كُلما اقترب الحديث عن مشاورات سلام، اندلعت معارك في جبهات هي في الأصل جبهات لها بُعداً “جيوبوليتيكي” تتعدى مسألة السيطرة على الأرض كمساحة، ولو كان الأمر كذلك لكانت الصحاري هي الأسهل للسيطرة عليها وخلال فترات وجيزة بالنسبة للقوات الشرعية.
كُلما اقترب الحديث عن مشاورات سلام، اندلعت معارك في جبهات هي في الأصل جبهات لها بُعداً “جيوبوليتيكي” تتعدى مسألة السيطرة على الأرض كمساحة، ولو كان الأمر كذلك لكانت الصحاري هي الأسهل للسيطرة عليها وخلال فترات وجيزة بالنسبة للقوات الشرعية.
بمعنى أن المعارك صارت بالنسبة لقوات التحالف والشرعية ذات أهمية هي تلك التي تقترب من العاصمة صنعاء، إذ تستفز عربات التحالف والجيش في هذه المنطقة جماعة الحوثي وصالح بذات الوقت يُلقي المتحالفان ثقلهما في الحدود مع السعودية واظهار انتصارات أكثر مما تُقدمه “هوليود”.
وعلى قدر من الأهمية الموازية لهذه الجبهات تشتغل الحرب في باب المندب وهي المنطقة التي تشرف على مرور ما يقارب 5 مليون برميل نفطي يومياً، أي أن هذه المنطقة تنظر لها جميع الدول المنتفعة من النفط، أمريكا بالأساس بأكثر أهمية من العاصمة صنعاء.
ورغم أن مدينة تعز تمثل عمقاً ديموغرافياً مهماً وتضفي، في حالة التحرر، نقطة قوية في رصيد الشرعية سياسياً إلاّ أن قوات التحالف قررت أن تتعدى هذه المنطقة لاعتبارات غير واضحة لكن صالح أبقى على حصارها لأنه يعي معنى أن تتحرر هذه المدينة مما أصبحت تجسد حالة التخوين بين المقاومة من جهة والتحالف والحكومة من جهة أخرى.
على هذا النحو من الحرب تجعل مسألة الحسم لصالح الشرعية أمراً مستبعداً ما دام وأنها قائمة على الضغط والتخويف عبر معارك في “نهم” بالتزامن مع إعلام ترويجي يظهر المعركة أكبر من حجمها وربما هي في الأصل بين كر وفر.
في ذات الوقت فإن المستفيد الأول من هذه الحرب هم الحوثيون لا سيما إذا كان الحديث عن “فيتو” دولي بعدم استعادة صنعاء، صحيحاً، لكنه لا “فيتو” أمام الحوثيين في أي منطقة حتى وإن وصولوا إلى مكة والمدينة.
لنا أن نضع سؤال كيف كان الحوثيين على المستوى التقهقر الميداني قبل المشاورات وكيف أصبحوا الآن؟. هي فترة في الأصل تم منحهم ليس للحوار ولكن لاستعادة الانفاس واعادة الانتشار في المناطق ذات البعد التأثيري على مستوى المحلي والدولي، كباب المندب والحدود.
لنتخيل أن المعارك بالنسبة للتحالف والحكومة انتقلت في صنعاء من خانة الضغط على الحوثيين لأجل الحوار إلى خانة استعادتها ستكون بالنسبة للحوثيين انتهاء مشروعهم السلطوي تماماً فهم مستعدون تسليم صعدة ولا تسليم صنعاء.
فصنعاء أصبحت بالنسبة للحوثيين الخزان المالي لاستمرار تواجدهم في الجبهات، أما صعدة فهي لا تعني سوى رمزاً لكهف انفجرت منه الصرخة، وأرض أصبحت محروقة بعد ضربات التحالف، وإذا سقطت صنعاء انتزع منهم البنك المركزي “دينمو” الحرب في الجبهات.
وباستمرار صنعاء مع الحوثي فلا معنى للشرعية، إذ لا سلطة بيدها ولا مال، أما الحوثي فشبه مؤسسات دولة بيدهم وأموالها تمر عن طريق ختومات وتوقيعات هي من تتحكم فيها. قال قبل فترة محمد عبدالسلام لصحيفة كويتية “إن رواتب حراسة المعاشيق في عدن هم من يصرفونها من صنعاء”، بلغة توحي بالقول إننا نحن من نملك السلطة وليست الحكومة.
أمريكا، باعتبارها أكثر حضوراً في الشرق الاوسط، فهي لا تعني لها اليمن وبسكان 25 مليون وبهذا الكوم من الصراع سوى كونها قطعة أرض جنوب المملكة التي تعتبر بالنسبة لها ثاني خزان نفطي تعتمد على المملكة بإيصال مليون برميل نفطي الى الموانئ الأمريكية.
أما أمنياً فلا تنظر لليمن إلا من خلال عشرات الضباط الذين تم ارسالهم الى قاعدة العند لإدارة غرفة عمليات مشتركة للحرب ضد القاعدة، وهذا هو الهاجس الأكبر بالنسبة لها لأنهم على يقين أن الحوثيين لن يتقرصنوا على مصالحها بل سيقدمون المزيد من الاعتذارات والاستكانة كما حدث في لقاء وفدهم مع السفير الامريكي لدى صنعاء في الكويت.
وما بات واضحاً هو أن المجتمع الدولي أصبح ينظر لليمن على اعتبار أنهاء جزء من صراع في المنطقة. والحرب هي ليست بين الحكومة والحوثيين بقدر ما هي حرب بين المملكة وإيران تتجسد في سوريا واليمن ولذلك وصلت المشاورات 75 يوماً دون أن تقدم حتى شبراً، وبدأ ولد الشيخ يطالب الحكومة بالتنازل كما لو أنها متهمة وترك الحوثيين كجماعة وديعة مسالمة!