عندما يتنطع الزعماء الذين ابتلى الله بهم اليمن بقولتهم أن هذا شعب عظيم فقد صدقوا وهم الكاذبون دوما, فهم قد ادركوا عظمة هذا الشعب واستغلوها حتى آخر رمق .
عندما يتنطع الزعماء الذين ابتلى الله بهم اليمن بقولتهم أن هذا شعب عظيم فقد صدقوا وهم الكاذبون دوما, فهم قد ادركوا عظمة هذا الشعب واستغلوها حتى آخر رمق .
عظمته في بساطة معيشته و قدرته على استراق الفرح من عمق الحزن, أفراحه قليلة ولبساطتها توشك أن تكون منادب, يرضى بالقليل و يكون أسعد الناس من ملك قوت يومه آمنا في بيته .. و أخير أصبح أسعد الناس ذلك الذي ما يزال على قيد العيش .
شاهدت هذه العظمة وأنا أمر في أحد الشوارع بعد أن غسلها المطر مخلفا آثاره من بقايا السيل قد تجمعت في أطراف الشارع على شكل حصي و أكياس قمامة جمعها السيل بحرص ليحتجزها المطب في عناد ..
و على الرصيف المبتل كان رجل يرص بعناية كراتين فارغة ليشكل منها مجلسا و يسندها بمتكأ من حجر متوسط الحجم ليجلس بعدها بشموخ البسطاء حين يصلون إلى أعلى مراتب الرضا, يبتسم وهو يتناول أوراق القات وكأنه سلطان الزمان على عرشه, قد بانت على ملامحه راحة بال عجيبة هي تلك العظمة الخفية في شعب كادح وصبور .
هذا الرجل المسن يظل طوال يومه يجمع العلب البلاستيكية من شوارع المدينة ليعيل أسرة كاملة, نظراته صارت تتركز نحو الأرض مصدر رزقه ونسي أن يرفعها لما في أيدي الناس من حقوق ليسلبها أو يسرقها ..
وغيره ألوف الكادحين يستلذون سعيهم للرزق الحلال بكرامة وقناعة يفتقدها ذوي المال والجاه .. إنها العظمة أن لا تنظر لما في أيدي الغير فتنزعها احتيالا وسرقة رغم حاجتك الماسة إليها .
ورغم كدحه و انحناء ظهره سحابة يومه إلا أنه يتصرف كقيل يمني عظيم في وقت راحته فيمد يده بأعواد القات بكرم لرفيق مجلسه الرصيفي ويبتسم للمارة بسعادة و كأن هموم العالم لا تثقل كاهله المنحني أصلا .
هذه هي مظاهر الفرح البسيطة التي يبتهج لها الجميع كطقس لا بد منه كأنه قانون يقول ما دام الفرح أتى فلنستقبله بما يليق به, كالحزن حين يأتي فنحسن وفادته بما هو أهل له .