مركز دراسات: هجمات البحر الأحمر أزاحت الضغوط الشعبية عن الحوثيين وجمّدت مسار التسوية
يمن مونيتور/ قسم الأخبار
قال مركز أبحاث يمني، إن هجمات البحر الأحمر ألقت بظلال متعدِّدة على مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، في حين أزاحت عن الجماعة الحوثية المدعومة من إيران الضغوط الشعبية، وفي مقدِّمتها دفع مرتَّبات الموظَّفين الحكوميين، كما أسهمت في تجميد مسار التسوية السياسية التي أعدَّتها السعودية بناء على مفاوضاتها مع الحوثيين.
وتناولت ورقة تحليله، أصدرها مركز المخا للدراسات الإستراتيجية (مركز أبحاث يمني)، التحدِّيات التي اعترضت المجلس خلال العامين الماضيين مع عدد مِن الملفَّات المعقَّدة، لا سيَّما تلك المتَّصلة بأحداث البحر الأحمر والتحدِّيات الاقتصادية التي تعاظمت بفعل تمكُّن جماعة الحوثي، مِن منعه مِن تصدير النفط، وتراجع الدعم المقدَّم مِن دولتي “التحالف العربي”، وكذا موقعه مِن مفاوضات السلام التي انتظم إيقاعها بين السعودية وجماعة الحوثي، وقدرته على بناء رؤية متماسكة خاصَّة به للتعامل مع استحقاقات السلام المحتملة، وغيرها مِن الملفَّات.
وتطرقت الورقة إلى العلاقة المتباينة بين أعضاء المجلس الثمانية، والمكوِّنات التي يمثِّلونها، إذ لم تدم حالة الوفاق التي حرص أعضاؤه على إظهارها وقت إعلان تشكيله طويلًا، وسرعان ما برزت التناقضات بينهم، حول عدة ملفات.
واعتبرت الورقة الإخفاق في دمج التشكيلات العسكرية تحت وزارتي الدفاع والداخلية مثل أحد أهمِّ جوانب الفشل في أداء مجلس القيادة الرئاسي. كما أنَّه مهدِّد إستراتيجي لأيِّ مكتسبات يمكن أن يحقِّقها المجلس، بل ويجعل مستقبل العلاقة بين مكوِّناته محفوفة بمخاطر الانزلاق إلى صراع مسلَّح.
وأشارت الورقة إلى أنَّ المجلس كان مغيَّبًا تمامًا، عن مفاوضات السلام -كما أشارت مصادر مطلعة- عدا أن القيادة السعودية كانت تُطلِع رئيس المجلس -مِن وقت لآخر- على بعض تفاصيل تلك المفاوضات ليبدو موقف المجلس محرجًا، وبدا وكأنَّه في حال مِن التبعيَّة الكاملة للسعودية التي تفاوض نيابة عنه، ولا يملك مِن أمره شيئًا.
اما على الصعيد الاقتصادي -تقول الورقة- أن مجلس القيادة الرئاسي واجه -خلال العامين الماضيين- صعوبات اقتصادية كبيرة، مثَّلت تحدِّيًا جدِّيًّا بالنسبة له، فقد تراجعت الموارد التي كانت بحوزة السلطة الشرعية على نحو كبير فقد هاجم الحوثيُّون -في شهر أكتوبر 2022م- موانئ تصدير النفط في شبوة وحضرموت، وتمكَّنوا مِن منع الحكومة الشرعية مِن التصدير، كما أنَّ الهدنة التي جاءت مترافقة مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي أدَّت إلى انتقال الصراع مع الحوثيين إلى طور جديد، ألا وهو “حرب الموارد الاقتصادية”.
كما أن عدم وفاء دولتا “التحالف” بمستوى الدعم الاقتصادي الذي وعدتا به عند ولادة المجلس، إذ كانت الرياض وأبوظبي قد أعلنتا التزامهما بتقديم ثلاثة مليار دولار دعمًا له ، غير أنَّهما تثاقلتا بعد ذلك في الوفاء بتلك الالتزامات، الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية في مناطق سيطرة السلطة الشرعية.
