مصابي الجذام في اليمن.. بين الفقر والحرمان ومرارة العزلة (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من سهيل الشارحي
لا يزال الجذام في اليمن، وهو مرض معد ومزمن، ينهش أجساد المصابين فيه، فهم يعيشون في عزلة مجتمعية يعانون الفقر والمرض والحرمان، ومع تدهور الأوضاع في البلاد، يفتقد هؤلاء المصابون إلى الكثير من الرعاية والاهتمام.
ففي مستشفى الجذام بمدينة تعز (ذات الكثافة السكانية العالية باليمن)، يقضى أكثر من 100 مريضٍ بالوباء، في عزلة مجتمعية، يتجرعون المرض والفقر والحرمان، دون رعاية أو اهتمام يخفف من آلمٍا لا يفارق أجسادهم طيلة الوقت.
والجذام أو ما يعرق بـ”داء هانسن” مرض مزمن ومعدٍ يسببه نوع من البكتيريا، يُسمى المتفطرة الجذامية، ويصيب هذا المرض الجلد والأعصاب المحيطية ومُخاطية الجهاز التنفسي العلوي والعينين.
“معاناة تزداد تعقيدًا”
لا تخلو أحاديث المصابون بالجذام من الشكوى والتذمر من واقع الحال الذي يزداد سوءً من حال البلاد، فقد غاب عنهم الدعم من قبل الجهات المسؤولة في الحكومة، وانعدمت عنهم المعونات الإغاثية، نتيجة الصراع المستمر الذي تشهده البلاد منذُ تسع سنوات.
وفي هذا الشأن، يقول علي ناجي، أحد المصابون بالجذام لـ”يمن مونيتور”، إن “المرضى في مستشفى الجذام يعانون من نقص الغذاء والدواء، بل ويفتقرون للخدمة الطبية المطلوبة التي تكافح المرض”.
وبنبرة صوت آلم وحزن يضيف المصاب ناجي:” كل يوم وحالتنا النفسية والجسدية تنهار، بسبب تردي الخدمة الطبية، وصعوبة الحصول على أبسط حقوقنا في المستشفى كالتغذية الجيدة، وتناول الدواء بشكل يومي، وتوفير الملابس التي أصبحت معدومة، لم نعد نحصل عليها إلا من فاعلين الخير فقط”.
“عزلة مجتمعية رغم تعافي البعض”
من جانبه، يقول أحمد عبدالستار مصاب آخر بمرض الحذام: ” نحن نعيش وضع سيء صعبًا للغاية، فالتغذية ضعيفة جداً لا تكفِ لنسد رمق جوعنا، ولا نملك المال لشراء الأكل، فيما أصبح الأطباء يتهربون منا”.
يضيف علي ناجي حديثه لـ”يمن مونيتور”، بأن مستشفى الجذام أصبح المكان الوحيد للمصابين بالمرض للعيش فيه، بعد ما تخلت أسرهم عنهم، فنحن لا نعلم ماذا يحدث في المجتمع ولا يعلم المجتمع ماذا يحدث لنا”.
وتابع: “لا بوادر لتخفيف معاناة المرضى المصابون بالجذام، الذي بات يشكل وصمة اجتماعية يصعب الفكاك منها، فالجهود التي تبذل في المستشفى تبقى مقتصرة على معالجتهم فقط، دون التمكن من دمجهم في المجتمع رغم تعافي الكثير منهم.”
“شحة الإمكانيات”
بدوره، يقول الدكتور عبدلله عبدالصمد، مدير عام البرنامج الوطني للتخلص من مرض الجذام، إن المرضى المصابون بالجذام يواجهون تحديات وعوائق تقف أمامهم، أبرزها انعدام بعض من الأدوية المهمة للمرضى، وغياب الدعم النفسي، لكونهم يحتاجون إلى إعادة تأهيل في الجانب النفسي والاجتماعي”.
