيدياً ـ جارودياً»؛ ذاع صيته كمعالج بالأعشاب الطبيعية، وفي زاويته بقرية «الصراري ـ جبل صبر» تظاهر بالتزامه الصوفي «الأشعري»؛ وقدم نفسه لخُلص أصحابه كـ«مُعتزلي»؛ متخذاً من الجدل وسيلة لإيصال فكره.
مع مرور الوقت، افتضح أمره، وتلقى انتقادات لاذعة من أقرب الناس إليه، واتهم بممارسة السحر لكسب المزيد من الأتباع، وبظهور الحركة الحوثية، تم التحقيق معه في جهاز الأمن السياسي أكثر من مرة، بوصفه متعاطفاً مع الحركة المُتمردة.
بعد ثورة «11فبراير» ابتكرت الحركة الحوثية أدوات جديدة للتمدد جنوباً، فرَّخت كيانات «يسارية» و«دينية» عززت من توجهها التوسعي، كان التصوف اللافتة العريضة للاستقطاب، وبعد أربع سنوات من العمل المُنظم، عبر ملتقيا «التصوف الاسلامي»، و«الإمام الشافعي»، كانت النتيجة صفر على الشمال، ليعجز مسؤولو تلك الكيانات، عن رفد الحركة بمقاتلين، بل اصبحوا عالة عليها، عدا قلة قليلة من أسرتي «الجنيد» و«الرميمة»، ومشايخ ومرتزقة المُؤتمر الشعبي العام.
تعز «صُوفية»، ولن تكون «حوثية» ولا «داعشية»؛ الصوفية مغروسة في جذورها منذ الأزل، تمثلها تلك الروح النقية، والسجية المُسالمة، ولا يمثلها ذلك المشعوذ المخاتل؛ أو ذلك المجذوب الجاهل.
الصوفية في تعز مَوروث عريق، ولحظات صفاء، وتراتيل حب، ونفحات محبة، تتسلل من الزوايا العتيقة، تثير الشجون، وتبعث الأشواق، وترتسم بود فوق جدران الذاكرة. 
الشعوب كما أثبتت الأيام تبقى مَحكُومة بخصائصها وطباعها، وأي فِكر دخيل يتعارض وتلك الطبائع، مَصيره الزوال، وبما أن سكان تعز «صوفيون» بالفطرة، فسيبقون كذلك، على أرضهم وجدت نقوش أثرية، لقوانين مذيلة بـ«الرحمن الرحيم»، كانت تسير حياة أجدادهم، في زمن كانت الفوضى مُتحكمة، والوثنية سائدة.
إلى تعز أرسل الرسول الأعظم صاحبه معاذ بن جبل، لينعت سكانها حال دخولهم الإسلام أفواجا، بـ«الأرق قلوباً، والألين أفئدة»، وفي ذلك قال الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان: 
يا رسالات السماءِ
إننا شعب هُدى.. إسلامنا
أزهرت فيه أماني الأنبياء
ثم مضي الشاعر الصوفي مؤكداً رفضه لكل دخيل:
هاك منّا قسماً يا ارضنا
خالداً في شدةٍ أو في رخاءِ
لن يُلاقي البغي إلا رفضنا
رفض جبارٍ شريف الكبرياءِ
وسنمضي رافضين
كل من جاء لكي يدجي ضحانا..

اليمن جُغرافياً ذات تكوين جيولوجي صعب، مَناخها مُتعدد، وتَضاريسها مُتفاوتة، وتبعاً لذلك اختلفت طبائع الناس، والانسان كما يقولون «ابن بيئته»، وفي «اليمن الأسفل»، حيث الطبيعة السهلة، وجد الانسان المُسالم، حرث الأرض، وامتهن التجارة، وآثر الاستقرار، وما شيوع المذهب الشافعي بنكهته الصوفية فيه، إلا وليد ناجز لتلك الطبائع.
وفي المقابل، كان «اليمن الأعلى» وما زال مَيداناً للتشيع والغلو، وجد فيه الشيعة مرتعاً خصباً لنشر أفكارهم، وإقامة دولتهم، كان «الأئمة الزيود» الأكثر حضوراً، تماهى مذهبهم وتلك البيئة القاسية، انتصروا على «الاسماعيلين» المتسامحين دينياً، ثم روضوا قُطاع الطرق، وصيروهم وقوداً لمعاركهم المُقدسة.
