– نحاول اليوم إقناع الشعب اليمني أنه في خطر أكثر من أي وقت مضى، وأن توحش كتلة الانقلاب الجديدة له ما بعده من استمرار الحرب وتلظي أوارها، واشتعال جحيمها.. وأن أي خسارة للحكومة الشرعية لدورها في الواقع السياسي سيحول التكتلات التي أنتجتها إلى مقاومة شرسة لن تهدأ، وهذا ما لا نريده ولا يحتاجه من يريدون إقامة دولة حقيقية تتسع لجميع اليمنيين بلا استثناء. – نحاول اليوم إقناع الشعب اليمني أنه في خطر أكثر من أي وقت مضى، وأن توحش كتلة الانقلاب الجديدة له ما بعده من استمرار الحرب وتلظي أوارها، واشتعال جحيمها.. وأن أي خسارة للحكومة الشرعية لدورها في الواقع السياسي سيحول التكتلات التي أنتجتها إلى مقاومة شرسة لن تهدأ، وهذا ما لا نريده ولا يحتاجه من يريدون إقامة دولة حقيقية تتسع لجميع اليمنيين بلا استثناء.
– لقد ركزت أحاديث وتصريحات رئيس الوفد الحكومي لمشاروات الكويت على نقطة مهمة، تُلخص ماهية الصراع، وهي عدم قدرة جميع القوى السياسية على التعايش مع الحوثيين. هذا الأمر أنتج هذه الحرب، ففي الوقت الذي سمحت المكونات السياسية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني إدخال الحوثيين إلى الساحة الرسمية كمشارك أصيل في حكم البلاد بموجب اتفاقية السلم والشراكة، توحش القادمون من كهوف صعدة ونكثوا عهودهم وطردوا كل المختلفين معهم، وأسهموا في إيجاد صيغة انفعالية كهنوتية حشدت كل الأطراف الأخرى بما فيها كتلة المؤتمر الشعبي العام في زاوية ضيقة دفعت إلى هذه الحرب، وأسهمت في رفض الولاية السياسية الحاكمة للعرقية الهاشمية على اليمن التي تبناها الحوثيون بفجاجة مسلحة.
– كان المؤتمر الشعبي العام الذي يهيمن عليه الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو وحده الذي صنّف الحوثيين كحركة قروية هائجة، ولم ينظر أو يهتم إلى أبعادها المذهبية الخطيرة، ورأى من خلال عيني «صالح» أن القفز إلى داخل مربعها الرافض للتدخل العربي الخيار الأنسب للحفاظ على ديمومة الحزب وشعبويته التي تسيطر على معظم وظائف الدولة، رغم خسارته الأخلاقية للقيم الجمهورية.
– خطورة المجلس السياسي الأعلى الذي اتفق عليه «الحوثيون – صالح» يكمن في أنه أعاد الدستور اليمني النافذ إلى الواجهة، وهذه هي الورقة التي أرادت قوى داخل الشرعية الحكومية تعطيلها لصالح المبادرة الخليجية ومقررات مخرجات الحوار الوطني التي لم تمثل بعد مرجعية دستورية في كل الأحوال، فالمؤتمر الشعبي العام يرى أن اتفاقية السلم والشراكة – السابقة – غير ملزمة له، ويرى أيضاً أن اللجنة الثورية الحوثية انقلاب صامت على مؤسسات الدولة الحقيقية التي يسيطر عليها، وبالتالي فقد استطاع المؤتمر إقناع الحوثيين أو انتزاع اعتراف منهم بوجوده كرقم صعب لا يُستهان به.
– تخلى الحوثيون بموجب الاتفاق عن فكرة الولاية السياسية الحاكمة للهاشميين التي حددتها رؤيتهم الفكرية، وبموجبها تولى عبدالملك الحوثي زعامة الدولة المختطفة.
– تنازل الحوثيون عن ثورتين هما: ثورة الربيع العربي في 2011م التي شاركوا فيها مع القوى السياسية المضادة لصالح وعلى رأسها التجمع اليمني للإصلاح، وثورة 21 سبتمبر 2014م التي قامت بحل مؤسستي البرلمان والرئاسة في الإعلان الانقلابي 6 فبراير 2015م، وجعلت الرئيس هادي يضطر إلى تقديم استقالته ثم التراجع عنها في وقت لاحق.
– تحويل المؤتمر الشعبي العام الذي يهيمن عليه صالح بكل أدواته ووظائفه وإمكاناته من معارضة متحالفة مع جماعة الحوثيين الحاكمة على قاعدة رفض التدخل العربي، إلى شريك حاكم وأساسي في إدارة المناطق التي ما زالون يحتفظون بها، وبالتالي إضافة قوة هائلة لكتلة الانقلاب وتغذيتها بمقابل تنازل تكتيكي من الجماعة المذهبية الأخطر في اليمن، وقبولها بمبدأ التداول الدوري في رئاسة المجلس السياسي الأعلى الذي ستتفرع عنه مجال عسكرية وأمنية واقتصادية متعددة.
– قدمت المقاومة الباسلة هدية مجانية إلى خصمها الأول علي عبدالله صالح بحيث استطاعت إقناع حليفه اللدود «الحوثيين» بعد تلقيهم الهزائم المتوالية على كافة الجبهات العسكرية بضرورة التنازل عن ابتلاع الدولة اليمنية، ومشاركة صالح وإعادته مرغمة إلى الواجهة السياسية الحاكمة كشريك فاعل في إدارة الأزمة والصراع، وتحمل تبعات الحرب ونتائجها بالتساوي معهم، وربط مصيرها بمصيره، ففي الوقت الذي كانت الأصوات العاقلة تنادي إلى تفكيك جبهة الانقلاب والدعوة إلى استمالة «صالح» ومن معه إلى صف الشرعية، كانت القوى الأكثر تحكماً بالشرعية الدستورية ترى الحرب الحالية من زاوية «الربيع العربي» رافضة التخلي عن هذه الفكرة ولو مؤقتاً، رغم معرفتها الأكيدة بأن إحدى أهم مؤثرات التحالف العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية اللتان تعتبران أن التجمع اليمني للإصلاح خطراً عليها في حال سيطرته على الدولة بعد هزيمة «الحوثي – صالح»، مما جعلهما تكبحان جماحهما، والبحث عن هدنة مؤقتة يمكنها أن تقنع قوى الربيع العربي بالمشاركة المعتدلة مع الانقلابيين في صنعاء، إلا أن هذه الهواجس لم تنجح في حلحلة العقول الصلبة، وبالتالي فقد أسهمت الهدنة السياسية والعسكرية القائمة منذ 10 إبريل الماضي في فرصة التقارب الحوثي – صالح أكثر من أي وقت مضى.
– ما الذي سيحدث الآن، يبدو أن الوفد الحكومي المشارك في مشاورات الكويت غير متحمس على الإطلاق في استمرار المشاورات بعد إعلان المجلس السياسي الأعلى لسلطة الأمر الواقع في صنعاء الذي يعتبر أيضاً مجلساً غير دستوري رغم تحديده لإطار مرجعي وحيد وهو الدستور الحالي، الذي ترفضه بعض قوى الشرعية الدستورية باعتباره يمثل إعادة لحزب علي عبدالله صالح، ويتخلى عن فكرتها الثورية القائمة منذ الربيع العربي في 2011م.
– لا يعني إجمالاً أن يكون الحق ضعيفاً الذهاب إلى مناصرة الباطل، إلا أن ردود الفعل والبيانات المنددة لهذا الانقلاب الثاني لم تكن ذات قيمة ما لم تثبت تقدمها على الأرض، غير أن اللافت فيها هو تنبيهات السياسي المخضرم ياسين سعيد نعمان – سفير اليمن في بريطانيا – لجماعة الحوثيين من التحالف مع كتلة صالح، التي أثارها بوصفه أن مفهوم الدولة عند الرئيس اليمني السابق وجماعته تختلف عن مفهوم الحوثيين، وتوقع أن تحالفهم لن يستمر!، وهو أمر يدعو فعلاً إلى التنبه أن الحوثيين يعملون من أجل بناء دولة طائفية يكونون فيها «أقلية» لها جانب من القرار السياسي الذي يضمن مستقبلها -كما تعتقد – وهذا لن يتم إلا ببقاء هذه المجموعة مسلحة ومقاتلة ولن تسلم أمرها إلى أحد.
– حالياً.. لا نستطيع أن نحكم على هذا الاتفاق إلا من خلال تطبيق بعض جوانبه، وبدايته الجدية في الدعوة إلى اجتماع مجلس النواب الذي يشكل فيه صالح أغلبية مريحة تستطيع انتزاع أي قرار خطير، فهل سيوافق الحوثيون على ذلك؟ هذه النقطة هي مجس حقيقي لتقييم صمود الاتفاق لما يعنيه ذلك من أن الحوثيين قد منحوا صالح الثقة الكاملة وتمكين برلمانه من السلطة.
– بغض النظر عما سينتج عن اجتماع برلمان «صالح» أو ما تبقى منه فإنه سيُوظّف لإعادة سلطة الانقلابيين التي كانت بيد الحوثيين، وكان صالح فيها هامشياً، أو متوارياً، الوضع بهذا سيتغير، أما خطواتهم فإنها ستتم في ضوء ردود فعل الأطراف الأخرى والمجتمع الدولي، ولا بد من قراءة البيان الصادر عن مجلس «صالح – الحوثي» الجديد بأنه بيان حرب على السعودية على وجه التحديد، فهو يعتبر أن حكومة هادي إحدى أدوات التحالف العربي وليست حكومة قائمة بذاتها ما لم تتلق المساعدة الكاملة من حكومة المملكة والتحالف العربي.
– مثّل الإعلام الحكومي إفرازاً واضحاً لقوى 2011م، وتعامل بهذه الخصوصية الثورية التي أرادت تجريم الحوثيين وصالح، رغم أن هذه القوى كانت مشاركة للحوثيين في ساحة الربيع العربي التي هدمت النظام السياسي والإداري للدولة وصولاً إلى ذروتها في اختطاف الحوثي بيرق الثورة وإعلانه الانقلاب المسلح على شركائه، وكل رموز النظام السابق، بمن فيهم «صالح»، غير أن حذق الأخير جعله يقفز إلى مربع الثورة، ويشاطر الحوثيين فكرة التصدي للتدخل العربي مستفيداً من كراهية مشتركة لحزب التجمع اليمني الإصلاح الذي اعتقد أنه سيستخدم الحوثيين كقفاز للنيل من خصومه، غير أن جبروت الشريك الحوثي كان فاعلاً ومدركاً لخطورة ابتلاعه من الإصلاح، إلى أن قضى على أذرعه العسكرية الدينية وأسهم من خلال اختراقه المخيف لكل التيارات السياسية إلى توحيد جهود الهاشمية السياسية في إعلان السيطرة الأحادية على الدولة اليمنية، وتوجيه الجهود العسكرية بالتحالف العضوي مع «صالح» صوب الجنوب اليمني، إلى أن أثار ذلك تدخل التحالف العربي في لحظة كان يتوقع الحوثيون أنهم سيطروا على كل شيء.
– استفاد صالح بخبرته الماكرة في السياسة وإدارة الدولة ومعرفة طبيعة ردود الفعل الدولية والعربية من قوة التدخل العربي بعد امتصاصه لصفعة الضربة الأولى، وحوّل التباطؤ في استعادة صنعاء إلى فرصة ذهبية جعلت من الحوثيين المنهارين حربياً واقتصادياً يوافقون على شراكته في السلطة، إضافة إلى انشغال قوى الشرعية المختلفة بتحرير محافظات ثانوية، مثل عدن التي تحولت إلى محافظة مغلقة للانفصاليين الجنوبيين، مما أسهم في تكوين صورة سلبية عن قدرة الحكومة الشرعية من السيطرة على محافظاتها المحررة بدون الركون على قوة التحالف العربي العسكرية.
