كثيراً ما “تكارحني” انطلاقا من خلفيتك النضالية المجيدة، لا من واقعك القتالي الحالي على الأرض.. وللأعبوس قصتها وعنترها، على كل حال!!
هل أتاك حديث الأعبوس يا ليد؟
كثيراً ما “تكارحني” انطلاقا من خلفيتك النضالية المجيدة، لا من واقعك القتالي الحالي على الأرض.. وللأعبوس قصتها وعنترها، على كل حال!!
فالمنطقة التي قدم منها فنان اليمن الكبير أيوب طارش عبسي، وأديب اليمن الراحل محمد عبد الولي، وكوكبة من الرواد الوطنيين، يصرالحوثيون وقوات “صالح”، اليوم، على احتلالها، ضمن سلسلة جبال الحجرية، المطلة على لحج وعدن، لكن عنترة العبسي يستل سيفه كفارس نبيل ويخرج لصدهم..
لا يقاتل عنترة العبسي، دفاعاً عن “عبلته”.. ابنة “عبده مكرد” فحسب، بل دفاعاً عن مليون عبلة يخنقها الحصار خلف نقيل طالوق!
ففي قرى حارات، ظبي، وبني علي، الواقعة ضمن عزلة الأعبوس (حيفان) الجبلية هذه، يذود الفارس العبسي الأسمر عن آخر شريان يمد السكان المحاصرين في مدينة تعز بما أمكن من غذاء ودواء وأمل.
لقد توارى هذا الشريان مختبئاً في أحشاء جبال المقاطرة، انطلاقا من طور الباحة شمال محافظة لحج.
وعلى السلسة الجبلية الممتدة من حيفان إلى قلعة المقاطرة، يقاتل العريقي، الأغبري، الحكيمي، الأثوري، القباطي، المقطري، الذبحاني، الشرجبي، الصبيحي، والأصبحي.. يقاتلون مفرقين فرادا، دفاعا عن الشريان ذاته!..
على أنه ما من وقت كاف لمكارحة الرفيق عنترة، بشأن ما يصبوا إليه الحوثي وصالح من وراء هجومهم الشرس بغية احتلالهم لسلسة الجبال تلك.
لقد صار الأجدى بهم تكثيف شيء من الدعم والقوة تحت لواء الرفيق عنترة، بناء على تمركزه الاستراتيجي الراهن وصده لأشرس هجوم يطمع بالوصول إلى “العذير”.. وما أدراك ما العذير يا ليد؟
إنها المنطقة التي تشكل نقطة اتصال مسارين هامين على المنحدر الذي تطل عليه قرى حارات، ظبي، وبني علي، حيث يقاتل عنترة ببطن خاوي وسلاح محدود الذخيرة..
تصلك “العذير” بمنطقة “الخزجة”، مركز عزلة “الأثاور” المجاورة للأعبوس، كما تصلك بوادي “المفاليس” المؤدي بك إلى “طور الباحة” المركز الحضري لقبائل الصبيحة في لحج..
إنها المنطقة الملتبسة التي تتداخل فيها الحدود الشطرية السابقة بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، وتتخاطر فيها أفكار الحصار لتعز ضمن مقاربات تعمل على عودة الحدود الشطرية مجددا، وفقا لمشروع الدولتين المنفصلتين الذي يتبناه فصيل فاعل في الحراك الجنوبي أو مشروع الدولة المكونة من إقليمين والذي يتبناه فصيل جنوبي آخر والحوثيين بالمقابل..
هناك بالتحديد تتخاطر أفكار ومساعي الحصار لتعز بين حصار صريح يتبناه الحوثي وصالح وحصار ضمني يتبناه فصيل فاعل في المقاومة الجنوبية والحراك الجنوبي المسلح..
ومن يدري؟.. قد يلقى الرفيق عنترة العبسي حتفه بسهم يأتيه من الخلف فيما هو يصد جحافل الحوثي وصالح، وعلى غفلة من رفاقه المشتتين في الجبال التي غرست أوتادها هناك لتذرف سيولها ودموعها في وديان الجنوب!!
سيقود مقتل الرفيق عنتره “لا سمح الله” إلى سقوط قرى حارات، ظبي، وبني علي، لتسقط تحتها العذير ومن ثم المفاليس فـ”طور الباحة”.. وهكذا دواليك يا ليد!
هناك في (طور الباحة) يسهل على الحوثيين خنق ذلك الشريان الذي استشهد من أجله الرفيق عنترة فيما هو يقاتل الحصار بفناء داره في حارات.. الدار الذي احتضن القوميين العرب بقيادة فيصل عبد اللطيف الشعبي، حين تبنوا في حركة الكفاح المسلح لتحرير الجنوب وعدن، في ستينيات القرن الماضي!
