مرضى السرطان في اليمن… أعداد مخيفة وعجز في الجانب الطبي نتيجة شحة الإمكانات! (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ إفتخار عبده
تزداد أعداد المصابين بمرض السرطان في اليمن- في الفترة الأخيرة-، وسط عجز كبير في الجانب الطبي وقلة في المعرفة لدى المواطنين بخطر هذا المرض وكيفية التعامل معه.
وجاءت الحرب بالكثير من الويلات على المواطن اليمني من أبرز تلك الويلات الفقر المدقع الذي جعل غالبية الناس لا يهتمون إطلاقا بالجانب الصحي مما تدهورت حالة الكثير منهم فوصلوا للأمراض المزمنة دون علم منهم بأسباب ذلك.
200حالة في اليوم الواحد، هذا هو متوسط استقبال الحالات المرضية في مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية في مدينة تعز، المركز الوحيد الذي تعتمد عليه- في التداوي- محافظة تعز بكل مديرياتها وغالبية المحافظات المجاورة.
ويعاني مركز الأمل من عجز كبير في توفير الأدوية واستقبال الكم الكبير من المرضى الذين تتطلب حالتهم إلى رقود؛ نتيجة صغر حجم المركز وعدم توفر مركز إيواء يخص الرجال.
وبسبب الحصار المفروض على المدينة، يقضي المرضى ساعات طويلة في السفر لا تقل على ست ساعات في اليوم مما يزيد من تدهور الحالة الصحية لديهم نتيجة السفر الطويل في الطرق الوعرة.
بهذا الشأن يقول الدكتور مختار المخلافي (مدير عام مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية- تعز) “عدد الحالات الجديدة التي تم استقبالها في المركز عام 2023 وصلت إلى” 1,211 “حالة والحالات المترددة (القديمة والجديدة) على العيادات الاستشارية وصلت إلى” 43,250 “حالة، بالإضافة إلى أن متوسط التردد اليومي على المركز يصل في اليوم الواحد إلى 200 حالة بين جديدة وقديمة”.
وأضاف المخلافي ل “يمن مونيتور” معاناة كثيرة يعانيها مرضى السرطان في مدينة تعز، من تلك المعاناة بعد الطريق وصعوبتها على المرضى؛ إذ إن أغلب المرضى الذين يأتون للمركز يأتون من مناطق ريفية في تعز أو من المحافظات المجاورة ويضطرون لعبور الطريق الطويل إلى مدينة تعز، حتى المرضى الذين يأتون من أرياف مديريات تعز يحتاجون ما بين ست إلى سبع ساعات في السفر إلى المركز لتناول الجرعة الكيماوية “.
وأردف” مريض السرطان يضطر إلى أن يبقى في المركز للمتابعة وهذا الأمر يتطلب منه أن يجد مكان قريبا من المركز يعيش فيه لمتابعة الأدوية وما يحدث له من معاناة ما بعد العلاج الكيماوي… ومتعب جدا على المريض أن يقضي هذا الوقت في الطرقات وهو في حالة سيئة إثر العلاج الكيماوي “.
وتابع “لهذا عمل المركز على البحث عن مكان إيواء فحصل على مبنى” دار الحياة “من مكتب الأوقاف وتم ترميمه وإسكان النساء والأطفال فيه، أما الرجال فلم نستطع توفير المبنى لهم بسبب شحة الإمكانات في المركز، لكنا ما نزال نبحث عن مركز خيري يؤوي الرجال حتى يخفف القليل من معاناتهم إثر التنقل للحصول على الدواء”.
وأشار المخلافي إلى أنه “توجد شحة كبيرة في المركز في توفير الأدوية بسبب ارتفاع أسعارها من ناحية، ولقلة الدعم الذي كان يتلقاه المركز إثر مغادرة الكثير من التجار مدينة تعز بسبب الحرب”. مؤكدا “حاليا المبالغ التي كنا نحصل عليها لا تأتي شيئا مقابل ارتفاع سعر العملة الأجنبية فلم تعد قادرة على تخفيف معاناة المريض، الأدوية ارتفعت أسعارها بشكل كبير ما يقارب 500 %”.
صعوبة وصول الأدوية إلى المركز
وأوضح أن “هناك صعوبة أيضا في وصول الأدوية إلى المركز، فأحيانا تعدم كافة أصناف الأدوية في اليمن بشكل عام ونبقى في انتظار الأدوية فترة زمنية ليست بالقليلة، ناهيك عن وجود صعوبة في توفير السعة السريرية للمرضى بسبب ازدياد عدد الحالات بين يوم وآخر، وصغر حجم المركز وهو في الوقت ذاته المركز الوحيد الذي يتوسط بين ثلاث أو أربع محافظات بالإضافة إلى أن محافظة تعز بكثافتها السكانية هي الأعلى في معدل الإصابة بالمرض”.
