كتابات خاصة

فرصة أُخرى

عائشة الصلاحي

وسط الجنون والسوء الذي يغرق المشاهد من حولك، تتساءل هل حقيقة البشر يمكنهم التغيير؟!
وسط الجنون والسوء الذي يغرق المشاهد من حولك، تتساءل هل حقيقة البشر يمكنهم التغيير؟!
إنهم يكررون نفس الأخطاء منذ عقود.. أنت أيضاً ما زلت في دائرتك المفرغة منذ سنين فعن أي تغيير تبحث؟!

سؤال أزلي ما زال يلاحق الجميع ليصنع معركة بين من يؤمنون أنه يمكن للبشر أن يتغيروا مهما كان سوؤهم وفسادهم بل من حقهم أن يُمنَحوا الفرصة للتغير، وبين من يؤمنون أنه لا يمكنهم أبداً التغير بعد مرحلة معينة وأن كل محاولات وآمال إصلاحهم هي مجرد تضييع وهدر للأوقات والجهود.

الفصيل الأخير نصبوا المحاكم وفتحوا أبواب زنازين المؤبدات للطالحين في قانونهم.. بل البعض منهم تمادى إلى فتح مقابر جماعية للمئات والملايين؛ في نظام تصفية أشبه بسحق الصراصير!!

لعلك أحد ضحايا أحد هذه الأحكام البترية.. لعل كل جهودك دوماً تصطدم برفض وتشكيك كل من حولك خصوصاً المقربين الذين لا يزالون يقنعونك أنهم أدرى بك من نفسك وأن هذه طينتك ولن ينطلي عليهم كل ما تفعله من مراوغات.

مع كل ذلك لا داعي للحيرة.. قليلٌ من التأمل وسترى بوضوح أن هناك بشر بالفعل يتغيروا بل وقد تغيروا، منهم من تغير للأسوأ ومنهم من تغير للأفضل، إنهم يتغيرون بالفعل كل يوم.. بل كل ساعة.. بل كل ثانية، لا أحد يتوقف على حال فالبشر أشبه بالبحر في ديمومة التقلب.

كإنسان- كل لحظة- لديك الخيار أن يكون تغيرك في اتجاه الصواب ابتعاداً عن الخطأ أو يكون مزيد من الغرق في الخطأ.. حرية الخيار الدائمة تبطل الدعوى “ذيل الكلب عمره ما ينعدل” و”الطبع غلاب “، إنها مجرد مغالطات يتداولها الناس ليبرروا استسلامهم وضعفهم في دفع ثمن المقاومة للحال الراهن، هذه المقولات تصح لو أضفنا إليها تعديل لتصبح (الطبع غلاب لمن أراد ذلك).

إن نفوسنا تمتلك خاصية الشفاء الذاتي والتجدد المستمر، لكن مع العادات والأحداث اليومية تتراكم الكثير من المخلفات التي تُسمِم نفسياتنا وتتعبنا يوماً بعد يوم وتتفاقم لتظهر على شكل (تعثرات نفسية) يسميها الناس “عقد” أو “إعاقات” أو “أمراض”، لكنها تظل مجرد تعثرات يمكنها أن تزول بمجرد أن نعزم ونوقف صب مزيد من السموم عليها ثم ندعها تصفو وتشفى.

حين ترى شخص يستمر في نفس المسار فتأكد أنه هو من يجدد خيار هذا الطريق في كل لحظة من تصرفاته، إما أنه يختاره عمداً مجدداً.. أو يختاره ضمنياً بمعنى أنه قد يرغب أن يتغير لكنه لا يجتهد اجتهاداً فعلياً لإحداث تبدل لمساره.. فالكسل.. الجهل.. التسويف.. القنوط.. الخوف.. ضعف النظر.. ضعف العزيمة، كلها آفات تجعل الواحد منا عاجز عن تخطي ما بداخله.