بفعل الدعم والرعاية «الرسولية» ثم «العثمانية»، وجدت الطرق الصوفية طريقها للانتشار، وسجل التاريخ وجود أعلام كُثر مُنتمون لذات المدرسة، أشهرهم الشيخ أحمد بن علوان، ليحفل موروثنا الشعبي بالكثير من القصص التي تؤرخ لحياتهم وارتباطاتهم بالمحكومين والحكام، في حكايا هي أقرب إلى الأسطورة، إلا أن بعض المؤرخين خلدوها.
حين دبَّت القطيعة بين السُلطان عَامر بن عبدالوهاب، والفقيه عبدالهادي السودي، كان الأخير يَصّعد إلى قَلّعة القاهرة، ويَرمي بحجر أملس تجاه تركيا؛ وهو يردد:
كنا مع عامر واليوم على عامر 
يا دولة الأتراك ذودي بني عامر
جاء الأتراك؛ وحين عجزوا عن اقتحام تعز، بسبب التحصينات التي استحدثها الإمام الزيدي «المطهر»، أرسل إليهم الفقيه محمد مقاتل بِسُلم؛ وببركة ذلك السُلم اقتحموا المدينة؛ أسموها «بستان الصالحين»، وبنوا فيها المساجد، والمدارس، وجعلوا الوقفيات الكثيرة عليها، وتكريماً للفقيه «السودي» شيدوا على ضريحه قبة كبيرة، كانت حتى الأمس القريب رابضة ببهاء في قلب المدينة المنكوبة.
اشتهر الإمام الزيدي القاسم بن محمد مؤسس «الدولة القاسمية» بتعصبه المذهبي، وتكفيره لمُخالفيه، وقتلهم إذا لزم الأمر، وحين ظهر أحد المتصوفة في صنعاء، الخاضعة حينها للأتراك، تسلل إليها ليلاً، قتل الفقيه، وخرج من المدينة خائفاً يترقب، ليُصدر بعد ذلك فتوى كفر بها الصوفية، وأتباعها، وداعميها؛ وهو المدخل الذي تسلل من خلاله وبنيه لاجتياح المناطق الشافعية.
يقول الإمام القاسم: «إن أصل دينهم من بقية أولاد المجوس، أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حقناً لدمائهم ودينهم، قاتلهم الله ولعنهم، فإذا خافوا على نفوسهم خلطوا تلك الملاهي بالتهليل ومولد النبي، فالواجب على المسلمين استباحة دمائهم وأموالهم، لأنهم كفار مُشركون؛ بل شركهم أعظم وأكثر، فمن أجارهم فهو كافر، ومن أحسن إليهم فهو كافر».
عزز «المتوكل» إسماعيل فتوى أبيه بفتوى أشمل، كفر بها «الشوافع»، وألزمهم أن يزيدوا في الأذان بـ «حي على خير العمل»؛ وترك الترضي على الشيخين؛ وحين وصل إليه بعض أعيان «جبل صبر» شاكين ظلم عاملهم، أعرض عنهم، فما كان منهم إلا أن أعلنوها ثورة، بقيادة بعض فقهاء الصوفية، ولم يدينوا لدولته إلا بعد أن قتلوا ثلث جيشه. 
ثورة «الرعية الشوافع» الكبرى حدثت بعد قرنين من التواجد «القاسمي» الأول، قادها الفقيه الثمانيني سعيد المذحجي، انتصروا عليه بفعل الخيانة، ثم حزوا رأسه، وقدموه قرباناً لنزق إمامهم المُتسلط، وفي إب أيضاً، قامت ثورة بقيادة الفقيه مارش المحمدي، وهي الأخرى لم يكتب لها النجاح، وفي الحجرية تكونت حركة شعبية بقيادة الفقيه نعمان البناء، مؤسساً بذلك لزعامة «بيت النعمان» السياسية. 
جدد «القاسميون» احتلالهم للمناطق الشافعية «1919»، وحين استعصت عليهم «المقاطرة»، دخلوها عنوة، قتلوا، دمروا، نهبوا، وأدخلوا رعاياها جحيم حُكمهم المُظلم، بالتزامن مع وصول الفقيه حميد الدين الخزفار، وحين علم «المُحتلون» بتحريضه للرعية، نسفوا مسجده وزاويته، وزجوا به في سجونهم الموحشة، ليموت فيها «ابريل1942».
