آراء ومواقفالأخبار الرئيسيةغير مصنف

في خطوط التَّمَاس مع حنين وطن

محمد الضبياني

تبدو الأيام والأسابيع والشهور وأخيراً السنون في معركة حنين عابرة للمشاعر تتفوق قدرة القلب الذي عاش عمره دون غياب أو اغتراب أو نزوح قسري من وطن يحمل في تفاصيله كل ملامح الحلم ويحتضن بين جوانحه الأهل والأحبة والذكريات والنضال والكفاح من أجل البقاء في فضاء الحرية ومسارات الكرامة المنشودة. تبدو الأيام والأسابيع والشهور وأخيراً السنون في معركة حنين عابرة للمشاعر تتفوق قدرة القلب الذي عاش عمره دون غياب أو اغتراب أو نزوح قسري من وطن يحمل في تفاصيله كل ملامح الحلم ويحتضن بين جوانحه الأهل والأحبة والذكريات والنضال والكفاح من أجل البقاء في فضاء الحرية ومسارات الكرامة المنشودة.
أحتسي كل يوم أنين وطن ينزف وجعاً، يتضوّر حسرة، يفقد بهاءه، وتتلاشى كبرياؤه بين أنياب عدو ميليشياوي يستمتع بتمزيق أحشائه، تتباهى مجاميع كهف مران -التي تستمد سمومها من إيران- بحضور حفلات القتل الجماعية، وركام المنازل المدمرة، وأشلاء الأطفال والنساء المتناثرة بفعل قذائف عمياء همجية تترصد كل شيء يتعلق بالحياة والإنسان، يحتفى الانقلابيون بمكر اختطافهم لنخب المجتمع بسياسييه وصحفييه وناشطيه، بل وبصفاقة وإسفاف تؤكد انعدام انتماءهم لتربة اليمن في سبيل مشروع تدميري يزرع بؤره وخلاياه التفجيرية المتسلحة بغريزة الطائفية المَقيتة، وأدوات الكراهية وتاريخ حافل بالجريمة والعنصرية، يقوض مشاريع الحياة والبناء والسلام بمقابر الموت.
تعود بي ذاكرة الحنين إلى تلك الأيام التي قضيناها في ساحات الحرية والتغيير، ننسج خيوط الحلم بخطى واثقة، نتصدى لجحافل الظلم في ثورة الـ11 من فبراير/شباط 2011م بأكفنا البيضاء وصدورنا العارية ومطالبنا المشروعة في بناء دولة العدالة والمدنية، برفقة شباب أعلنوا للعالم أنهم لم يخرجوا في مسار الربيع العربي عبثاً أو ترفاً أو مجاراة لأحد، بل في سبيل الكرامة الإنسانية التي داستها أنظمة مستبدة، وعبثت بمقدرات الشعوب، واستخفت بتطلعاتها وآمالها، بل وأقدمت على تفتيت حاضرنا، وتغييب العقل، وامتهان الإنسان، وتمزيق النسيج الاجتماعي والأخلاقي للمجتمع، وصناعة مافيا الفساد والإفساد، وجعل الدولة بكل مؤسساتها ومقدراتها وجيشها وإمكاناتها الاقتصادية والسياسية مجرد حضيرة للحاكم يتحكم ويتصرف بما شاء وكيفما يشاء، دون حسيب أو رقيب.
يجدر بنا في هذه العتمة الحالكة التي تعيشها اليمن “دولة وإنساناً” أن نوقد مصابيح الأمل، وأن ندْحر كيان اليأس، فصباحُ النضال يبشر بالفرج، وإشراقة النصر باتت قاب قوسين أو أدنى، فالأمم والشعوب التي تتسلح بالوعْي والكفاح والإصرار تتمكن من إحراز أهدافها واقتلاع أنياب الشر من جذورها، التي تحاول تمزيق الحلم الذي بنيناه بسواعد نضالات شباب الربيع وتضحيات شهدائه، لن نستسلم لهذه الجائحة مهما عظمت جرائمها، ولن ترهبنا عمليات التجريف المتعمد لقيم المجتمع وتطلعاته، ولا ممارسات القتل اليومية التي تنفذها بندقية وقذيفة مأجورة غادرة ماكرة وفكر اعتنق الخطيئة.
لن نغادر ضوء الأمل، وحلم ثورة فبراير السلمية ضد الظلم وثورة سبتمبر/أيلول ضد الإمامية السلالية في شمال الوطن وثورة أكتوبر/تشرين الأول ضد الاستعمار في جنوبه، وسنجعل من أهداف تلك الثورات الملْهمة النبيلة سُلّمَاً للصعود، ومن دماء شهداء مشروع التغيير ومقاومة الانقلاب الدموي وقوداً وسبيلاً وحيداً نحو معالم البناء والسلام والدولة التي تحفظ للإنسان اليمني حريته وكرامته وتعزز من النظام والقانون والحكم الرشيد الذي يؤمن بتكافؤ الفرص واعتماد النزاهة والكفاءة والشفافية معياراً حقيقياً للإدارة والقيادة، وسترحل عن كاهل الوطن ميليشيا الموت الحوثية المدججة بالكراهية واللصوصية والإرهاب، وغريزة الانتقام التي يتخندق خلفها مخلوع تلطخ تاريخه بالغدر والظلم وعزز من ثقافة الفساد والجهل والفقر ليصبّ جام حقده على شعب ذنبه الوحيد أنه خرج ثائراً ينشد الدولة والعدالة والحرية والعيش الكريم.
نقلا عن هافينغتون بوست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى