كيف روّضت تركيا جيشها وأفشلت الانقلاب؟.. “يمن مونيتور” يقدم قراءة الصحافة الأمريكية
تناولت الصحافة الأمريكية الأوضاع في تركيا وفشل محاولة الانقلاب بالكثير من التحليل العميق لمجريات الأحداث وتأثيراتها على الجيش التركي وتعزيز مسار الديمقراطية في الدولة العميقة.
يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة خاصة
تناولت الصحافة الأمريكية الأوضاع في تركيا وفشل محاولة الانقلاب بالكثير من التحليل العميق لمجريات الأحداث وتأثيراتها على الجيش التركي وتعزيز مسار الديمقراطية في الدولة العميقة.
“أردوغان كان دائما يخشى حدوث انقلاب، لقد أثبت أنه كان محقا”، تحت هذا العنوان جاء تحليل بصحيفة واشنطن بوست للباحث إحسان ثارور حول محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركي.
وقالت الصحيفة صدى مصر يبدو مهما الآن، بعد محاولة الانقلاب على حكم أردوغان مساء الجمعة.
لكن مخططي الانقلاب التركي، بعكس السيناريو المصري، لم يحظوا بمباركة، بل أن كافة أحزاب المعارضة التفت حول الحكومة المنتخبة، بالرغم من الاختلافات السياسية، كما دعمت احتجاجات حاشدة في الشوارع أردوغان وحزبه العدالة والتنمية.-قالت واشنطن بوست.
وأضافت الصحيفة: “وبسبب النتائج الاقتصادية المعتبرة والإصلاحات الاجتماعية في تركيا، استطاع أردوغان وحلفاؤه بناء قبضة صارمة على مقاليد السلطة، وتحقيق نتائج انتخابية قوية ساعدته فيها معارضة مفككة، بالإضافة إلى سلطة قضائية تعمل لمصلحته، وقيادات عسكرية خاضعة له بعد سلسلة من المحاكمات ضد متآمرين”.
ووفقا لبعض الروايات، فقد لوح المتظاهرون بعلامة رابعة التي تمثل إشارة مباشرة للإسلاميين المقموعين في مصر.
وأثناء حملتين انتخابيتين، تحدث أردوغان بحزن بالغ عن قوى الظلام التي تعمل ضد الديمقراطية وتناهض حكومته، وعن متآمرين أجانب، و”تحالف صليبي” على حد وصفه.
تعزيز المؤسسات الديمقراطية
وقالت مجلة فورين بوليسي: “بعد خمسين عامًا على الانقلاب العسكري الشائن في البلاد، تركيا أخيرًا تعزّز مؤسساتها الديمقراطية”.
في 27 مايو 1960، اعتقل ضباط الجيش التركي رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيًا عدنان مندريس، وأعضاء حكومته. تمّت محاكمة مندريس أمام محكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى، وأُعدم في وقت لاحق. طول نصف القرن الماضي، كافحت تركيا للتغلب على هذه الخطيئة المتأصلة في العلاقات المدنية-العسكرية.
وفي النهاية، أصبح هناك بعض العلامات المشجّعة التي جعلت تركيا تتقدّم في إقامة نظام ديمقراطي مستقر. وخضع العسكريون الأتراك لعمليات التدقيق القانوني والمجتمعي على الرغم من محاولاتهم للانقلاب على الديمقراطية في تركيا.
وأضافت المجلة: “وعلى عكس آراء بعض المحللين الأتراك والغربيين، فإنَّ النضال الأساسي في تركيا ليس بين الإسلام والعلمانية، وإنما بين السلطويّة العسكرية الزائفة والديمقراطية الليبرالية”.
وتابعت في ترجمة لـ”يمن مونيتور”: “وهذه هي المرة الأولى في تاريخ تركيا الحديث التي يتم فيها تحدي عدم مساءلة الجيش بمثل هذه الطريقة الواضحة. لقد أنجز الجنرالات ما لا يقل عن أربعة تدخلات عسكرية مباشرة في تركيا خلال العقود الخمسة الماضية، وفي كل مرة كانوا يفعلون ذلك دون عقاب أو مساءلة. ولكن ليس هذه المرة”.
وقالت المجلة: ” ما نراه يحدث في تركيا اليوم هو عملية تحول ديمقراطي، مدعومة من السيطرة المدنية على الجيش. ولكن نظرًا للمشاكل الناجمة عن الدستور غير الليبرالي في البلاد، الذي هو نتاج الانقلاب العسكري عام 1980، لم يكن التقدم مرنًا دائمًا. واتهم المنتقدون أنَّ تحقيقات إيرجينيكون قد جرت لفترة طويلة دون تقديم أي قناعات. هذه هي السمة المشتركة والمؤسفة للنظام القضائي في تركيا: المحاكمات التي بدأت في عام 1982 ضد “ديف سول”، وهي منظمة يسارية متطرفة، استغرقت 28 عامًا قبل إدانة 39 شخصًَا في نهاية المطاف. والحل هو إصلاح دستوري شامل يتضمن القضاء. مثل هذه الخطوة سوف تحسن دور القانون، وتعزز وضع تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق مواءمة الإجراءات القضائية في البلاد مع المعايير الأوروبية”.