في ذلك الوقت، عاد الشيخ الصوفي عبدالله الحكيمي من المَهجر، تعرف في تعز على الأحرار الأوائل، شاركهم في عدن تأسيس «الحزب» و«الجمعية»، وأواهم في داره المتواضع، ثم جدد العزم على العودة إلى بريطانيا، ومنها أرسل تبرعات المغتربين، وأصدر صحيفة «السلام»،  متجاوزاً خيبات فشل الثورة الدستورية، ومؤكداً عدالة القضية.
بعد ثورة «23يوليو1952» توجه «الحكيمي» إلى القاهرة، قال له الرئيس محمد نجيب: «لقد علمتمونا كيف نثور، أعيدوا المحاولة ونحن معكم»، عاد وكله حماس إلى عدن، انتخب بالإجماع رئيساً لـ«الإتحاد اليمني»، الأمر الذي أزعج سلطات الاحتلال، وحليفها الإمام أحمد، لفقوا له تُهمة حيازة السلاح، وزجوا به في السجن، ليموت مسموماً «أغسطس1954».
تَحفل كتب التاريخ بالكثير من الأحداث التي تؤكد عداء «الأئمة الزيود» لـ«مشايخ الصوفية»، الأحياء منهم والأموات؛ وهذا الإمام أحمد حينما أخمد ثورة الزرانيق «1929»، استباح مدينة بيت الفقيه أحمد بن عجيل، وأمر بهدم قبته، ليقوم بعد ذلك بـ«24» عاماً بإخراج رفات الشيخ أحمد بن علوان، ودفنه في مكان مجهول، كما سجل المؤرخون قيام «المهدي» عباس بهدم كثير من القباب، وكذلك فعل ولده «المنصور» علي، وحفيده «المتوكل» أحمد.
كانت زبيد مَحط رحال طالبي العلم الشافعي، وحده محمد يحيى الجنيد يمم خطاه صوب صعدة، معقل الزيدية المُقلق، ولم يعد منها إلا «زيدياً ـ جارودياً»؛ ذاع صيته كمعالج بالأعشاب الطبيعية، وفي زاويته بقرية «الصراري ـ جبل صبر» تظاهر بالتزامه الصوفي «الأشعري»؛ وقدم نفسه لخُلص أصحابه كـ«مُعتزلي»؛ متخذاً من الجدل وسيلة لإيصال فكره.
مع مرور الوقت، افتضح أمره، وتلقى انتقادات لاذعة من أقرب الناس إليه، واتهم بممارسة السحر لكسب المزيد من الأتباع، وبظهور الحركة الحوثية، تم التحقيق معه في جهاز الأمن السياسي أكثر من مرة، بوصفه متعاطفاً مع الحركة المُتمردة.
بعد ثورة «11فبراير» ابتكرت الحركة الحوثية أدوات جديدة للتمدد جنوباً، فرَّخت كيانات «يسارية» و«دينية» عززت من توجهها التوسعي، كان التصوف اللافتة العريضة للاستقطاب، وبعد أربع سنوات من العمل المُنظم، عبر ملتقيا «التصوف الاسلامي»، و«الإمام الشافعي»، كانت النتيجة صفر على الشمال، ليعجز مسؤولو تلك الكيانات، عن رفد الحركة بمقاتلين، بل اصبحوا عالة عليها، عدا قلة قليلة من أسرتي «الجنيد» و«الرميمة»، ومشايخ ومرتزقة المُؤتمر الشعبي العام.
تعز «صُوفية»، ولن تكون «حوثية» ولا «داعشية»؛ الصوفية مغروسة في جذورها منذ الأزل، تمثلها تلك الروح النقية، والسجية المُسالمة، ولا يمثلها ذلك المشعوذ المخاتل؛ أو ذلك المجذوب الجاهل.
الصوفية في تعز مَوروث عريق، ولحظات صفاء، وتراتيل حب، ونفحات محبة، تتسلل من الزوايا العتيقة، تثير الشجون، وتبعث الأشواق، وترتسم بود فوق جدران الذاكرة. 
الشعوب كما أثبتت الأيام تبقى مَحكُومة بخصائصها وطباعها، وأي فِكر دخيل يتعارض وتلك الطبائع، مَصيره الزوال، وبما أن سكان تعز «صوفيون» بالفطرة، فسيبقون كذلك، على أرضهم وجدت نقوش أثرية، لقوانين مذيلة بـ«الرحمن الرحيم»، كانت تسير حياة أجدادهم، في زمن كانت الفوضى مُتحكمة، والوثنية سائدة.