واختتم “يوجد في مركز الأمل عدة أقسام علاجية وتشخيصية من ضمنها مختبر متكامل وقسم فحص الأنسجة مع الصبغات المناعية، وإعطاء العلاج الكيماوي، وأما الإشعاعي فلا يتوفر في تعز لكنا نساعد المرضى في الذهاب إلى صنعاء أو إلى الخارج لتناول العلاج الإشعاعي، كما نساعد المرضى في العلاج الجراحي والوسائل التشخيصية الخارجية”.
الفقر وعدم القدرة على الرعاية الصحية أهم مسببات السرطان
في السياق ذاته يقول الدكتور محمد الجلال (طبيب عام يعمل في مستشفى الصفوة في مدينة تعز) “مرض السرطان زاد انتشاره في الفترة الأخيرة؛ لأسباب- صراحة- غير معروفة وغير موثقة على حد علمي وكل ما يقال مجرد نظريات مثل السموم الزراعية غير المعروفة، والمواد الغذائية أيضا غير معروفة المصدر والتلوث وغيرها، ولكن على كل حال فالفقر وعدم القدرة على الوصول للرعاية الصحية المناسبة هو أهم العوامل التي أدت إلى المعاناة المزرية لأمراض السرطان بالإضافة إلى الشح في موارد مراكز التعامل مع السرطان”.
وأضاف الجلال ل “يمن مونيتور” هناك أطفال لا يستطيعون الحصول على الرعاية في مركز الأمل بسبب عدم وجود عناية مركزة على سبيل المثال، وبسبب فقر أسرهم، كذلك كثرة المرضى داخل المركز “.
من مآسي المرضى
وأشار إلى أن” هناك أحد مرضى سرطان الدم كان قد تعافى بعد العلاج الكيماوي ولكنه ما زال ينقل دما بين الفينة والأخرى، ذهب ليشتري قربة دم تصل تكلفتها إلى أكثر من 20 ألف ريال، ووجد جوار الصيدلية أبا فقيرا، فنظر الأب نحوه وقال له بصوت حزين “أنت تحيا وبنتي تموت”.
ووضح “الوضع سيئ جدا جدا، والحالات تزداد أكثر وأكثر، والموارد شحيحة والفقر كاسر للأعناق، في اعتقادي أن كل المجتمع يجب أن ينظر تجاه مرضى السرطان بقدر أكبر من المسؤولية والرحمة”.
رحلة شاقة
أم كريم (35 عاما) تعيش رحلة مضنية مع السرطان، تقول ل “يمن مونيتور” ثماني سنوات وأنا أصارع هذا المرض، الذي بدأ بشكل غدة في الرقبة ثم تحول إلى ورم خبيث وألم مزعج وصراع دائم، وتخبط في الطرقات والمراكز “.
تضيف” كانت رحلتي مع المرض قبل زواجي هينة على ما أنا عليه الآن، كنت أتمتع بمناعة لا بأس بها حتى أنني توقفت عن تعاطي الجرعات الكيماوية وشعرت أن رحلتي مع المرض قد انتهت وأنني قد أصبحت إنسانة طبيعية كأي فتاة من حولي “.
وأردفت” بعد زواجي عاد إلى المرض مرة أخرى وبقيت أتناول الجرعات حتى حملت بطفلي فتوقفت عن تعاطي الجرعات بسبب الحمل وهذا ما أضعف مناعتي أكثر وتحولت حالتي إلى شبه معقدة “.
وتابعت” بعد الإنجاب عدت لمركز الأمل لتناول الجرعات الكيماوية من البداية، وكان سفري من الريف إلى المدينة متعبا جدا، كنا نضطر أن نأخذ سيارة خاصة وهذه الأخرى تأخذ منا مبلغا كبيرا من المال كونها “إنجيز” كما يقال “.
وواصلت “اضطررت مؤخرا أن أعيش فترة العلاج في بيت أحد الأقارب بسبب عدم حصولي على سرير داخل دار الحياة، وفي اليوم الذي أتعاطى فيه الجرعة أبقى راقدة في المركز ليوم أو ليومين؛ لأن حالتي تسوء أكثر إثر العلاج”.
واختتمت “مرض السرطان موجع جسديا ونفسيا يصيب صاحبه بالإحباط الشديد، وأحيانا يشعر المريض باليأس والقنوط، خصوصا في الوقت الذي يكون فيه واقف في الطوابير منظرا دوره لأجل أن يحصل على الجرعة المخصصة”.