وتشير: ” لقد لاحت مبادئ مصطفى كمال أتاتورك في عقول الضباط الشباب الذين قادوا انقلاب عام 1960، ولا تزال الطبقة العسكرية في تركيا تبرر موقفها باسم الأب المؤسس لتركيا. ولكن أتاتورك كان في الأساس إصلاحيًا براغماتيًا هدفه الرئيسي هو التحديث والتكامل مع الغرب. والغرائز الدولتيّة الثابتة والنزعة العسكرية للحرس التركي القديم هي التي أبطأت التقدّم نحو تحقيق تلك الأهداف. مفهوم “الدولة المحصّنة” لدى العسكريين ورفاقهم تغيّر بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به. وعلى الرغم من اعتراضات المدافعين، كان أتاتورك ليكون فخورًا بما حدث في تركيا”.
مقارنة مع انقلاب مصر
من جانبها سعت صحيفة “وول ستريت جورنال” لشرح اﻷسباب التي أدت لفشل المحاولة الانقلابية التي وقعت في تركيا مساء الجمعة، بعكس ما حدث في مصر.
في تحليل يحمل عنوان “أردوغان تركيا يتجنب مصير مرسي مصر”.. للكاتب “ياروسلاف تروفيموف”، تساءلت عن مستقبل العلاقات بين أردوغان والمعارضة السياسية التي أيدته في الوقت الحرج.
وتقول الصحيفة: ” ولكن، عندما بدأت محاولة الانقلاب مساء الجمعة في اسطنبول وأنقرة، كان رد الفعل مختلف تماما، ففي تحد لحظر التجول، المتظاهرون ضد الانقلاب العسكري تدفقوا إلى الشوارع، جميع الأطراف، بما في ذلك المعارضة والاكراد الذين كان أردوغان يحاول سجنهم بتهم التأمر، دعوا إلى استمرار الحكومة الديمقراطية”.
في نهاية اليوم، كانت هناك معارضة شعبية واسعة للانقلاب، ووسائل الإعلام الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في فشل الانقلاب، وانتشرت عبارات من بينها مع كل عيوبه ونزعاته الاستبدادية، أردوغان، الذي جاء للحكم في انتخابات ديمقراطية منذ أقل من عامين، أفضل من الدكتاتورية العسكرية غير الخاضعة للمساءلة التي من المرجح أن تضيق الخناق على الحريات بشكل كبير.
وبعد كل شيء، ما حدث في مصر من حملة دموية قادها قائد الجيش السابق الجنرال عبد الفتاح السيسي على أنصار مرسي وجماعة اﻹخوان المسلمين بدعم من الجماعات الليبرالية، دفعت أردوغان -الذي رفض الاعتراف بشرعية السيسي – لتذكير مواطنيه في كثير من الأحيان، أنه بعد انقلاب مصر، أصبحت البلاد أكثر قمعا مما كانت عليه قبل الربيع العربي عام 2011.
أردوغان، على عكس مرسي، كان لديه إنجازات كبيرة، فقد قاد عقدا من الازدهار الذي عزز شعبيته، وهو ما ساعد على فوز حزبه بأغلبية برلمانية العام الماضي.
وبعكس الانقلابات السابقة في تركيا، بدا المتآمرين مساء الجمعة غير أكفاء بشكل مذهل، فقد فشلوا في السيطرة على مفاصل الدولة، أو إغلاق محطات التلفزيون، وشبكات الاتصالات التي نجح من خلالها الرئيس اردوغان ورئيس الوزراء بين علي يلديريم في توجيه نداءات فعالة للشعب للوقوف في وجه الانقلاب.
ومع صورته الجديدة كمنقذ للنظام الدستوري في تركيا، أردوغان هل يميل إلى اغتنام الزخم وتنفيذ خططه الرئاسة، أم قد يلجأ إلى استخدام هذه اللحظة لبناء جسور مع خصومه السياسيين، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني وترسيخ الديمقراطية التركية التي أظهرت نفسها؟. حتى اﻵن لم يعط أردوغان بعد مؤشرا على المسار الذي سوف يختاره.
موقف فتح الله كولن
فتح الله كولن، رجل الدين التركي الذي اتهمه الرئيس رجب طيب أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب ضد حكومته، نفى في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” من مقره تورطه في الانقلاب.
وقال:”رسالتي للشعب التركي لن تكون أبدا التدخل العسكري .. لأنه مع التدخل لا يمكن للديمقراطية أن تتحقق”.
في حين أدان محاولة الانقلاب، اعترف كولن أنه لا يستبعد تورط أتباعه، قائلا:” لست متأكد من هم أتباعي في تركيا”.
زعيم حركة كولن أو “الخدمة” وأتباعه حركة دينية واجتماعية وقومية عالمية.
في جوهر حركته، الترويج للحركة يتم باعتبارها شكل من أشكال “المحبة للسلام”، وهو مفهوم “الخدمة”.
بعد عودة قصيرة إلى تركيا، عاش كولن في منفى اختياري بالولايات المتحدة منذ أواخر 1990، في ذلك الوقت، اتهم بمحاولة تشجيع إقامة دولة إسلامية في تركيا، ولكن تمت تبرئته في نهاية المطاف، ورغم محاولة حكومة الولايات المتحدة دون جدوى ترحيل كولن بحجة أن تأشيرة دخوله للولايات المتحدة منحت بشكل غير صحيح، قاض اتحادي في ولاية بنسلفانيا منع تلك الخطوة.