كشف ملف الجرحى في محافظة تعز اليمنية، عجز الحكومة الشرعية التي يقاتلون تحت لوائها، وكذا الانتهازية التي يتعامل بها الحوثي مع جرحى الحرب التي تسبب في اشعال فتيلها في كل مكان بالجمهورية الفقيرة. يمن مونيتور/ تعز/ من أحمد الصهيبي
كشف ملف الجرحى في محافظة تعز اليمنية، عجز الحكومة الشرعية التي يقاتلون تحت لوائها، وكذا الانتهازية التي يتعامل بها الحوثي مع جرحى الحرب التي تسبب في اشعال فتيلها في كل مكان بالجمهورية الفقيرة.
ففي حين وقفت حكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، موقف المتفرج منذ إطلاق الاستغاثات الأولى لإنقاذ جرحى يتعفنون في المدينة المحاصرة، كان الحوثيون يستغلون الملف للمزايدة ويشكلّون لجنة لنقلهم إلى المستشفيات الواقعة في مناطق سيطرتهم، بالعاصمة صنعاء، ومدينة إب، وسط البلاد.
وبعد أيام من استغاثات متوالية، وجه رئيس الحكومة، أمس الإثنين، بـ”نقل 100 جريح من جرحى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية”، ممن يصعب علاجهم في الداخل إلى خارج الوطن وذلك ضمن منحة علاجية مقدمة من ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، لجرحى الحرب في اليمن، كما وجه بتأهيل عدد من مستشفيات المحافظة.
وفي تعز، تلقى أهالي الجرحى التوجيه الحكومي بنوع من الصدمة، فالمدينة التي تتصاعد فيها المعارك منذ إبريل، نيسان 2015، تحتضن أكثر من 13 ألف جريح، بينهم 6 و753 مدنيا.
عدّاد الجرحى لا يتوقف
لا تهدأ جبهات القتال في تعز منذ قيام الحوثيين باجتياحها في 21 مارس، آذار 2015، وتشكّل مقاومة شعبية رافضة لتواجده بعد ذلك بنحو شهر.
وبسبب الحصار المفروض على المدينة، وخروج المنشآت الطبية عن الخدمة، لم يتبقَ سوى مستشفيات الروضة (خاص) والثورة والتعاون (حكومي)، تقدم خدماتها لجرحى المدينة من عسكريين ومدنيين تنهال قذائف الحوثيين وقوات الرئيس السابق بشكل يومي على منازلهم وترسلهم إلى غرف طوارئ المستشفيات.
وفقا لإحصائية صادرة عن مؤسسة “رعاية”، المعنية بجرحى تعز، حصل عليها “يمن مونيتور”، فقد بلغ اجمالي الجرحى الذين وثقت حالاتهم بكشوفات رسمية في المحافظة (13.900) جريح، منهم (6.753) مدني.
ومن هؤلاء هناك المئات من الاصابات الخطيرة التي تستدعي السفر إلى الخارج، لكنهم لم يجدوا الاهتمام اللازم.
معاناة وإعاقة
223 جريحا أقرت اللجنة الطبية العليا بمحافظة تعز تسفيرهم إلى السودان لتلقي العلاج كدفعة أولى، في المنحة التي قدمها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، بعدها، أعلنت السودان الأسبوع الماضي أنها ستستقبل 48 جريحا فقط حسب قدرتها، بانتظار أن يقوم مركز الملك سلمان بالبحث عن مستشفيات في بلدان أخرى تستقبل هؤلاء الجرحى، بحسب مصادر طبية خاص.
وكانت مؤسسة رعاية قد أعلنت مطلع العام الجاري، عن احتياج 430 جريح السفر إلى الخارج، مع ارتفاع تلك النسبة أكثر من الضعف خلال 6 أشهر من المواجهات والقصف والحصار.
بلغ اجمالي جرحى محافظة تعز الذين استطاعوا السفر للعلاج خارج البلاد، منذ بدء الحرب، (38) جريحاً فقط، حسب احصائية حصل عليها “يمن مونيتور” من مؤسسة رعاية وجميعهم غادروا للعلاج بدعم ذاتي، في حين استقبلت مستشفيات “صابر – النخبة – أطباء بلا حدود” في محافظة عدن جنوبي البلاد، 110 من جرحى تعز الذين قدموا للعلاج فيها.
وكانت مستشفيات (الروضة – الثورة – التعاون) هي المستشفيات التي استقبلت الجرحى في محافظة تعز منذ بدء الحرب، كان من بين هؤلاء الجرحى (106) جريحاً أصيبوا بالإعاقة الدائمة جراء إصاباتهم الخطيرة التي تعرضوا لها إما عن طريق القنص في العمود الفقري والحبل الشوكي الأمر الذي يؤدي إلى حالات الشلل المختلفة، وإما عن طريق القذائف العشوائية والمتواصلة التي تتساقط على الأحياء السكنية، أو عن طريق الألغام التي عرضت عشرات الجرحى لبتر أقدامهم.
مبادرات متواضعة
رغم كل ما تقدمه مؤسسة رعاية للجرحى وأسرهم، إلا أن ذلك لا يتجاوز 10% من احتياجاتهم، كون مشكلة الجرحى بحاجة إلى ميزانية خاصة وليس ميزانية مؤسسة خيرية تعتمد على عطاءات رجال الخير والتجار والمبادرات الشخصية.
وقال مدير المؤسسة، عصام التميمي في حديث خاص لـ”يمن مونيتور”، إن المؤسسة تواصلت مع القيادة الشرعية ممثلة برئيس البلاد والحكومة، على ضرورة تقديم الدعم المادي للجرحى وسرعة تسفير الحالات الحرجة والمستعصية، إلا انهم لم يتلقوا أي تجاوب حتى اللحظة”.
وكانت مؤسسة رعاية قد أصدرت بيانا نهاية الأسبوع الماضي في ظل التطور الملفت في الحملة الشعبية المطالبة بسرعة علاج الجرحى، أعلنت فيه بأنها على استعداد للتعاون مع أي جهة ستقوم بتسفير الجرحى المستحقين للسفر من خلال تقديم قاعدة البيانات والملفات الخاصة بالجرحى، وكل ما تستطيع تقديمه من أجل علاج ورعاية الجرحى.
وأشارت المؤسسة في بياناها إلى أن إجمالي ما أنفقته على الجرحى في مختلف الجوانب مبلغ وقدره (72,122,826) ريال يمني، أي ما يوازي (300,000) دولار أمريكي، والتي تصل بالكاد إلى ما نسبته 10% من إجمالي الاحتياج الكلي لكافة الجرحى، الأمر الذي ينذر بكارثة كبيرة بين الناس، إذا لم تتفادى الحكومة الشرعية ذلك، وتقوم بعلاج جرحى المدينة التي يقتل يصاب كل يوم من أبنائها المدنيين ورجال المقاومة.
وقالت المؤسسة في بيانها “منذ عام ونصف والجرحى يعانون ولم تحرك الحكومة ساكناً تجاههم”.
و”رعاية” هي مؤسسة يمنية خيرية تنموية مستقلة، أنشئت في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي 2015، وبحسب المؤسسة فإن مؤسسيها ومجلس أمنائها هم من أقارب الشهداء والجرحى من الدرجة الأولى والثانية، وتقوم بخدمة أسر الشهداء والجرحى بما تملكه من إمكانيات بسيطة ومحدودة من خلال كفالات شهرية لأسر الشهداء، وكفالة الأيتام، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية للجرحى، وتوفير الكراسي والعكازات لهم، وتقديم المساعدات النقدية لإجراء العمليات الجراحية وأجهزة التشخيص الطبية، وقضاء ديون الشهداء، وتقديم السلل الغذائية لأسر الشهداء والجرحى، وكسوة العيد لأبناء الشهداء.
معاناة أسرة
تمكن بعض أهالي جرحى تعز من تسفيرهم إلى دولة الهند، ومنهم الصحفي “مازن عقلان”، الذي توجه إلى هناك لعلاج شقيقه وشقيقته اللذين تعرضا لنيران المسلحين الحوثيين والمواليين للرئيس السابق، بعد أن كانت حالتهما خطيرة للغاية وتستدعي السفر العاجل.
يروي مازن عقلان –شقيق الجريحين لـ”يمن مونيتور” معاناته اللي لحقت به وأسرته جراء الحرب التي فرضت على مدينته، “كحال كل جرحى تعز المصابين جراء مجازر مليشيا الحوثي والمخلوع، واجهتنا صعوبات كبير منذ اللحظات الأولى لإصابة شقيقاي، خاصة وأنك في مدينة محاصرة يمنع دخول المستلزمات الطبية إليها ولا يتواجد فيها غير مشفى خاص وآخر حكومي، يفتقران لكثير من مستويات الرعاية الطبية”.
“هشام” هو شقيق مازن الصغير، تعرض لرصاصة قناص حوثي في المواجهات التي دارت في حي الحصب غربي مدينة تعز في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي أصابته بشلل رباعي بعد أن استقرت في حبله الشوكي، في حين تعرضت شقيقته الأكبر منه “هند” لقذيفتين أطلقها المسلحون الحوثيون والموالون لهم على مقر إقامتهم في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري بحي الروضة شمالي المدينة، تعرضت جرائها إلى كسور وتمزق في قدمها.
يضيف مازن، “حين قررنا السفر للعلاج للخارج نظراً لخطورة الإصابة، ابتداءً باستخراج جوازات سفر للجريحين بمبالغ باهظة من مناطق سيطرة الإنقلابيين، حيث استغرق استخراجها أسابيع”.