إلى تعز أرسل الرسول الأعظم صاحبه معاذ بن جبل، لينعت سكانها حال دخولهم الإسلام أفواجا، بـ«الأرق قلوباً، والألين أفئدة»، وفي ذلك قال الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان: 
يا رسالات السماءِ
إننا شعب هُدى.. إسلامنا
أزهرت فيه أماني الأنبياء
ثم مضي الشاعر الصوفي مؤكداً رفضه لكل دخيل:
هاك منّا قسماً يا ارضنا
خالداً في شدةٍ أو في رخاءِ
لن يُلاقي البغي إلا رفضنا
رفض جبارٍ شريف الكبرياءِ
وسنمضي رافضين
كل من جاء لكي يدجي ضحانا..

اليمن جُغرافياً ذات تكوين جيولوجي صعب، مَناخها مُتعدد، وتَضاريسها مُتفاوتة، وتبعاً لذلك اختلفت طبائع الناس، والانسان كما يقولون «ابن بيئته»، وفي «اليمن الأسفل»، حيث الطبيعة السهلة، وجد الانسان المُسالم، حرث الأرض، وامتهن التجارة، وآثر الاستقرار، وما شيوع المذهب الشافعي بنكهته الصوفية فيه، إلا وليد ناجز لتلك الطبائع.
وفي المقابل، كان «اليمن الأعلى» وما زال مَيداناً للتشيع والغلو، وجد فيه الشيعة مرتعاً خصباً لنشر أفكارهم، وإقامة دولتهم، كان «الأئمة الزيود» الأكثر حضوراً، تماهى مذهبهم وتلك البيئة القاسية، انتصروا على «الاسماعيلين» المتسامحين دينياً، ثم روضوا قُطاع الطرق، وصيروهم وقوداً لمعاركهم المُقدسة.
بفعل الدعم والرعاية «الرسولية» ثم «العثمانية»، وجدت الطرق الصوفية طريقها للانتشار، وسجل التاريخ وجود أعلام كُثر مُنتمون لذات المدرسة، أشهرهم الشيخ أحمد بن علوان، ليحفل موروثنا الشعبي بالكثير من القصص التي تؤرخ لحياتهم وارتباطاتهم بالمحكومين والحكام، في حكايا هي أقرب إلى الأسطورة، إلا أن بعض المؤرخين خلدوها.
حين دبَّت القطيعة بين السُلطان عَامر بن عبدالوهاب، والفقيه عبدالهادي السودي، كان الأخير يَصّعد إلى قَلّعة القاهرة، ويَرمي بحجر أملس تجاه تركيا؛ وهو يردد:
كنا مع عامر واليوم على عامر 
يا دولة الأتراك ذودي بني عامر
جاء الأتراك؛ وحين عجزوا عن اقتحام تعز، بسبب التحصينات التي استحدثها الإمام الزيدي «المطهر»، أرسل إليهم الفقيه محمد مقاتل بِسُلم؛ وببركة ذلك السُلم اقتحموا المدينة؛ أسموها «بستان الصالحين»، وبنوا فيها المساجد، والمدارس، وجعلوا الوقفيات الكثيرة عليها، وتكريماً للفقيه «السودي» شيدوا على ضريحه قبة كبيرة، كانت حتى الأمس القريب رابضة ببهاء في قلب المدينة المنكوبة.
اشتهر الإمام الزيدي القاسم بن محمد مؤسس «الدولة القاسمية» بتعصبه المذهبي، وتكفيره لمُخالفيه، وقتلهم إذا لزم الأمر، وحين ظهر أحد المتصوفة في صنعاء، الخاضعة حينها للأتراك، تسلل إليها ليلاً، قتل الفقيه، وخرج من المدينة خائفاً يترقب، ليُصدر بعد ذلك فتوى كفر بها الصوفية، وأتباعها، وداعميها؛ وهو المدخل الذي تسلل من خلاله وبنيه لاجتياح المناطق الشافعية.
يقول الإمام القاسم: «إن أصل دينهم من بقية أولاد المجوس، أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حقناً لدمائهم ودينهم، قاتلهم الله ولعنهم، فإذا خافوا على نفوسهم خلطوا تلك الملاهي بالتهليل ومولد النبي، فالواجب على المسلمين استباحة دمائهم وأموالهم، لأنهم كفار مُشركون؛ بل شركهم أعظم وأكثر، فمن أجارهم فهو كافر، ومن أحسن إليهم فهو كافر».