– قد يكون الاتفاق الأخير إثباتاً واضحاً أن صالح لم يكن شريكاً في السلطة فعلياً مع الحوثيين في إدارة الدولة إلا على قاعدة رفض التدخل العربي، واقتصرت المشاركة على قيادات محدودة للحرس الجمهوري والأمن المركزي والقوات الخاصة المدربة تدريباً عالياً في الحرب واعتبار صالح وجماعته مشاركين في صراع أكبر من إدارة الدولة.
– يمكن اعتبار هذا الاتفاق بمنزلة «معاهدة سلم وشراكة» على غرار تلك الاتفاقية التي سمح بموجبها الرئيس هادي للحوثيين بمشاركته الغاصبة لإدارة الدولة، إلى أن التفوا عليه وأزاحوه مع كل القوى الأخرى وسيطروا على العاصمة صنعاء في 6 فبراير 2015م.
– مشاركة «يحيى صالح» المتوقعة في المجلس السياسي الأعلى تعني عودة حقيقية لعائلة صالح، تمهيداً للضغط بالإفراج عن السفير أحمد علي عبدالله صالح الذي يقول أنصاره أنه محتجز في دولة عربية.
– يتوقع المتفائلون والمرحبون بهذا الاتفاق أن يعود الجيش الذي جرفه الحوثيون إلى العمل بوتيرة عالية، ضمن إطار خاص لا يعطيه أحقية السيطرة على الدولة كما حدث في – مصر – عقب احتجاجات 25 يناير 2011م، بل يخضعه لقرارات المجلس السياسي الأعلى.
– قد يشكل هذا المجلس الخطير دوامة صراع دموية بالغة الأثر بين الحزبين الكبيرين وهما «المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح» اللذين صارا اليوم أكثر فريقين مستعدين للحرب الحقيقية التي لم تبدأ بعد، أو أن تشكيل المجلس السياسي قد أشعل فتيلها فعلاً، وقد استعاد الإصلاح توازنه بعد تحكمه بفصائل مسلحة تسمى ضمنياً بـ «المقاومة» إضافة إلى تواجد بعض قياداته بداخل تكوينات وكتائب الجيش الوطني، وهو ما يعطيه الاستعداد العسكري المناسب للرد على تكتل «الحوثي – صالح» الجديد، بعد خسارته الفادحة لقوات موالية له خلال حرب التوسع الحوثي التي تمكنت من القضاء على العميد حميد القشيبي في اللواء 310 بمحافظة عمران.
– الأيام القادمة ستحدد صدق نوايا الحليفين العلنيين «الحوثي – صالح»، عبر مجموعة من الإجراءات أولها: سحب الميليشيا المسلحة من داخل مؤسسات الدولة، بما يعزز إجراءات الثقة بين الطرفين، والاتفاق على إعادة صياغة الجهة الحاكمة لكل القرارات الإدارية بعد حوثنة مقصودة للدولة.
– الإحزاب السياسية المناهضة للانقلاب لم ترق بعد إلى معرفة خطورة وأبعاد المجلس السياسي الأعلى للحوثيين – صالح، وما زالت تحيل شكواها إلى المجتمع الدولي الذي صار اليوم غارقاً بمشكلاته مع الإرهاب، فيما الولايات المتحدة الأميركية في حال سكون مع اقتراب الانتخابات الرئاسية من موعدها، ووحدها الدول المساندة لقوى الانقلاب في حالة يقظة متصلة، مقابل تكاسل وتباطؤ غير مبرر من دول التحالف العربي من استعادة صنعاء، وقد باتت على مرمى حجر.
وإلى لقاء يتجدد.
نقلا عن الجزيرة السعودية