الشيخ الزنداني.. الثائر والسياسي الجسور وإمام الدعاة (بورتريه)
في ستينات القرن الماضي كان جندياً في جبال اليمن الشمّاء، وبعد ستين عاماً توفي في اسطنبول. وبين هذه وتلك كان المناضل الجسور الشاب الباحث عن مستقبل بلاده حاملاً البندقية إلى أكبر علمائها والعالم الإسلامي أجمع.
ودع اليمنيون والعالم الإسلامي، يوم الثاني والعشرين من ابريل/نيسان (1938-2024) العالم الجليل الشيخ العلّامة عبدالمجيد الزنداني أحد كبار علماء اليمن والعالم الاسلامي عن عمر يناهز الـ86 عاماً، بعد مسيرة نضالية ودعوية وعلمية حافلة بالانجازات والمواقف العظيمة اليمنية والقضايا القومية العربية والإسلامية.
كان الشيخ الزنداني “قامة شامخة من قامات العلم والدعوة في الأمة الإسلامية، ومؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة”-كما نعته هيئة علماء فلسطين.
رفيق الزبيري
عاد من القاهرة الشاب عبدالمجيد الزنداني (20 عاماً) مع أبي الأحرار القاضي محمد محمود الزبيري مع اندلاع ثورة سبتمبر/أيلول 1962م وسقوط نظام الكهنوت، حمل بندقيته وهو العالم الصغير برفقة استاذه ومعلمه الزبيري. فالتقى مشائخ اليمن وقادتها ومناضليها وجاهد مع المناضلين الكبار لترسيخ الجمهورية ومواجهة الكهنوت الباغي.
اعتاد الشيخ الزنداني المضي في دروب الحق والحقيقة وإن كانت طُرقاً غير معبده، فمكث في جبال اليمن دفاعاً عن الثورة والجمهورية اليمنية الناشئة، عائداً من جامعة الأزهر حيث خرج من منزل والده في “الشَعر” بمحافظة إب وهو سلسل أسرة علم إلى أكبر مشيخات العالم الإسلامي في القاهرة.
عاد الزنداني الشاب يتقد حماساً وعزماً، مؤمناً بدولة يمنية بمواطنة متساوية رفقة القاضي الزبيري فرافقه في حلِه وترحاله، وجهاده ونضاله، في لقاءاته ومنامه، حتى استشهد الزبيري غدراً وهو إلى جواره فاقداً استاذاً ومعلماً.
أظلمت الحياة أمام وجه الشاب الصغير بعد استشهاد الزبيري، وهو مقدم أول برنامج إذاعي بعنوان الدين والثورة بعد ثورة سبتمبر وكان نائباً لوزير الإرشاد القومي والإعلام، ليغادر إلى عدن بعد استشهاد الزبيري ليعمل مديراً لمعهد النور العملي في حي الشيخ عثمان. ليعود في 1967 إلى صنعاء متولياً إدارة الشؤون العلمية في وزارة التربية والتعليم.
وعلى الرغم من فقدانه معلمه إلا أن المرحوم الشيخ الزنداني مضى على أسلوب استاذه الزبيري وطريقته في تجميع العلماء وشيوخ القبائل وحشدهم حول الكثير من القضايا التي تهم المجتمع سواء ما يتعلق منها بمحاربة المنكرات أو الدعوة إلى تيسير الزواج، بما في ذلك الخروج إلى القبائل لإصلاح ذات البين وإنهاء الثارات.
الزنداني طالب العلم
عُرف عن الشيخ الزنداني معرفته الواسعة بالعلوم الإسلامية ومدارسها سواء في بلاد المشرق العربي أو في شبه جزيرة العرب والعراق ومصر، وبلاد المغرب العربي.
فبينما كان يقوم بدوره في إدارة المعارف والمعاهد العلمية والتعليم في بلاده اليمن، كان ينهل من كبار العلماء في عصره وزمانه. فهو الشيخ والطالب الذي تنقل من علم اليمن إلى مشيخة الأزهر، ثم إلى المدارس اليمنية باختلافها، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية حيث التقى كبار العلماء هناك، من بينهم: الشيخ عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية في السودان. فحاز عظيم المكارم وجمع شمائل العلوم والآدب العربية والإسلامية.
لذلك اشتهر الشيخ عبد المجيد الزنداني بدعوته الإسلامية السمحاء، ودفاعه عن الإسلام والمسلمين. وكان حكيماً، فطناً، يقدم الحكمة اليمانية مع ابتسامة وبشاشة لم تكن تغادره. وهو المجاهد والقائد الذي وصلت ذرى دعوته -عبر طلابه – لكل دول العالم.