يضيق هذا الشريان بشدة في خانوق “معبق” أسفل وادي المقاطرة، حيث يكون على الشاحنات وعربات النقل عبور هذا الوادي “المطناج”، لتبلغ جبال المقاطرة عن طريق “هيجة العبد”، وهو الطريق الاسفلتي الأكثر صعوبة وخطورة بين كل طرقات السير المعبدة في جبال اليمن!!
يصلك هذا المنفذ الخطر بمدينة التربة الأكثر اكتظاظاً بالنازحين المتدفقين إليها هربا من جحيم تعز كما من جحيم عدن ولحج قبل ذلك!
وكشريان وحيد يصلك بمدينة النشمة مركز مديرية المعافر فالمسراخ، الى أن تصعد بصعوبة بالغة “نقيل طالوق” في جبل صبر، وهو المنفذ الذي ابتكرته المقاومة ليؤدي بالإمدادات الغذائية والطبية الى السكان المحاصرين في مدينة تعز.
لا شيء يعكر مزاج عنترة العبسي، أكثر من مكارحة رفاقه له حول تطلعات الحوثي وصالح من وراء حربهم هناك..
فبعضهم يتحدث عن عودة الحوثي مجدداً لاحتلال المحافظات الجنوبية أو على الاقل رشقها بالصواريخ.. الأمر الذي أشاعه الحوثيون حين تمكنوا من السيطرة على جبل “جالس” في القبيطة!!..
ويدرك عنترة، بأن جبال “الياس والخضر والعباس” تحول مرتفعاتها الشاهقة بين الجبل “الجالس” هذا وقدرة هذه المليشيات على قصف قاعدة العند أو حتى مجرد رصدها بالنواظير عالية الدقة.
على أن الحرب هناك كما في الحدود مع السعودية من جهة الشمال، هدفها واحد.. ألا وهو تحسين الحوثيين لشروطهم التفاوضية مع وفد الشرعية في الكويت ومع المملكة السعودية على نحو منفرد!!
لقد دب اليأس في حلف الحوثي وصالح جراء عجزهم عن تحقيق إنجاز استراتيجي عسكري كبير يعادل الأمور لصالحه في مجرى الحل السياسي، الذي بات هو الخيار الوحيد لأنها الأزمة والمأساة التي يرزح تحتها اليمنيون أجمعون..
فالحلف الذي تجرع هزائمه في الجنوب، توالت هزائمه اليوم في تعز، بالرغم من الشتات الفصائلي للمقاومة وتمركزها الملتبس داخل دائرة الحصار!!
حيال ذلك، كثف الحوثي وصالح، تركيزهم في نقطة واحدة ذات جدوى في المجرى الكلي للحرب.. إنها نقطة وصوله إلى فرض حصار كلي على تعز..
بكل بساطة تلجأ مليشيا الحوثي وقوات صالح إلى تلغيم المنافذ والطرقات التي يصعب تغطيتها بالجنود والسلاح والإمداد اليومي!!..
ولهذا السبب كان عليهم قطع الشريان الساحلي الذي يصل تعز بعدن عن طريق المخا وباب المندب، بعد إغلاقهم للشريان الأبهر الذي يصل المدينتين التجاريتين في الراهدة، الشريجة، عن طريق العند، ومثله قطعوا طريق الوازعية!
وبالطريقة ذاتها كان عليهم أن يلغموا الطرق الداخلية البديلة المؤدية بشكل أو بآخر إلى مدينة تعز كالـ”ربيعي” مثلا..
فيما لا تزال فصائل عدة في المقاومة الشعبية تواصل لعبة الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكة القاتلة.. إنها تستنزف جزءاً أساسياً من قوتها في جبهات بعضها مفتعلة وزائدة عن الحاجة، داخل منطقة الحصار!!..
ثمة شيوخ اجتماعيين ودينيين سارعوا لتشكيل جبهات تستنزف الكثير من السلاح والمال داخل الإطار المحاصر والحاضن لها..
الأمر الذي أسفر عن مواكب عدة من المرافقين المسلحين وهيلمانات النفوذ الاستثنائي الطارئ، وقد يؤسس لموجات قادمة من الصراع المجتمعي ونوع من حرب الفصائل..
على أن العديد من المقاومين يتمركزون في المتارس الملائمة لمعارك كسر الحصار!! وهو الحصار الذي أخذ يرتخي في الآونة الأخيرة وإن حاولت مليشيا الحوثي وقوات صالح، إظهار قدرا عاليا من التماسك..
ويظل عنترة العبسي مرتبطا بالتوجهات والأفكار التي شكلت قيمه في الحرب والسلم، منذ أن كان العالم بتوجهاته وتحالفاته وصراعاته الإيدلوجية شأناً عبسياً.
ولا شيء ينبذه عنترة أكثر من الحروب الأدنى من الوطنية، على أنه اليوم يحارب دفاعا عن حقه وقومه في الحياة.. حقهم في الوصول إلى الغذاء والدواء.. يقاتل لمنع الحصار.. فهبوا معه لكسر هذا الحصار المجرم اللعين..
حاصر حصارك يا ليد..