وأضاف عبدالصمد في حديث لـ”يمن مونيتور”: “في مدينة النور في دار الرعاية يسكن اكثر من 100 مريض معاق ومنبوذون من مناطقهم، ويحتاجون لرعاية الطبية والاجتماعية”، مشيرًا، أنه يوجد أيضًا نحو 2000 مريض قديم يحتاجون للرعاية الصحية بشكل كامل وإلى إعادة دمجهم في المجتمع”.
ويصل عدد العاملين في المستشفى إلى أكثر من 100 موظف 70% متعاقدين، لم يتلقوا رواتبهم أو حتى حوافز من أي جهة، لكنهم ما زالوا مستمرون في العمل كجانب إنساني في المقام الأول، بحسب قول مدير عام البرنامج الوطني لتخلص من مرض الجذام.
ويضيف مدير البرنامج، أن “البرنامج الوطني لمكافحة الجذام لديه 28 عيادة في مختلف محافظات البلاد تقوم بمتابعة ومعالجة المرضى، لكنه في الوقت نفسه يواجه البرنامج صعوبة في الجانب المادي”.
غياب الدعم الحكومي
في السياق يقول، الدكتور عبدالصمد، “أنه الحكومة لم توافق على اعتماد موازنة مالية لبرنامج مكافحة مرض الجذام، بل أنه لم يتلقِ اي دعم من قبل الجهات الدولية والإغاثية”
ويضيف عبدالصمد،” كنا نعتمد على دعم بسيط من منظمة كلار الألمانية وهي منظمة تسعى إلى دعم الأشخاص المنبوذين، وخلال هذا الدعم تمكن البرنامج من تخفيض نسبة الإعاقة والوصمة الاجتماعية بشكلٍ كبيرٍ، لكن الحرب في البلاد تسببت في تقليص منظمة كلار الألمانية دعمها للبرنامج”.
وأوضح عبدالصمد، “أنه خلال السنوات الماضية تمكن المستشفى من معالجة 14500 حالة”، مضيفًا، أن البرنامج لم يحصل على من أي جهة وكان العمل صعب للغاية بالنسبة للكادر الطبي.
“مستشفى الجذام عرضه للقصف والنهب”
يضيف مدير البرنامج حديثه لـ”يمن مونيتور”، أن “مستشفى الجذام في مدينة تعز تعرض للنهب، ففي 2016 نهبت خمس سيارات تابعة للمستشفى والتي كانت تساعد الفريق الطبي في التحرك للوصول إلى الأشخاص المصابين بالمرض”.
“ولم يتوقف الأمر في سرقة سيارات المشفى فقط بل تعرض للقصف المستمر بين الحين والآخر من قبل جماعة الحوثي، ما تسبب في دمار هائل الأمر الذي جعل خدمته الطبية تتراجع يوما بعد آخر”، على حد قول مدير عام البرنامج”.
وأضاف “كان المستشفى معد بأن يكون مستشفى إقليمي للأمراض المدارية المهملة على مستوى الشرق الأوسط، لكنه تعرض المبنى الجديد لقصف صاروخي من قبل الحوثيين خلال الحرب”.
ووفقا للمعرفة الحالية، يعد الجذام أحد أقدم الأمراض التي تصيب الإنسان، وتسببه بكتيريا ويمكن علاجه جيدا بالمضادات الحيوية.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يصاب بالمرض سنويا نحو 200 ألف شخص، أكثرهم في الهند والبرازيل. والعلاج المبكر مهم للوقاية من الإعاقات المرتبطة بالجذام. وإذا ترك المرض دون علاج، يمكن أن تؤدي العدوى المزمنة إلى إعاقات جسدية شديدة وتلف شديد في الجلد والعين والأعصاب.
ومعدل الوفيات الناجم عن الإصابة بالمرض منخفض، ولكن وفقا لمنظمة “DAHW”، يعاني ما بين مليونين وثلاثة ملايين شخص في جميع أنحاء العالم من إعاقات مرتبطة بالجذام. وفي العديد من المجتمعات عانى مرضى الجذام ولا زالوا يعانون من الرفض الاجتماعي.