ماذا سيقول عنا العالم؟!
اول شيء يقابله الزائر للمدينة عدن او غيرها من مدن بلدنا الحبيب، هو سائق تاكسي وثقافة هذا السائق، ومشاهد حركة السير للمركبات والبشر في الشارع العام، وتتشكل لديه صورة عن ثقافة المجتمع، واول ما تطأ اقدامه ارضنا الحبيبة، يبدأ شغوف في اكتشاف سلوك الناس وثقافتهم، وفهم ديناميكية حركة المجتمع، يستطلع الشارع العام، والعلاقات والتعامل مع من يقابلهم، ما يلفت انتباهه حركة رجال الامن والعسكر بسيارتهم وبدلاتهم العسكرية، وان أراد ان يعرف عن مستقبل هذا البلد عليه ان يتمعن جيدا بما يدور في المدارس والجامعات، وما يدور في اذهان من يقابلهم من اعلاميين ومثقفين ونخب سياسية واجتماعية، ويقرأ الصحف الصادرة.
إذا الزائر للمدينة عدن اليوم سيجد مدينة تغرق بالفوضى، ومجتمع يصرخ من وطأة هذه الفوضى، في انتهاكات تحدث داخل المدينة، يقابله معالجات خاطئة، لا تستند لتطبيق روح القانون، معالجات معظمها بالصلح والاعتذار وعفى الله عما سلف، ومجتمع متطلع لدولة النظام والقانون، يرى امامه النظام والقانون لا قيمة له في معالجات قضايا الانتهاكات العامة والخاصة، ولا محاسبة قانونية.
مع احترامنا وتقديرنا لدور رجال الامن في ضبط الامن العام، ودور القضاء في تحقيق العدالة والانصاف، ودور النيابة كحامي للحق العام، كيف لهم ان يفرطوا في هذا الحق، ويسمحوا للصلح والاعتذار ان يتحول لثقافة بديله عن ثقافة روح القانون، ام ان هذا هو المستورد الجديد (للعدالة التصالحية)، التي روج لها وكنا احد المتخوفين من انها ستقتل فينا وفي المجتمع روح القانون، بعذر روتين ممل وطويل للمحاكم، وهو عذر اقبح من الذنب نفسه، لأننا باستطاعتنا معالجة هذا الروتين، ونعزز ثقافة روح القانون في مدينة ومدنية، قد تجاوزت مراحل الأعراف والتقاليد في حسم القضايا، لمصاف المدن الحضارية والمجتمعات المدنية.
اول مشاهدة سلبية للزائر لعدن سيجد شوارع بدون إشارات مرورية ضوئية، لمدينة كانت اول ما عرفت الإشارات الضوئية في عام 1934م وعممت بشكل أوسع في عام 1954م، واليوم لا توجد بها إشارة ضوئية تعمل، بعضها تم قلعه والبعض الاخر مدمرو شاهدا على زمن اندثر وعلى نظام نفتقده اليوم، وعلى ثقافة تتعرض للتجريف.
ثم ما هي الصورة التي ستتشكل عن حادثة ضرب المعلم في حرم المدرسة، من قبل طلاب المدرسة، وتم الحل باعتذار مهين، عفى الله عما سلف، وأين الحق العام للمجتمع، في قضية أصبحت راي عام، وماذا يعني راي عام، يعني ان النائب العام يجب ان يبث بها بدون طلب من المتضرر، فقد أصبحت قضية مجتمع وعليه ان يحفظ للمجتمع حقه، المجتمع يصرخ، والنيابة لا تسمع، والحل يفرض بشكل مهين على هذا المجتمع والتعليم والمدرسة والمعلم ، تقدم البعض بعدد من المناشدات لتدخل السلطات، ولا حياة لمن تنادي.
وهناك رجل مرور يقف على الشارع يمثل الدولة، وينظم يقاع حركة السير، مهمة وطنية شريفة، ويتعرض للدهس من قبل متهور عاكس خط، بهذا التصرف اهان الدولة واهان المجتمع واهان النيابة والامن العام والسلطة ، ولم تتحرك تلك الجهات التي لم تشعر بالإهانة، المجتمع ينتظر انصافه، والنظام والقانون ينتظر من محاميه ان يتحرك، ليوقف هذا المتهور، ليحاسب ليكن عبرة لغيره من العابثين بالسكينة العامة والمستهترين بالأمن العام.
هذه مجرد امثلة لا للحصر فالحصر لن يتسع لمقالي هذا، في مدينة بدأت تفقد جزءا مهم من ارثها وثقافتها كمدنية، حيث روح القانون هو روح المجتمع الضابط للعلاقات وايقاع الحياة، صار الصلح هو السائد والعيب انه يتناغم مع ارث القبيلة، حيث تذبح الاثوار في إهانة لمجتمع مدني قد تجاوز ذلك منذ عقود، وارتقى لمستوى المجتمعات المتقدمة، واليوم تعاد تلك العادات والأعراف بشكل فج ومهين للمدنية عدن .