عزز «المتوكل» إسماعيل فتوى أبيه بفتوى أشمل، كفر بها «الشوافع»، وألزمهم أن يزيدوا في الأذان بـ «حي على خير العمل»؛ وترك الترضي على الشيخين؛ وحين وصل إليه بعض أعيان «جبل صبر» شاكين ظلم عاملهم، أعرض عنهم، فما كان منهم إلا أن أعلنوها ثورة، بقيادة بعض فقهاء الصوفية، ولم يدينوا لدولته إلا بعد أن قتلوا ثلث جيشه. 
ثورة «الرعية الشوافع» الكبرى حدثت بعد قرنين من التواجد «القاسمي» الأول، قادها الفقيه الثمانيني سعيد المذحجي، انتصروا عليه بفعل الخيانة، ثم حزوا رأسه، وقدموه قرباناً لنزق إمامهم المُتسلط، وفي إب أيضاً، قامت ثورة بقيادة الفقيه مارش المحمدي، وهي الأخرى لم يكتب لها النجاح، وفي الحجرية تكونت حركة شعبية بقيادة الفقيه نعمان البناء، مؤسساً بذلك لزعامة «بيت النعمان» السياسية. 
جدد «القاسميون» احتلالهم للمناطق الشافعية «1919»، وحين استعصت عليهم «المقاطرة»، دخلوها عنوة، قتلوا، دمروا، نهبوا، وأدخلوا رعاياها جحيم حُكمهم المُظلم، بالتزامن مع وصول الفقيه حميد الدين الخزفار، وحين علم «المُحتلون» بتحريضه للرعية، نسفوا مسجده وزاويته، وزجوا به في سجونهم الموحشة، ليموت فيها «ابريل1942».
في ذلك الوقت، عاد الشيخ الصوفي عبدالله الحكيمي من المَهجر، تعرف في تعز على الأحرار الأوائل، شاركهم في عدن تأسيس «الحزب» و«الجمعية»، وأواهم في داره المتواضع، ثم جدد العزم على العودة إلى بريطانيا، ومنها أرسل تبرعات المغتربين، وأصدر صحيفة «السلام»،  متجاوزاً خيبات فشل الثورة الدستورية، ومؤكداً عدالة القضية.
بعد ثورة «23يوليو1952» توجه «الحكيمي» إلى القاهرة، قال له الرئيس محمد نجيب: «لقد علمتمونا كيف نثور، أعيدوا المحاولة ونحن معكم»، عاد وكله حماس إلى عدن، انتخب بالإجماع رئيساً لـ«الإتحاد اليمني»، الأمر الذي أزعج سلطات الاحتلال، وحليفها الإمام أحمد، لفقوا له تُهمة حيازة السلاح، وزجوا به في السجن، ليموت مسموماً «أغسطس1954».
تَحفل كتب التاريخ بالكثير من الأحداث التي تؤكد عداء «الأئمة الزيود» لـ«مشايخ الصوفية»، الأحياء منهم والأموات؛ وهذا الإمام أحمد حينما أخمد ثورة الزرانيق «1929»، استباح مدينة بيت الفقيه أحمد بن عجيل، وأمر بهدم قبته، ليقوم بعد ذلك بـ«24» عاماً بإخراج رفات الشيخ أحمد بن علوان، ودفنه في مكان مجهول، كما سجل المؤرخون قيام «المهدي» عباس بهدم كثير من القباب، وكذلك فعل ولده «المنصور» علي، وحفيده «المتوكل» أحمد.
كانت زبيد مَحط رحال طالبي العلم الشافعي، وحده محمد يحيى الجنيد يمم خطاه صوب صعدة، معقل الزيدية المُقلق، ولم يعد منها إلا «زيدياً ـ جارودياً»؛ ذاع صيته كمعالج بالأعشاب الطبيعية، وفي زاويته بقرية «الصراري ـ جبل صبر» تظاهر بالتزامه الصوفي «الأشعري»؛ وقدم نفسه لخُلص أصحابه كـ«مُعتزلي»؛ متخذاً من الجدل وسيلة لإيصال فكره.
مع مرور الوقت، افتضح أمره، وتلقى انتقادات لاذعة من أقرب الناس إليه، واتهم بممارسة السحر لكسب المزيد من الأتباع، وبظهور الحركة الحوثية، تم التحقيق معه في جهاز الأمن السياسي أكثر من مرة، بوصفه متعاطفاً مع الحركة المُتمردة.
