صديقي والزبادي في سجون الإنقلابيين
حارث حميد
كنت جالساً على فراشي وإذا بباب الزنزانة يفتتح ويدخل علينا مساجين جدد هكذا حسبناهم فيقوم أغلب السجناء السابقين للتحليق عليهم وتبدأ الأسئلة تأتي عليهم من كل جانب ويحاول السجين الجديد أن يرد على أسئلة الجميع لكي يرضيهم جميعاً ومحاباة لهم من أجل أن يحصل على مكان ينام فيه وسط هذه الكومة من السجناء
ويبدأ السجناء بالإنسحاب من التحليق حول النزلاء الجدد ليس لأنهم قد تشبعوا منه ولكن ليتم الإستفراد به مع كل سجين
تعرفت على بعضهم
وأخذت وأعطيت معهم حتى توصلت أنا وهم إلى نقاط مشتركة بيننا وإذا بأحدهم يسألني تعرف فلان
فأجبته بنعم
قال : لقد حدثنا عنك كثيراً
فقلت له أين وجدته
قال : نحن كنا سوياً في سجن حجة لمدة أربع سنوات
وبدوري سألته : أين هو الآن
قال : إنه معنا وهو الآن في طرف الزنزانة وعاد يقول لي : بالله عليك ما عرفته
قلت له : لم أعرفه لأن لي منه تقريباً عشر سنوات
فذهب هذا الشخص ليستدعي صديقي القديم
وبينما هو قادم نحوي صاح بصوته (( والله حارث )) (( والله هوه ))
فتعانقنا وبقينا نتكلم
أسأله عن أيام الدراسة وعن الزملاء وعن مأرب -لأنه زار مأرب قبل أن يسجن – فيقاطعني
ويقول لي :
هل موجود ماء
هل لديكم أكل
جيبوا لي فراش أنام عليه
من أين أحصل على ملابس
فأجبته : تطمن إن شاء الله بايجي الخير من باب أن أحافظ على نفسيته بأن لا ينهار
وكان بجواري أحد النزلاء السابقين فصاح قائلاً : والله مابه أي شيء ولا تحلم حتى بقارورة ماء ولا حتى ربع فرش ولا كدمة زيادة وبدأ يعدد لصديقنا الجديد مساوئ السجن كاملة
وصديقي يلتفت إلي ويقول لي : أسألك بالله هذا الكلام صدق
فقلت له : نعم
نحن على هذه الحال من سنوات
وقلت له : قد مضت بكل ما فيها من قبح فلا تيأس ستمضي الأيام والسنون
وبدأ صديقي يعتاد الوضع الذي نعيشة
حتى أقبل رمضان
وإذا بصديقي يقول لي : رمضان شهر كريم مبارك أكيد عتتحسن التغذية وبا يجيبوا لنا الزبادي ويسمحوا لنا بالملح والسكر والتمر
وأنا أسمعه ولا أرد عليه
فأتى رمضان
وإذا بصديقي يأتي إلي بعد صلاة العصر يكلمني كي نقوم بتقطيع الخبز ( الكدم )
فقلت له : انتظر حتى يأتي الزبادي
ولازال صديقي كلما سمع حركة أحد الشوش أو أصوات خارج الزنزانة يهرع مسرعا لكي يأخذ منهم الزبادي لصنع الإفطار
مشى الوقت واقتربنا من المغرب
ولا زال صديقي منتظر
حتى أذن المغرب فصلينا وتعشينا رز على ماء فقط ومع ذلك لا يتم إنضاجه بشكل جيد وكذلك بطاط حجري لا نستطيع مضغها إلا بعد أن نقوم بهرسها بقارورة ممتلئة بالماء مخصصة لتفتيت البطاط
ونحن على العشاء قال لي صديقي : بايجيبوا الزبادي بعد العشاء وبدأ يبرر أنهم لم يستطيعوا توزيعه لأنهم صائمون
ولم أرد عليه
وظل منتظرا حتى جاء السحور وهو عبارة عن مرق الفول أما الفول لا نراه إلا في الشاشة كما يروا هم سيئهم عبر الشاشة فقط
وإذا بصديقي يسأل الشاوش : أين الزبادي ؟
رمضان نشتي نعمل فطور
فرد الشاوش : أيش من زبادي أيش من طلي
أنت مش عارف إن الزبادي ممنوع
فظن صديقي أنه يمازحه
فرد عليه صديقي : بالله متى توزعوا
فرد الشاوش : أنت شكلك ما تفهم أكيد جلدك بيحكك
فانسحب صديقي وعاد إلي وهو يقول لي : اسألك بالله ما يجيبوا زبادي
قلت له : ممنوع الزبادي
قال : حتى في رمضان
قلت له : حتى يوم العيد
فقال لي : ليش المعاملة هذه
قلت له : هم يتعاملوا معنا ككفار
ويرون أن إيماننا وعقيدتنا وصلاتنا وصيامنا كله باطل مالم نتبع سيئهم
ولكن صديقي كان محظوظ لأنه خرج من السجن في خمسة رمضان ولم يكن محظوظاً بأنه لم يذق الزبادي
فيما بقيت أنا وزملائي نكمل رمضانين اثنين من دون زبادي وملح وسكر وكل ما لا يخطر على بال بأنه سيتم منعه
هذه هي قصة الزبادي في السجون اللعينة لدى السلالة الخبيثة
لعنة الله عليهم
ونسأل من الله الفرج للبقية من المعتقلين والأسرى