وقد أدَّت الأزمة الاقتصادية إلى تداعيات مختلفة، فقد وسَّعت مِن مساحة التذمُّر الشعبي مِن سياسات مجلس القيادة وحكومته، وتراجع كبير في شرعيَّته، كما أنَّها مِن جهة أخرى ساهمت في إجبار “المجلس الانتقالي” على التخفيف مِن شططه، والتسليم بدور المجلس والحكومة في التعامل مع هذه الأزمة.
وأوضحت الورقة أن هجمات البحر الأحمر ألقت بظلال متعدِّدة على مجلس القيادة الرئاسي، فمِن جهة أدَّت إلى تغيير نسبي في الموقف الدولي مِن الصراع في اليمن، وساعدت في لفت انتباه المجتمع الدولي إلى مخاطر تصاعد نفوذ الحوثيين، وإلى الأضرار التي يمكن أن تلحق الأمن الإقليمي والمصالح الدولية مِنهم، ودفعت إلى مزيد مِن الدعم الدولي للحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي، وكان التأثير الأبرز لتك الهجمات-حسب الورقة- هو تجميد مسار التسوية السياسية، فقد كانت الأطراف اليمنية على وشك التوقيع على خارطة للسلام، أعدَّتها السعودية بناء على مفاوضاتها مع الحوثيين.
بالمقابل، ترى الورقة أن هجمات البحر الأحمر أزاحت الضغوط الشعبية عن الحوثيين، فقد وضعت الهدنة التي استمرَّت لمدَّة عامين الحوثيِّين في مواجهة مباشرة مع المطالب الشعبية، وفي مقدِّمتها دفع مرتَّبات الموظَّفين الحكوميين كما أنَّ هجمات البحر الأحمر وفرَّت للحوثيين لافتة جديدة للتعبئة العسكرية لقطاعات مِن المجتمع والشباب اليمني، بدعاوى المشاركة العسكرية بالحرب في غزَّة.
كما أنَّ تلك الهجمات ضاعفت مِن المصاعب الاقتصادية في مناطق الحكومة الشرعية، واليمن عمومًا، فقد تسبَّبت في ارتفاع رسوم التأمين على الموانئ اليمنية إلى خمسة أو ستَّة أضعاف، وارتفعت رسوم الشحن إلى ثمانية أضعاف ، وانعكس ذلك على ارتفاع أسعار السلع والخدمات؛ وأكثر مِن ذلك فإنَّها تضع البلاد أمام مخاطر مجاعة محتملة،
وأوصت الورقة المجلس بعد تفويت فرصة إمكانية الحصول على دعم مِن المجتمع الدولي، يُساهم في تغيير الميزان العسكري في البلاد، في ظلِّ تنامي قناعة الأطراف الدولية الفاعلة بفشل التعويل على العمل السياسي لإيجاد حلٍّ للصراع في اليمن. وأن يتبنَّى رؤية واضحة في هذا الأمر، وأن يُظهِر موقفًا متماسكًا، وأن يُترجم ذلك في الكثير مِن الأمور، وفي مقدِّمتها المضي قدمًا في دمج التشكيلات العسكرية تحت إمرة وزارتي الدفاع والداخلية.
كما أكدت الورقة على المجتمع الدولي أن الاستثمار في مجلس القيادة الرئاسي -برغم نقاط الضعف الحقيقية التي يُعاني مِنها- هو أقصر الطرق وأضمنها لتحقيق استقرار دائم في اليمن، وأمن للإقليم، وحماية للمصالح الدولية. ونظرًا لأنَّ مجلس القيادة تحت تأثير مباشر لدولتي “التحالف” فإنَّ على الأطراف الدولية ممارسة الكثير مِن الضغوط عليهما لتوفير أكبر قدر مِن التماسك والفاعلية للمجلس.