كتابات خاصة

فلنجرؤ على مواصلة الحلم

فتحي أبو النصر

الطائشون المتعصبون لا يبنون الأوطان ولا ينشرون السلام، لأن الغباء والعناد لا يحرران الطائش والمتعصب من أوهامه وضلالاته. كذلك من يتغذون بالطائفية أو الطائفية المضادة خصوصاً في اليمن.

الطائشون المتعصبون لا يبنون الأوطان ولا ينشرون السلام، لأن الغباء والعناد لا يحرران الطائش والمتعصب من أوهامه وضلالاته. كذلك من يتغذون بالطائفية أو الطائفية المضادة خصوصاً في اليمن.
الطائفيون هؤلاء، هم القاذورات التي تمشي على الأرض.. يتكاثرون في المجتمع المتخلف ويخاصمون الثقافة التقدمية التحديثية، كما يتربصون بالسلام المجتمعي وبالتنوير.
وهكذا.. يفرغون العقل من العقل لأنهم يفرغون القلب من الحب والتسامح؛ وبالمقابل يتواصون بالشر، كما يمجدون ثقافة الأفضلية والاستئثار والطغيان والجهاد والاستشهاد والموت العبثي.
إن الطائفي لا يقبل بالتنوع وبالشراكة طبعاً، وكذلك لا يستسيغ المواطنة والمدنية والقانون، باعتباره ينشرح بفاشيته وبتحيزاته المأزومة للهويات وللولاءات الصغرى فقط.
الإسلاميون طائفيون للأسف.. مع أن الاسلام غير طائفي!
ولعل أخطر مصائب الطائفية تكمن في التطرف والتكفير والإرهاب وإدارة الدولة ضمن استعلاء وهيمنة طرف ضد آخر.
الإسلاميون سنة وشيعة اليوم، يكادون لا يعترفون بإسلامك أصلاً، إذا لم يكن في فلكهم العقدي غالباً.
والشاهد أن الإصلاح الديني هو الضرورة الوطنية التي تدركها مجتمعات تريد بالفعل أن تتقدم وتنجو.
لكن تكمن المعضلة في عديد بلدان على رأسها اليمن، في خلط الدين بالسياسة وانفلات السلاح وتأجيج الكراهيات المتبادلة على نحو تعصبي ممنهج، في حين يزداد الأمر خطورة حين يتحول المتصارعين إلى وكلاء للصراع الاقليمي بأجنداته القذرة.. أما الهوية الوطنية فإنها سم الطائفية تماماً.
ولذلك لا خلاص إلا بالكفاح من أجل تحقيق وطن يصون حقوق الجميع بدلا من الاستمرار في تحويل الوطن إلى ثكنة حرب مفتوحة لا تنتهي.
والواضح أن كل الأوضاع اليوم في اليمن تقود اليمنيين من هاوية عميقة إلى هاوية أعمق بسبب تطييف الصراع السياسي.
وطبعاً، من المؤسف أن يتحول الدين إلى أيديولوجية لمراكز نفوذ وهيمنة، كما من المؤسف أن يفقد الدين عمقه الفردي الخاص ويصبح رافعة لأغراض سياسية انتهازية.
غير أن جماعات الاستغلال السياسي للدين يجب أن تفهم بأنها ليست الوصية على المجتمع أو المحتكرة للدين كما انها ليست بديلاً للدولة. فلقد صارت بمثابة ماكينات عدم فطنة.. ماكينات عمى.. ماكينات تبرير.. ماكينات تشويه لعظمة الدين وتسامحه.. فضلاً عن أنها تصطدم بشراسة ووفق أجندات تفكيكية مع حلم اليمنيين السوي بالوصول إلى دولة المواطنة والتمدن.
بالمقابل، فإن المفارقة هو أن يتم ذلك عقب الثورات التي كان الناس يؤملون عليها صنع وتكريس صيغة مدنية عادلة للتعايش.
والصحيح أن السعار المذهبي يقلقنا جداً. بينما الأصح هو أن المشكلة الطائفية لا يجب أن تعالج بطائفية مضادة بالمحصلة.
بلغة أخرى: لا خلاص من الطائفية إلا بدولة مواطنة ذات معايير ناضجة عميقة ولا تسطيحية وارتجالية.. دولة تعزز قيمة الدولة في صيانة الحقوق والحريات، كما تعادي الطائفية، عبر بلورة الواجبات وفق المساواة لا غيرها، بدلاً من استرسالها في العكس.. دولة معركتها الحقيقية القضاء على الفقر والإرهاب وسوء استغلال السلطة والاقطاعات المذهبية والقبلية.. دولة منشودة تمنع الاستئثارات وتغولات الفساد والتمزقات الاجتماعية على أسس وطنية حضارية وأخلاقية، وتحت ظلها تكون هويات المواطنين واحدة كمواطنين لا كرعايا أو كمراكز قوى أو كمذاهب أو كسلالات.
تلك هي الثوابت المبدئية لمفهوم الدولة المدنية الحديثة التي ينبغي عليها تقوية الكيان الوطني الجامع لا تقوية الولاءات الصغيرة التي تتحول إلى دولة داخل الدولة.
أما ثقافة احترام الحروب وتبريرها أو الاذعان لها، فستظل التجلي الأفظع لثقافة احتقار إرادة الحياة والتبادل السلمي للسلطة وتماسك نسيج الشعب وكيان الدولة. فلقد كانت الحروب وما زالت أكبر أعداء المشروع الوطني اليمني، ولم تتوقف الحرب في اليمن إلا لكي تتجدد وتستأنف من جديد، ولذلك أصبحت سيرة الحروب خلاصتنا التعيسة منذ الثورة الأم قبل 50 عاماً وأكثر.
لذلك كله يدرك جيل الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت في 2011 اهمية انبثاق حركة سلام يمنية فاعلة لا انفعالية على الأرض، وذات منطق وطني دؤوب وغايتها فضح منطق انسداد الأفق والجهالة وخفة العقل والمكائد اللاوطنية المستشرية.
وهو ما يعني تحفيز قيم عدم الاستمرار في عبء التحفيزات والاستقطابات اللا وطنية الناشبة، لأن من تجليات هذا الفرز الحصري المعتوه التسويغ النهائي لانهيار الهوية الوطنية، بينما لن ينجو أحد والوطنية اليمنية منهوشة ومحاصرة من قبل الطائفيين.
والمعنى هو أن أشد ما تحتاجه اليمن الآن ثورة “وعي” شاملة ضد كل ما صرنا نمارسه من تشوهات ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية وفكر ديني مشوه، ثورة سلمية تعايشية وتسامحية جل غاياتها عدم ازهاق ممكنات السلام.
وفي حين أن مهيمنات الماضي تخنق الأحلام الوطنية الكبرى، فإن غضب الشباب الحالم غير الملوث تنمو وتيرته.
وإذا.. فلنجرؤ على مواصلة السير فقط.. فلنجرؤ تحديداً على مواصلة الحلم النهضوي الجامع رغم كل مشقاته.
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى