لماذا يصر البعض ان يجعل من الخلاف حول فكرة الدولة ومنظومة الحكم، بين شركاء الوحدة الى خلاف حول الهوية؟
مع ان صراع الهوية لدى الانسان وخاصة الشباب يعد من أكثر أسباب نمو مشاعر القلق والاضطراب الفكري، فبناء الهوية واكتسابها لملامح ثابته ومستقرة تتسم بالتنسيق والاتزان، تعد من اهم تكوينات الشخصية، وتوجهها الفكري والثقافي، خاصة في قضايا وحدة الامة.
خلق صراع حول الهوية، ينتج لنا السقوط السحيق للقيم والمبادئ، التي تربينا عليها وكونت مداركنا، حول جوهر النضال لتحقيق الوحدة الوطنية نحو تعزيز الوحدة العربية و وحدة الامة، وها نحن نسقط مع كل تسيد للنعرات المناطقية والطائفية والسلالية والاثنية والمذهبية، وادواتها على الأرض، حيث تم الغاء دور أدوات التنمية السياسية، وهي الأحزاب لأنها تحمل في برامجها وأهدافها روح الوحدة الوطنية وفكر الوحدة القومية والإنسانية، التي لا تتوافق وفكرة تسيد النعرات والتخلي عن الهوية الوطنية، والعودة لهوية اصغر، او تحالف يهدد وحدة الامة .
يبقى السؤال ما هذا التراجع عن الاستمرار في تدعيم الهوية لوطنية والقومية للامة، والعودة للبحث عن الهويات الصغيرة التي تسهم في العودة لتشكل كيانات أصغر؟!
هل هذا التراجع نتيجة للانهزام، في مواجهة القضية الأساسية للصراع حول فكرة الدولة، والمنظومة السياسية، التي دفعت بالبعض للعودة للهوية الأصغر على امل ان تتسع لهم ولفكرتهم التي ليس بالضرورة ان تكون مقبولة لدى الاخرين.
قد نتفق مع البعض ان الهوية اليمنية، انبثقت من يمين الكعبة، وان الحضارات القديمة لم تحمل هذا الاسم، فلا يختلف اثنان على ان الهوية اليمنية حملت الابعاد الوطنية للدولة بعبق التاريخ، وجغرافيا اليمن فيها كل مقومات النهضة، من تنوع مناخي، وتنمية بشرية، وتعدد ثقافي وتكامل اقتصادي، منطقة إذا ما استقرت سياسية يمكن ان تشكل قوة اقتصادية، ونهضة بشرية، اليمن لا ينقصه غير دولة ونظام سياسي ضامن للشركة السياسية للجميع، نظام ديمقراطي ضامن للتبادل السلمي للسلطة.
القارئ الجيد لتاريخ اليمن، سيعرف ان مشكلته في التشطير وليس في الوحدة، حتى عندما توحد تحت ظلال الهوية اليمنية، ظل العقل السياسي مشطر، وهو ما نتج لنا كل تلك الماسي ما بعد 1990م وحرب 1994م، واستمرت عقلية التشطير تمارس حالة الاقصاء والتهميش، وهي العقلية التي لا تقبل فكرة الوحدة، وبالتالي لن تقبل فكرة الدولة الوطنية والشراكة الحقيقية ، التي تحفظ للهوية اليمنية مكانتها، وتحفظ للبلد سيادته، عقلية سقطت فكريا وسحقت كل شيء جميل كان يحتاج لنضال حقيقي وثبات واستبسال.
اليوم ما زلنا نعاني من العقلية الانهزامية، التي تهرب من الصراع الفكري والثقافي حول تعزيز فكرة الدولة الوطنية الجامعة بشكلها الاتحادي التي تحفظ الهوية الوطنية على طريق تحقيق الهوية القومية، لتجرنا لصراع الهويات الصغيرة والجماعات الأصغر، وتنتج لنا حالة التشطير القائمة اليوم، التي لن تتوقف عند حدود جغرافيا، وتجرنا لعسكرة تلك الهويات، التي بالضرورة تضطر لترتهن لقوى خارجية بحثا عن الحماية والتسليح، وقد تضطر لتلبس قميص هوية ليست هويتها وتخفي عار هروبها وعجزها على الثبات والصمود في وجه كل التحديات، نحو تحقيق الهدف السامي والنبيل وهو وحدة الامة، وحدة المصير والهدف، وحفظ سيادة البلد .