وقال: “وحين تقرر موعد السفر في فبراير/ شباط، وجدنا صعوبة كبيرة في إخراج شقيقي هشام من المدينة المحاصرة، حملناه بواسطة نعش “نقَّالة” ومررنا به مشياً على الأقدام عبر طريق طالوق لمدة أربع ساعات، بعدها واصلنا السفر بواسطة إحدى السيارات حتى وصلنا إلى مدينة عدن جنوبي البلاد”، تجاوزنا في طريقنا الكثير من النقاط العسكرية التي تعاملت معنا بفضاضة وعنصرية كوننا ننتمي إلى مدينة تعز، ولم يكن عبورنا بالمهمة السهلة”.
يواصل مازن عقلان حديثه عن معاناته لـ “يمن مونيتور” والتي وصفها بـ”عذابات رحلة العلاج”، يقول “سيكون كل شيءٍ هيناً مقارنة بعذابات الرحلة البحرية التي يعيشها الجرحى أثناء انتقالهم إلى دولة “جيبوتي” بواسطة السفينة القديمة المسماة بـ”الزعيمة”، وأضاف “هناك في جيبوتي ستواجهك مشكلة أخرى هي شروط شركات الطيران نقل جريحك فوق “سرير طبي” والتي تزيد تكلفته عن 7000 دولار أمريكي.
لم تنتهِ معاناة مازن وأسرته بعد كل ما مر بهم، حيث يتبقى على عاتقهم مشكلة كبيرة في توفير تكلفة العلاج، سيما وأن الحكومة الشرعية ليس لها أي دور يذكر تجاه جرحى تعز، لكن في الوقت ذاته، “لو قبل الجرحى وأسرهم الانتظار في مدينتهم حتى تستجيب لهم حكومة بلادهم، لكانوا الآن في عداد الموتى، لأن أغلب من تمكنوا من السفر كانت جراحاتهم لا تحتمل التأجيل أكثر” حسبما يقول مازن.
مشكلة انعدام الأكسجين، كانت أيضاً هي أحد المشاكل التي كتمت أنفاس أبناء المدينة، بعد أن حوصرت مدينتهم من قبل تحالف الحوثيين والرئيس السابق، ومنعت إدخال أي أدوية أو مستلزمات طبية، بما فيها اسطوانات الأكسجين، التي لا يستطيع أي مشفى الاستغناء عنها يومياً وخاصة في ظل الظروف الحرجة التي مرت بها مدينة تعز، كما بلغت الرعاية الطبية أسوأ مراحلها بانعدام الكادر الطبي المتخصص الأمر الذي عرض عشرات الجرحى لتوسع جراحاتهم وإصابتهم بعمليات “تقرُّح” بعد أن تمتلئ بالفطريات.
عمليات فرز وتقييم
أواخر يونيو/ حزيران الماضي، عقدت اللجنة الطبية العليا في محافظة تعز مؤتمرا صحفيا استعرضت فيه أمام الرأي العام ووسائل الإعلام الحالات الجراحية المقرر سفرها إلى الخارج.
كما أعلنت اللجنة في مؤتمرها اختتام جلسات معاينة وتقييم الجرحى، التي استغرقت أسبوعين كاملين، تم خلالهما معاينة وتقييم للجرحى من المدنيين وأفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، جاء ذلك بعد إعلان مركز الملك سلمان للإغاثة أنه سيقوم بنقل الحالات الحرجة من الجرحى للعلاج خارج البلد.
التقى “يمن مونيتور” رئيس اللجنة الطبية العليا د. فارس العبسي، والذي تحدث بدوره عن تفاصيل ما تم خلال عمليات الفرز والتقييم للجرحى واختيارهم.
وقال العبسي، “استقبلنا خلال عمليات التقييم 600 جريحاً، والذين قمنا بدورنا بتقسيمهم إلى ثلاث فئات، منها من أعطي حق السفر حسب نوع الإصابة.
بلغ اجمالي عدد الجرحى الذين منحوا أحقية السفر (٢١٣) حالة، فيما منحت (62) حالة أخرى أحقية السفر في مرحلة ثانية، وبلغ عدد الجرحى الذين تقرر توزيعهم على مراكز العلاج المتوفرة داخل المدينة (173) جريحاً.
وأكد العبسي أن عشرات الجرحى لم يتمكنوا من الوصول إلى اللجنة لتقييم إصاباتهم، كان من أبرز تلك المعوقات تواجد هؤلاء الجرحى في مناطق الريف، لكنه قال بأن اللجنة الطبية ستقوم بعمل آلية لاستقبال بقية الجرحى بشكل مستمر لتتم عملية استيعابهم في مرحلة قادمة.
وذكر الدكتور العبسي أنه تم إرسال جميع ملفات الجرحى المقرر سفرهم لوزير الإدارة المحلية – رئيس اللجنة العليا للإغاثة، عبدالرقيب فتح، ونسخة إلى نائب وزير الصحة الدكتور عبد الله دحان”، مشيرا إلى “أن رد مركز الملك سلمان للإغاثة جاء بالموافقة على تسفير (48) حالة إلى دولة السودان، كدفعة أولى.