الزنداني العالم والفقيه
عُرف عن الشيخ الزنداني قوميته، وكراهيته للطبقية والأنساب والتنابز بها. وغيّرته على الحق وتصديه لموجات الاستعمار والإلحاد، والفوقية الغربية التي تمددت إلى الأجيال اليمنية فحرص على تأليف كُتب التوحيد والتأكيد على المواطنة المتساوية، وأن إعجاز الغرب العلمي ليس دليل تفوق بقدر ما هو بُعد العرب عن مجالات العلوم.
في عام 1968م تولَّى إدارة الشؤون العلمية في وِزارة التربية والتعليم “المعارف”. وفي عام 1975م عُين رئيسًا لمكتب التوجيه والإرشاد في عهد الرئيس الاحمدي، ثم نائبًا لوزير المعارف.
وفي ثمانينات القرن الماضي أسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة. وارتبط اسمه بالاعجاز العلمي، حتى أصبح أبرز علماء العالم الإسلامي الذين برهنوا سبق القرآن في مجال الحديث عن الاكتشافات العلمية في مجالات الطب وخلق الإنسان والجيولوجيا. وكان لذلك أثر كبير في دعوة غير المسلمين إلى الدين القويم وتعزيز إيمان المؤمنيين بما في ذلك الآسيويين والأفارقة غير الناطقين بالعربية.
في عام 1993م، أسس الشيخ عبد المجيد الزنداني جامعة الإيمان في صنعاء، والتي أصبحت من أهم الجامعات الإسلامية في العالم.
وأراد المرحوم الزنداني جامعةَ الإيمان صرحًا جامعًا للمسلمين من كل القوميات والجنسيات، فكان ذلك! محققاً حلمه بوحدة الإخوّة الإسلامية من مشرق الكوكب إلى مغربه. فكان المعلمين والطلاب من كل المشارب والمدارس والدول والأجناس.
وكان الشيخ الزنداني عضواً مؤسساً في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ومؤلفاً نشيطاً في العلوم الإسلامية والتوحيد والاعجاز العلمي، وترجمت كُتبه إلى عديد من اللغات، ومن كتبه الرائدة التي تركها: “التوحيد”، “طريق الإيمان” “علم الإيمان”، البينة العلمية في القرآن الكريم، تأصيل الاعجاز العلمي في القرآن والسنة.
الزنداني السياسي
عندما تنظر إلى حياة الزنداني فقد جمع الشمائل، فلم يبتعد عن السياسة وعدها ضرورة لارتباطها بأقوات الناس وحياتهم. فإلى جانب مناصبه بعد ثورة سبتمبر/أيلول فقد كان حاضراً داعماً ومسانداً للوحدة اليمنية.
ففي عام 1991م شارك في العمل السياسي عقب افتتاح أول مقر للحزب، وكان قبل ذلك أحدَ كبار مؤسسي التجمع اليمني للإصلاح، ورَأَسَ مجلس شورى الحزب عدَّة دورات. وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 1993 اَنتخب مجلس النواب ، “مجلس الرئاسة اليمني” المؤلف من خمسة أعضاء، هم: الرئيس علي عبد الله صالح، ونائبه علي سالم البيض، وعضو حزب الإصلاح الشيخ عبد المجيد الزنداني، والأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي عبد العزيز عبد الغني، والأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي سالم صالح محمد.
في الثورة الشبابية الشعبية كان الشيخ الزنداني أحد أكبر الشخصيات المؤيدة للانتفاضة الشعبية عام 2011 حيث أيدها في الأول من مارس/آذار، وشدد على طابعها السلمي، ودعا الأمن لحماية الشباب المعتصمين، اعتبره عملاً دستورياً وقانونياً، وصورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفاته
في سبتمبر/أيلول 2014 كان أول ما اقتحم الحوثيون في صنعاء جامعة الإيمان وحولوها إلى ثكنة عسكرية للجماعة المسلحة. وهي الجامعة التي نصبوا لها العداء الكبير وكذلك يفعلون. وفي ابريل/نيسان 2015 اقتحموا منزل الشيخ الزنداني وعاثوا فيه فساداً وتملكوه إلى جانب منازل عشرات العلماء والسياسيين الذين كان لهم موقف ضد الاقتتال وضد النظام الإمامي البائد.
انتقل في يوليو/تموز 2015 من مدينة تعز إلى المملكة العربية السعودية من أجل العلاج، ومكث فيها خمس سنوات قبل أن ينتقل إلى اسطنبول حيث توفاه الله تعالى بعد مُعاناة المرض. ووري جثمانه الثرى يوم الثلاثاء 23 أبريل 2024 في مقبرة الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري في إسطنبول بعد الصلاة عليه في مسجد السلطان محمد الفاتح بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدد كبير من السياسيين والعلماء المسلمين وجموع غفيرة من المصلين من مختلف الجنسيات.
*نشر أولاً في الصحوة نت