بعد ثورة «11فبراير» ابتكرت الحركة الحوثية أدوات جديدة للتمدد جنوباً، فرَّخت كيانات «يسارية» و«دينية» عززت من توجهها التوسعي، كان التصوف اللافتة العريضة للاستقطاب، وبعد أربع سنوات من العمل المُنظم، عبر ملتقيا «التصوف الاسلامي»، و«الإمام الشافعي»، كانت النتيجة صفر على الشمال، ليعجز مسؤولو تلك الكيانات، عن رفد الحركة بمقاتلين، بل اصبحوا عالة عليها، عدا قلة قليلة من أسرتي «الجنيد» و«الرميمة»، ومشايخ ومرتزقة المُؤتمر الشعبي العام.
تعز «صُوفية»، ولن تكون «حوثية» ولا «داعشية»؛ الصوفية مغروسة في جذورها منذ الأزل، تمثلها تلك الروح النقية، والسجية المُسالمة، ولا يمثلها ذلك المشعوذ المخاتل؛ أو ذلك المجذوب الجاهل.
الصوفية في تعز مَوروث عريق، ولحظات صفاء، وتراتيل حب، ونفحات محبة، تتسلل من الزوايا العتيقة، تثير الشجون، وتبعث الأشواق، وترتسم بود فوق جدران الذاكرة. 
الشعوب كما أثبتت الأيام تبقى مَحكُومة بخصائصها وطباعها، وأي فِكر دخيل يتعارض وتلك الطبائع، مَصيره الزوال، وبما أن سكان تعز «صوفيون» بالفطرة، فسيبقون كذلك، على أرضهم وجدت نقوش أثرية، لقوانين مذيلة بـ«الرحمن الرحيم»، كانت تسير حياة أجدادهم، في زمن كانت الفوضى مُتحكمة، والوثنية سائدة.
إلى تعز أرسل الرسول الأعظم صاحبه معاذ بن جبل، لينعت سكانها حال دخولهم الإسلام أفواجا، بـ«الأرق قلوباً، والألين أفئدة»، وفي ذلك قال الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان: 
يا رسالات السماءِ
إننا شعب هُدى.. إسلامنا
أزهرت فيه أماني الأنبياء
ثم مضي الشاعر الصوفي مؤكداً رفضه لكل دخيل:
هاك منّا قسماً يا ارضنا
خالداً في شدةٍ أو في رخاءِ
لن يُلاقي البغي إلا رفضنا
رفض جبارٍ شريف الكبرياءِ
وسنمضي رافضين
كل من جاء لكي يدجي ضحانا..

اليمن جُغرافياً ذات تكوين جيولوجي صعب، مَناخها مُتعدد، وتَضاريسها مُتفاوتة، وتبعاً لذلك اختلفت طبائع الناس، والانسان كما يقولون «ابن بيئته»، وفي «اليمن الأسفل»، حيث الطبيعة السهلة، وجد الانسان المُسالم، حرث الأرض، وامتهن التجارة، وآثر الاستقرار، وما شيوع المذهب الشافعي بنكهته الصوفية فيه، إلا وليد ناجز لتلك الطبائع.
وفي المقابل، كان «اليمن الأعلى» وما زال مَيداناً للتشيع والغلو، وجد فيه الشيعة مرتعاً خصباً لنشر أفكارهم، وإقامة دولتهم، كان «الأئمة الزيود» الأكثر حضوراً، تماهى مذهبهم وتلك البيئة القاسية، انتصروا على «الاسماعيلين» المتسامحين دينياً، ثم روضوا قُطاع الطرق، وصيروهم وقوداً لمعاركهم المُقدسة.
بفعل الدعم والرعاية «الرسولية» ثم «العثمانية»، وجدت الطرق الصوفية طريقها للانتشار، وسجل التاريخ وجود أعلام كُثر مُنتمون لذات المدرسة، أشهرهم الشيخ أحمد بن علوان، ليحفل موروثنا الشعبي بالكثير من القصص التي تؤرخ لحياتهم وارتباطاتهم بالمحكومين والحكام، في حكايا هي أقرب إلى الأسطورة، إلا أن بعض المؤرخين خلدوها.
