تداول إعلاميون ونشطاء موالون للشرعية، مئات من التغريدات الساخرة، التي تحث الرئيس اليمني على تحميل تطبيق فايس تايم “السحري” بأسرع ما يمكن. بسبب انقلاب تركيا سريع الفشل، تذكر اليمنيون بمنتهى الحسرة، وضعهم عشية سقوط العاصمة صنعاء، وبالذات إلزام الرئيس عبد ربه منصور هادي كافة الأحزاب السياسية الرئيسية حينها على توقيع “اتفاقية السلم والشراكة “مع الإنقلابيين، في حين أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ظهر عبر “فايس تايم” التابع لشركة آبل، وهو يدعو الشعب التركي للنزول إلى الشوارع، متعاملا مع الحدث بمسؤولية ايجابية -كما وصفت- ووعي ميديائي، تبين لاحقا أثره البالغ على مجريات الأحداث وتحولاتها.
والشاهد أن الطريقة التي وجه بها أردوغان كلماته المتكررة ضد الانقلاب، صارت مثار سخرية وتهكم وانتقاد في اليمن، ليس ضد سلبية الرئيس هادي فقط، بل ضد سلبية النخبة السياسية برمتها، فضلاً عن قطاع واسع من سكان العاصمة صنعاء الذين رضخوا لانقلاب الميليشيات.
فلقد تداول إعلاميون ونشطاء موالون للشرعية، مئات من التغريدات الساخرة، التي تحث الرئيس اليمني على تحميل تطبيق فايس تايم “السحري” بأسرع ما يمكن.
وللمقارنة؛ فإن الأحزاب اليمنية ليلة سقوط صنعاء ذهبت جميعها لتوقيع اتفاق السلم والشراكة سيئ الصيت، بينما في تركيا وقفت جميع الأحزاب موقفا رافضاً للانقلاب.
وإذ يمكن القول إن أردوغان قد حقق هدفه عمليا -على الأقل حتى اللحظة- وبشكل هو الأسرع تاريخياً في التعامل مع انقلاب، أجمع النشطاء في اليمن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الطرق التي تعامل بها الرئيس اليمني قبل عامين مع ممارسات الانقلابيين الحوثيين المسنودين بقوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، قد جعلتهم يسيطرون على مناطق ومؤسسات واسعة، ويفرضون شروطهم أيضا، وسط سلبية الجيش، ولاحقاً انقسامه، وذهول اليمنيين عموما.
ثم بالرغم من المقاومة التي استمرت أكثر من عام ونصف، مسنودة بالتحالف العربي، خاض الطرفان حوارات متعددة في سويسرا والكويت برعاية أممية، لم تُفضِ حتى الآن إلى بسط نفوذ الشرعية في المناطق التي يفترض انها تحت سيطرتها، إضافة إلى إصرار الميليشيات على عدم انسحابها وتسليمها السلاح، وإبطال الانقلاب والدخول في اجراءات تنفيذ القرار الأممي 2216.
أما واقع المقارنة بين الانقلابيين في تركيا واليمن؛ فيشير إلى أنه “في اليمن تم الانقلاب بمكالمة هاتفية، وفي تركيا تم افشال الانقلاب بمكالمة هاتفية.. والفرق فقط بالشركة المصنعة للهاتف”-حسب تعليق ساخر ومرير.
والصحيح أنه “عندما كان الحوثيون يحاصرون صنعاء، تشكل اصطفاف وطني واسع دعا لتظاهرة، وبسببه غرقت شوارع صنعاء بالمتظاهرين كما لم يحدث في تاريخها”.
إلا أن “هؤلاء سرعان ما اصطدموا حين اجتاحت الميليشيات صنعاء، بردات فعل لا متوقعة من قيادة البلد”. فآنذاك تم التعامل مع الحدث باسترخاء شديد ما يزال ملغزاً إلى اليوم، إذ دون أية أوامر للجيش من أجل المواجهة، وفي ظل عدم حث الشعب على التحرك، اكتفت القيادة الشرعية باتفاقية السلم والشراكة، ثم تمت سيطرة الميليشيات على كل مؤسسات الدولة في العاصمة، بما فيها مؤسسة الرئاسة أيضا، وإخضاع هادي نفسه بالتالي للإقامة الجبرية حتى تمكنه من الفرار، وصولاً إلى إقرار الانقلابيين الإعلان الدستوري، والتعبئة الجهادية على بقية المدن لإخضاعها، وكذا المناورات التهديدية على الحدود مع السعودية.
من ناحية أخرى ثمة تشابه بين توجه الانقلابيين في تركيا واليمن إلى مؤسسة التلفزة الحكومية، ما ينطوي على الوعي البائد للانقلابات وارتباطها بالسيطرة على التلفزيون الرسمي.
لكن في اليمن سيطرت الميليشيات على مبنى التلفزيون وأوقفت البث، لأن قوات الجيش المرابطة هناك انسحبت، وتم أسر بعضها، بعد قصف مكثف لمقر التلفزيون، ما أدى إلى جرح عدد من موظفيه واحتراق جزء منه واستمرار الجماعة بالسيطرة عليه حتى اللحظة.
بينما قناة TRT الحكومية التركية استأنفت بثها بعد انقطاعه لساعات جراء سيطرة القوات التابعة للانقلاب العسكري عليها.
ويا ترى.. ماذا لو كان الرئيس عبد ربه منصور هادي وجه كلمة لليمنيين لمواجهة الانقلابيين كأردوغان؟
بالتأكيد ثمة فارق بين ذهنيتين للأسف، وذلك على مستوى المبادرة وعلى مستوى التلقي، كما على مستوى التطور السياسي والاجتماعي بين البلدين أيضا.
وإذ يمكن القول إن تطبيق “فايس تايم” صار بمثابة الفردوس المفقود بالنسبة للنشطاء اليمنيين المتهكمين، يبدو من الواضح أن السخرية الموجهة ضد سلبية النخبة، أو الشعب في مواجهة الانقلاب بالعاصمة صنعاء، التي تعتبر مركز ثقل الدولة في اليمن، لها دلالتها المتسمة بالحزن الشديد من قبل هؤلاء، إذ يقول أحدهم “فقط.. لو أعلن الرئيس هادي للشعب الخروج لمواجهة الشرذمة لالتهمهم الشعب في ليلة وضحاها في مشارف صنعاء. لكن كان يطمئن الشعب والعالم أن الأمور تحت السيطرة “.!
والثابت- بغض النظر عن الوقائع التي ما زالت ملتبسة عن فعل الانقلاب- فان تعامل أردوغان مع وقائع محاولة الانقلاب عليه بردة فعل سريعة، وذكية، كما بطريقة استثنائية كتلك، جعلته محفزاً وملهماً في التواصل والتحشيد ورفض الانقلاب.
فلقد “كانت 12 ثانية مدة المكالمة الأولى كافية لإخراج الشعب التركي للدفاع عن حريته وإرادته”. ذلك أن “الشعب اللبيب بإشارة فايس تايم يفهم “.
بينما في صنعاء “تمت شرعنة الاجتياح في ليلة واحدة”، حسب إجماع المراقبين.
وطبعا؛ تكمن الدلالة الميديائية ما بين الحدثين في أهمية تواصل رأس القيادة السياسية في اللحظات الحرجة مع الشعب، عبر المتاحات الممكنة، وبمنتهى الشفافية والإرادة والحنكة، على عكس الغموض وعدم الحزم أو اللامبالاة؛ كقيم تتسبب بما هو أخطر دائما من نكبات وانتكاسات وخذلانات، جعلته محفزا وملهما في التواصل والتحشيد ورفض الانقلاب.
وطبعا؛ تكمن الدلالة الميديائية ما بين الحدثين في أهمية تواصل رأس القيادة السياسية في اللحظات الحرجة مع الشعب، عبر المتاحات الممكنة، وبمنتهى الشفافية والإرادة والحنكة، على عكس الغموض وعدم الحزم أو اللامبالاة؛ كقيم تتسبب بما هو أخطر دائما من نكبات وانتكاسات وخذلانات..