حتفال الليبراليين العرب بالانقلاب وشماتتهم بأردوغان حملت كراهية دفينة وكذباً متعمّداً، وتجلت مواقفهم مغلّفة باللؤم والسخرية، وعلامات الغضب من تحركات الشعب ومواجهته للانقلابيين، وسخطهم الواضح من موجات الوعي الراسخة لدى قوى تركيا المختلفة. كنت برفقة زملاء وأصدقاء في مساء الجمعة 15 من يوليو/ تموز بعيدا عن الانترنت والتلفزيون أيضا، تناولنا العشاء وتبادلنا أطراف الحديث باعتبارنا إعلاميين، عن دور وسائل الإعلام اليمنية في مواجهة انقلاب مليشيا الحوثي وصالح المتمردة التي ابتلعت الدولة وارتكبت الفظائع والجرائم بحق اليمنيين.
وبينما نحن منهمكون في الحديث والاقتراحات عن تطوير الخطاب الإعلامي للقوى الوطنية المناهضة للانقلابيين في صنعاء، فتح أحد الزملاء من خلال جواله الانترنت فجاء خبر كالصاعقة: “انقلاب عسكري في تركيا “!
هنالك حدثت هزّة ارتدادية أصابتنا بالذهول، شَخَصت ابصارُنا وتسمّرت أجسادنا مع ألم وخوف عميقين ودعوات متكررة وبإلحاح بأن يلطف الله بالشعب التركي ويبعد عنهم غدر العسكر، كوننا على معرفة بما يمكن أن يحدث لتركيا وشعبها والمنطقة عموما إذا ما نجح الانقلاب العسكري.
ولأننا رأينا ولمسنا وتجرعنا مرارة نماذج انقلابية فاشية انقضت على دول الربيع في مصر واليمن وليبيا، كيف أن انقلابات الثورة المضادة قتلت الآلاف وشردت مئات الآلاف واعتقلت عشرات الآلاف من الأبرياء من نخب المجتمع وشباب ورواد الثورات السلمية، وجعلت من تلك الأوطان مكبّا لنفايات الحقد الدفين على حرية الشعوب وكرامتها، وحولت المدن إلى ساحة إعدام للحلم والعدالة.
عدنا إلى السكن ونحن نحمل آمال فشل الانقلاب وصور مروعة راسخة تراود مخيلتنا، نسترجع مذابح الانقلابيين في مصر، وتجريفهم للقيم والكرامة الإنسانية واعتقالهم للقيادة المنتخبة، والاعتقالات، وإغلاق وسائل الإعلام، ومطاردة الناشطين والرافضين للانقلاب، إضافة إلى صورة أخرى مشابهة في البشاعة والجريمة حدثت لنا نحن اليمنيين وعشتها شخصيا لحظة بلحظة، حينما اجتاحت صنعاء عصابات مسلحة تتبع مليشيا الحوثي وبتسهيل من تشكيلات عسكرية تدين بالولاء للمخلوع صالح، وسرقة الدولة، واقتحام منازل ومؤسسات حزبية ومجتمعية، ونهب وسلب على أسع نطاق قادها انقلابيو الثورة المضادة، وتواطؤ وزير الدفاع آنذاك، وفتحه أبواب المعسكرات لغلمان وجحافل الكهف الحوثية.
إضافة إلى كل ذلك، وقوف من يزعمون أنهم ليبراليون وحداثيون وحقوقيون إلى جانب الانقلابيين، والأمر متشابه بل أكثر من ذلك بكثير في مصر، حين وقفت التيارات الحداثية والليبرالية وإعلامها وتشكيلاتها المجتمعية والصحافة والقنوات والرموز السياسية إلى جانب انقلاب السيسي على أول رئيس انتخب عبر صناديق الاقتراع الدكتور محمد مرسي.
حكاية الليبراليين العرب أمر يثير الاستغراب، نجدهم مع كل حركة انقلابية تسعى لوأد الديمقراطية، مع كل سلطة تتخندق خلف ممارسات استبدادية، مع كل نظام يمارس أبشع الجرائم بحق الشعوب وحقوق الإنسان، يناهضون الربيع العربي، ويمقتون إرادة الشعوب والحكومات المنبثقة عن صناديق الانتخابات، ويعتنقون مسارات الثورة المضادة، يتدثرون خطابا فاشيا إقصائيا، ويمررون أكاذيب مفضوحة وعلى الهواء مباشرة عبر منابر إعلامية أسفرت عن بهجتها وسرورها للحركة الانقلابية الفاشلة في تركيا.
حتى أن إحدى مذيعات محطة تلفزيونية مشهورة بولائها للثورة المضادة آلمها جدا الأخبار المتواترة التي تتحدث عن فشل الانقلاب، وقالت بتنهيدة واضحة “تم إحباط الانقلاب .. للأسف!”.
ليجتمع إعلاميو أذرع إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والأسد والسيسي ومناصروهم من نخب الليبرالية في الخليج العربي في خندق واحد من أجل إنجاح الانقلاب ولو من خلال كتاباتهم ومشاركاتهم المتكررة على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزيون والصحف التي تخضع لسيطرتهم، وبدت برامجهم ومشاركاتهم غير مكترثة بإجهاض الانقلاب، ومتجاهلة في الوقت ذاته الجرائم الدموية ضد المدنيين والشرطة الذي تصدوا لطغمة الانقلاب.
احتفال الليبراليين العرب بالانقلاب وشماتتهم بأردوغان حملت كراهية دفينة وكذباً متعمّداً، وتجلت مواقفهم مغلّفة باللؤم والسخرية، وعلامات الغضب من تحركات الشعب ومواجهته للانقلابيين، وسخطهم الواضح من موجات الوعي الراسخة لدى قوى تركيا المختلفة، ودفاعهم المستميت عن إرادتهم الحرّة، بل استخدم الكثير من الليبراليين ألفاظا تبدو سوقية وخارجة عن اللياقة الأدبية.
ليمْعنُ الحداثويون والليبراليون العرب السقوط في قعرِ وحْل تناقضاتهم، ولن يفيقوا من سكْرة عدائهم لحريات وإرادة الشعوب، وتكشّفت أقنعتهم يوما بعد آخر وهي محاطة بمخالب التضليل والادعاء الزائف بصوابية رؤاهم ومساراتهم الملوثة بالخطيئة…!