حين دبَّت القطيعة بين السُلطان عَامر بن عبدالوهاب، والفقيه عبدالهادي السودي، كان الأخير يَصّعد إلى قَلّعة القاهرة، ويَرمي بحجر أملس تجاه تركيا؛ وهو يردد:
كنا مع عامر واليوم على عامر 
يا دولة الأتراك ذودي بني عامر
جاء الأتراك؛ وحين عجزوا عن اقتحام تعز، بسبب التحصينات التي استحدثها الإمام الزيدي «المطهر»، أرسل إليهم الفقيه محمد مقاتل بِسُلم؛ وببركة ذلك السُلم اقتحموا المدينة؛ أسموها «بستان الصالحين»، وبنوا فيها المساجد، والمدارس، وجعلوا الوقفيات الكثيرة عليها، وتكريماً للفقيه «السودي» شيدوا على ضريحه قبة كبيرة، كانت حتى الأمس القريب رابضة ببهاء في قلب المدينة المنكوبة.
اشتهر الإمام الزيدي القاسم بن محمد مؤسس «الدولة القاسمية» بتعصبه المذهبي، وتكفيره لمُخالفيه، وقتلهم إذا لزم الأمر، وحين ظهر أحد المتصوفة في صنعاء، الخاضعة حينها للأتراك، تسلل إليها ليلاً، قتل الفقيه، وخرج من المدينة خائفاً يترقب، ليُصدر بعد ذلك فتوى كفر بها الصوفية، وأتباعها، وداعميها؛ وهو المدخل الذي تسلل من خلاله وبنيه لاجتياح المناطق الشافعية.
يقول الإمام القاسم: «إن أصل دينهم من بقية أولاد المجوس، أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، حقناً لدمائهم ودينهم، قاتلهم الله ولعنهم، فإذا خافوا على نفوسهم خلطوا تلك الملاهي بالتهليل ومولد النبي، فالواجب على المسلمين استباحة دمائهم وأموالهم، لأنهم كفار مُشركون؛ بل شركهم أعظم وأكثر، فمن أجارهم فهو كافر، ومن أحسن إليهم فهو كافر».
عزز «المتوكل» إسماعيل فتوى أبيه بفتوى أشمل، كفر بها «الشوافع»، وألزمهم أن يزيدوا في الأذان بـ «حي على خير العمل»؛ وترك الترضي على الشيخين؛ وحين وصل إليه بعض أعيان «جبل صبر» شاكين ظلم عاملهم، أعرض عنهم، فما كان منهم إلا أن أعلنوها ثورة، بقيادة بعض فقهاء الصوفية، ولم يدينوا لدولته إلا بعد أن قتلوا ثلث جيشه. 
ثورة «الرعية الشوافع» الكبرى حدثت بعد قرنين من التواجد «القاسمي» الأول، قادها الفقيه الثمانيني سعيد المذحجي، انتصروا عليه بفعل الخيانة، ثم حزوا رأسه، وقدموه قرباناً لنزق إمامهم المُتسلط، وفي إب أيضاً، قامت ثورة بقيادة الفقيه مارش المحمدي، وهي الأخرى لم يكتب لها النجاح، وفي الحجرية تكونت حركة شعبية بقيادة الفقيه نعمان البناء، مؤسساً بذلك لزعامة «بيت النعمان» السياسية. 
جدد «القاسميون» احتلالهم للمناطق الشافعية «1919»، وحين استعصت عليهم «المقاطرة»، دخلوها عنوة، قتلوا، دمروا، نهبوا، وأدخلوا رعاياها جحيم حُكمهم المُظلم، بالتزامن مع وصول الفقيه حميد الدين الخزفار، وحين علم «المُحتلون» بتحريضه للرعية، نسفوا مسجده وزاويته، وزجوا به في سجونهم الموحشة، ليموت فيها «ابريل1942».
في ذلك الوقت، عاد الشيخ الصوفي عبدالله الحكيمي من المَهجر، تعرف في تعز على الأحرار الأوائل، شاركهم في عدن تأسيس «الحزب» و«الجمعية»، وأواهم في داره المتواضع، ثم جدد العزم على العودة إلى بريطانيا، ومنها أرسل تبرعات المغتربين، وأصدر صحيفة «السلام»،  متجاوزاً خيبات فشل الثورة الدستورية، ومؤكداً عدالة القضية.
بعد ثورة «23يوليو1952» توجه «الحكيمي» إلى القاهرة، قال له الرئيس محمد نجيب: «لقد علمتمونا كيف نثور، أعيدوا المحاولة ونحن معكم»، عاد وكله حماس إلى عدن، انتخب بالإجماع رئيساً لـ«الإتحاد اليمني»، الأمر الذي أزعج سلطات الاحتلال، وحليفها الإمام أحمد، لفقوا له تُهمة حيازة السلاح، وزجوا به في السجن، ليموت مسموماً «أغسطس1954».