علينا أن نؤمن أننا “نحن بالفعل لسنا ما نحن عليه بل نحن ما نختار أن نكونه “.. ليتك تؤمن أنه:

 لا يوجد وقت نكون فيه كبار على المدرسة والتعلم.

لا يوجد خطأ لا يمكن الاعتذار عنه.

لا يوجد مهارة يستحيل اكتسابها..

لا يوجد نسب أو أصل يُستعصى رفعه بالأخلاق..

لا يوجد ذنب لا مغفرة له..

لا يوجد نقص لا عوض له..

فقط امنح نفسك فرصة أخرى حقيقية، فرصة تتحرر فيها من الأحكام المسبقة وتنال معطيات جديدة تفتح لك درب جديد.

(فرصة أُخرى) لتتغير هذه هي مسؤوليتك قبل أن تكون مسؤولية غيرك تجاهك، ولا بأس أن تطلب المساعدة بل لابد أن تطلبها حين تتعب، فمن ذا يطيق متطلبات العيش بنفسه فقط؟!

لا داعي للخجل أو للكبر فالكل سواء في الحاجة للمساعدة عند نقطة معينة واسأل العظماء عن كل مرشد ومعالج وصديق كانوا عوناً لهم.

العجيب أن الناس لا يترددون في طلب المساعدة لتصليح سيارتهم أو حتى برمجة حاسوبهم أو تلفونهم بينما يمتنعون عن طلب مساعدة مختصة لنفوسهم..!!!

يبررون ذلك بأنها أجهزة معقدة تحتاج لمختص فنحن لا علم لنا بتركيبها وأنها غالية الثمن والخطأ فيها قد يكلفنا الكثير..

صحيح هي كذلك.. كما هي ذواتنا الجزء الأكثر تعقيداً في الكون والأغلى علينا، والضرر فيها قد يعني انتهاء حياتنا حرفياً أو معنوياً، لذا فالأولى أن نطلب لأجلها المساعدة من شخص مختص ثقة..

بلا ريب.. أولئك الذين استحوذ عليهم الشر وأولئك الذين ينتهجون الصلاح وينشدون الحكمة كلهم محتاجون للمساعدة.. الأقوياء والضعفاء.. وأولئك الذين أجرموا بحق أنفسهم والظالمون لغيرهم.. الجميع..

الجميع محتاجون للمساعدة.. فالجميع يعاني الضعف ولا يمكنه إيجاد الطريق لوحده.

الخطير في تحسين ذواتنا يكمن في شيئين: –

أولاً: أن ذواتنا هي ذلك الجزء الوحيد الذي لا يسألك الناس عنه…قد يتابعونك لأجل الوظيفة.. الأولاد.. الزواج.. الشهادة.. الخ، لكن نادراً ما تجد من يهتم أن تكون نفسك على ما يرام، إنها مهملة غالباً منهم.

ثانياً: إن الضرر داخلنا صامت لا يظهر على السطح إلا بعد تراكمات كثيرة.. إنه لا يضغط علينا بوضوح كما يفعل الجوع مثلاً، ولذا يقوم الأغلبية بتأجيله وتهميشه إلى أن تحصل كارثة كبيرة.

وعليه.. إنه واجبك المقدس أن تعتني دوماً بنفسك مهما كانت محبطة لك.. واجبك وحدك أن تجهد لها وتحشد لها العون والقوة.

قد تتساءل.. إلى متى هذا الواجب؟

إلى أن نلفظ آخر أنفاسنا.. كل يوم.. كل ساعة.. كل دقيقة.. واجبنا أن نعمل بنشاط لتنقية نفسياتنا من المخلفات والاستهلاكات التي تنتج من يومياتنا.. تماماً كما نعتني بأجسادنا يوماً بالأكل والشرب والاستحمام.. وكما يقول زيج زيجلر: “يشتكي البعض أن التحفيز والصقل اليومي للشخصية يزول بسرعة هذا صحيح.. لذا فنحن ننصح به يومياً كالغذاء ودورياً كالاستحمام وفي كل لحظة كالتنفس”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى