يتحدث المنطقيون عن مغالطة منطقية يسمونها “الأنالوجي الزائف” أو “القياس الزائف أو الكاذب” أو “المماثلة الزائفة”، وكلها مسميات لمغالطة يقع فيها من يعقد مقارنة بين أمرين ليس بينهما وجه للمقارنة، أو أمرين بينهما تشابه سطحي فقط، أو بينهما شبه حقيقي لكنه لا يتصل بالشأن المعني الذي تريد الحجة أن تثبتها. يتحدث المنطقيون عن مغالطة منطقية يسمونها “الأنالوجي الزائف” أو “القياس الزائف أو الكاذب” أو “المماثلة الزائفة”، وكلها مسميات لمغالطة يقع فيها من يعقد مقارنة بين أمرين ليس بينهما وجه للمقارنة، أو أمرين بينهما تشابه سطحي فقط، أو بينهما شبه حقيقي لكنه لا يتصل بالشأن المعني الذي تريد الحجة أن تثبتها.
تبدأ المغالطة تلك من افتراض يقول إن تشابه الأشياء في وجه من الوجوه أو في عدة أوجه يعني التطابق والتماثل، برغم أن الأشياء لا يمكن أن تتماثل بوجه كامل أبداً، وإلا لكانت العلاقة بينها علاقة هوية لا مجرد تماثل، فهناك دائما نقطة فرق تبدأ منها هدم صورة التماثل والتطابق ويبدأ معها وضوح الاختلافات ونقاط الفروق.. وسيكون الاستمرار في ادعاء التماثل بين تلك الأشياء والقضايا والمواقف والأحداث والتصورات -برغم عدم تحققه- نوع من المغالطة والحماقة والإغواء.
هذا المغالطة المنطقية لها وجهان في الاستخدام الدارج بين الناس، الوجه الأول هو تماثل شيء (قضية – فكرة – حدث- موقف- تصور) حقيقي بشيء آخر حقيقي، فمثلا يماثل حدث ما بحدث آخر إما مفارق له في الزمان والمكان أو متحد معه في أحدهما. أما الوجه الثاني فهو تماثل شيء حقيقي بشيء مجازي أو بياني، فمثلاً يماثل بين قضية أو فكرة أو حدث معين مع صورة مجازية يستخدم فيها التشبيه والاستعارة لتقريب الصورة إلى الأذهان.
طبعا ليس في التشبيه المجازي بين الأشياء مغالطة في حد ذاته، فذاك مستخدم عند كل البشرية حين لا تتسع اللغة للتعبير الحقيقي عن الدلالة لما تريد، وإنما تكمن المغالطة حين ينظر لذلك التشبيه على أنه تماثل، ومن ثم يبني عليه الاستدلال ويحوله من تشبيه لتقريب الصورة إلى دليل يوزع فيه عدة أحكام.. لن أقف طويلاً عند الوجه الثاني وإنما عرجت عليه سريعاً حتى لا يظن القارئ المطلع أن هذه المغالطة لها وجه واحد هو الوجه التماثل المجازي، بل هي وجهان، وسأكتفي بالتوقف عند الوجه الأول لهذه المغالطة، كون استخدامه أكثر بين الناس، فالناس جميعهم يقيسون بين الأشياء لكن من يتكلم بالمجاز منهم أقل.
القياس في ذاته ليس خطأ فالمعرفة في جزء كبير منها تقوم على دراسة وإدراك واستقراء نقاط التشابه بين الأشياء، ومن ثم تصنيفها وجمعها في فئات، كما تقوم على التعميم من أمثلة محددة إلى صور عامة أو مبادئ مجردة، كما تقوم المعرفة أيضاً على التعلم من تشابه وقائع التاريخ القريب والبعيد لتعزيز الفائدة وتجنب الضرر، وعلى تطبيق معرفتنا بشيء ما في تناولنا لشيء آخر مشابهة. وربما نستطيع القول إن كل صور الاستدلال وإعمال العقل وكل ضروب الادراك الحسي والذهني إنما تستند إلى قدرتنا على تمييز أوجه التشابه الحقيقية وذات الصلة ومعاينة القواسم المشتركة بين الأشياء.
لقد انطبع العقل العربي بالتفكير القياسي الذي ترسخ عبر قرون بفعل القياس الفقهي الذي أخذ مساحة كبيرة في التراث الإسلامي، وبرغم ما في ذلك القياس الفقهي –بمدارسه الضيقة والمتسعة- من فوائد استطاع العقل أن ينفذ منها ولو قليلا بدلاً عن الاكتفاء بالنقل، إلا أنه صار مع الأيام وبفعل الكسل الذهني عند الناس قياساً سطحياً يمرون فيه على سطح الأشياء لا على أعماقها، فيلتقطون نقاطاً ظاهرها الشبه بين الأشياء، بينما لو أنها خضعت للتحليل لاتضح أنها أوهام تشابه لا تشابه حقيقي، أو أنها نقاط تشابه في الفروع لا في الأركان والأصول، أو لتبين أنها بلا قيمة حقيقية وأن نقاط الافتراق أعمق وأهم وأخطر، وفي كل ذلك يكون البناء عليها في نتيجة ما خاطئاً وزائفاً أو في أحسن الأحوال ناقصاً.
في الغالب يكون ذلك التسطيح في قياس الأشياء بلا وعي من صاحبه، وقد يكون في أحيان نادرة بوعي وقصد، وهذا سيفرق في التعامل مع تلك القضية المغالطة، فالواعي مغالط وقضيته مغالطته، واللاواعي قضيته مغالطة فقط، دون أن أحكم عليه شخصيا، لأن ذلك ليس بالأمر السهل وإنما يحتاج لقرائن وشواهد كثيرة مع طول متابعة ليكون حكمنا دقيقا، والفائدة من هذا التقسيم تكمن في أخذ الحذر أكثر تجاه ما يصدر من أحكام ومواقف من المغالط الواعي بعكس المغالط اللاواعي، وسيكون العامل مع الأول أشد حذراً وحيطة.
كان هذا توصيفاً نظرياً عاماً لتلك المغالطة وفي الحلقة القادمة، إن شاء الله، سنتوقف عند مثالين تطبيقيين لتلك المشكلة، فنقف عند قضايا كان التماثل فيها زائفا، مما جعل النتائج والأحكام والحلول المتعلقة بها زائفة أيضا، أو بشكل آخر مشوهة أو منقوصة. سيتحدث المثال الأول عن قضية في حياتنا الفكرية وهي تماثل الصراع في الحالة الأوروبية في عصورها الوسطى وما تلاها بحالتنا اليوم، وسيتحدث المثال الثاني عن قضية سياسية نعيشها اليوم وهي تماثل جزئيات مما جرى بتركيا بما جرى في بعض بلداننا العربية.