تَحفل كتب التاريخ بالكثير من الأحداث التي تؤكد عداء «الأئمة الزيود» لـ«مشايخ الصوفية»، الأحياء منهم والأموات؛ وهذا الإمام أحمد حينما أخمد ثورة الزرانيق «1929»، استباح مدينة بيت الفقيه أحمد بن عجيل، وأمر بهدم قبته، ليقوم بعد ذلك بـ«24» عاماً بإخراج رفات الشيخ أحمد بن علوان، ودفنه في مكان مجهول، كما سجل المؤرخون قيام «المهدي» عباس بهدم كثير من القباب، وكذلك فعل ولده «المنصور» علي، وحفيده «المتوكل» أحمد.
كانت زبيد مَحط رحال طالبي العلم الشافعي، وحده محمد يحيى الجنيد يمم خطاه صوب صعدة، معقل الزيدية المُقلق، ولم يعد منها إلا «زيدياً ـ جارودياً»؛ ذاع صيته كمعالج بالأعشاب الطبيعية، وفي زاويته بقرية «الصراري ـ جبل صبر» تظاهر بالتزامه الصوفي «الأشعري»؛ وقدم نفسه لخُلص أصحابه كـ«مُعتزلي»؛ متخذاً من الجدل وسيلة لإيصال فكره.
مع مرور الوقت، افتضح أمره، وتلقى انتقادات لاذعة من أقرب الناس إليه، واتهم بممارسة السحر لكسب المزيد من الأتباع، وبظهور الحركة الحوثية، تم التحقيق معه في جهاز الأمن السياسي أكثر من مرة، بوصفه متعاطفاً مع الحركة المُتمردة.
بعد ثورة «11فبراير» ابتكرت الحركة الحوثية أدوات جديدة للتمدد جنوباً، فرَّخت كيانات «يسارية» و«دينية» عززت من توجهها التوسعي، كان التصوف اللافتة العريضة للاستقطاب، وبعد أربع سنوات من العمل المُنظم، عبر ملتقيا «التصوف الاسلامي»، و«الإمام الشافعي»، كانت النتيجة صفر على الشمال، ليعجز مسؤولو تلك الكيانات، عن رفد الحركة بمقاتلين، بل اصبحوا عالة عليها، عدا قلة قليلة من أسرتي «الجنيد» و«الرميمة»، ومشايخ ومرتزقة المُؤتمر الشعبي العام.
تعز «صُوفية»، ولن تكون «حوثية» ولا «داعشية»؛ الصوفية مغروسة في جذورها منذ الأزل، تمثلها تلك الروح النقية، والسجية المُسالمة، ولا يمثلها ذلك المشعوذ المخاتل؛ أو ذلك المجذوب الجاهل.
الصوفية في تعز مَوروث عريق، ولحظات صفاء، وتراتيل حب، ونفحات محبة، تتسلل من الزوايا العتيقة، تثير الشجون، وتبعث الأشواق، وترتسم بود فوق جدران الذاكرة. 
الشعوب كما أثبتت الأيام تبقى مَحكُومة بخصائصها وطباعها، وأي فِكر دخيل يتعارض وتلك الطبائع، مَصيره الزوال، وبما أن سكان تعز «صوفيون» بالفطرة، فسيبقون كذلك، على أرضهم وجدت نقوش أثرية، لقوانين مذيلة بـ«الرحمن الرحيم»، كانت تسير حياة أجدادهم، في زمن كانت الفوضى مُتحكمة، والوثنية سائدة.
إلى تعز أرسل الرسول الأعظم صاحبه معاذ بن جبل، لينعت سكانها حال دخولهم الإسلام أفواجا، بـ«الأرق قلوباً، والألين أفئدة»، وفي ذلك قال الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان: 
يا رسالات السماءِ
إننا شعب هُدى.. إسلامنا
أزهرت فيه أماني الأنبياء
ثم مضي الشاعر الصوفي مؤكداً رفضه لكل دخيل:
هاك منّا قسماً يا ارضنا
خالداً في شدةٍ أو في رخاءِ
لن يُلاقي البغي إلا رفضنا
رفض جبارٍ شريف الكبرياءِ
وسنمضي رافضين
كل من جاء لكي يدجي ضحانا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى