اليمنيون يودعون رمضان بـ”مشاعر جافة”
خلافا للأعوام الماضية، يودّع اليمنيون “رمضان” هذا العام، بمشاعر جافة، فالشهر الكريم لم يجلب أجواء روحانية يألفها الناس في لياليه المباركة، بل فاقم معاناتهم التي تركتها الحرب فوق كاهلهم. يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص
خلافا للأعوام الماضية، يودّع اليمنيون “رمضان” هذا العام، بمشاعر جافة، فالشهر الكريم لم يجلب أجواء روحانية يألفها الناس في لياليه المباركة، بل فاقم معاناتهم التي تركتها الحرب فوق كاهلهم.
وطيلة 30 يوما مضت، قضى معظم اليمنيين الشهر وهم في ماراثون تأمين مقومات الحياة، فبجانب الغذاء الذي أصبح بعيدا عن متناول غالبية السكان، انضم “الأمن” إلى لائحة الناس كسلعة أساسية يصارعون لتأمينها بكل السبل.
وخلافا للمدن التي شهدت استمرار الحوثيين في حرب أشعلوها في مارس/ آذار 2015، وسقط المئات بقذائفهم، كانت العاصمة صنعاء، الواقعة بشكل كامل تحت سيطرتهم، تشهد هي الأخرى سلسلة اعتقالات، والسبب، اصرار الناس على ممارسة طقوس الشهر الكريم.
استهداف “المصلين”
شاهد اليمنيون خلال فترة اجتياح الحوثيين للمدن اليمنية وسيطرتهم على السلطة، منذ منتصف العام 2014 كل المفارقات التي لم يروها، لكن معاقبة الناس بتهمة ارتياد المساجد، وفرض عقوبات على جوامع مختلفة في العاصمة صنعاء، كان عملا لا سابق له.
ويقول سكان، إن وزارة الأوقاف، الخاضعة لسيطرة الحوثي، اغتالت روحانية الشهر الكريم، بقيامها بإصدار “فرمانات” الهدف منها استفزاز مشاعر الناس في رمضان، وفرض شعائر الجماعة على شعائر يقوم بها الجميع، من صلاة التراويح إلى الاعتكاف في المساجد وقيام الليل في العشر الأواخر.
شهدت بعض المساجد، اقتحامات مسلحة للحوثيين وعراكاً بالأيدي بين أنصارهم وجموع المصلين المختلفين معهم، داخل مسجد مختلفة بصنعاء، منها جامع “الفرقان”، أفضت إلى انسحاب أنصار الحوثي لكثرة المصلين المطالبين بصلاة التراويح.
ووفقا لمصادر مطلعة لـ”يمن مونيتور”، فقد حدثت اعتقالات لأئمة مساجد في العاصمة صنعاء، وتم احتجازهم في السجون لإقامتهم صلاة التراويح، كما اتهموا بـ”فتح مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد وإلقاء المحاضرات التوعوية”، علنا.
وداهمت دوريات عسكرية تابعة للحوثيين، عدداً من مساجد صنعاء، لإرغام الأئمة فيها التوقيع على قرارات فرضتها الجماعة على المساجد تتمثل في “إلغاء المحاضرات والندوات والدروس الدينية داخل المساجد والاعتكاف وإطفاء مكبرات الصوت بشكل كامل”.
وقال علي أحمد، وهو من سكان العاصمة لـ”يمن مونيتور”: “ذهبت روحانية الشهر الفضيل، بعد إلغاء دورس العلم والذكر والفقه، وهذا كله بسبب منع المحاضرات والدروس الفقهيه والأحاديث وكل المسببات التي تعزز الروحانية في الإنسان، لقد قضت جماعة الحوثي على كل شيء روحاني في شهر رمضان”.
تعذيب بالغاز
قضى المواطنين، شهرا قاسيا لا روحانيا هذا العام، فمع الارتفاع الجنوبي لأسعار السلع، تحول شهر رمضان إلى سوط يسلطه التجار على رقاب الناس، وهذه المرة بغطاء من جماعة الحوثي المسلحة التي ازدهرت في عصرها تجارة السوق السوداء لكل السلع والمواد الأساسية.
ارتفع سعر الغاز المنزلي (غاز الطهي)، الذي يكثر استهلاكه في رمضان، من 1250، إلى 4800 وانتشرت محطات السوق السوداء التابعة للحوثيين وموالين لهم في كل أحياء العاصمة صنعاء، وبسعر محدد يزيد بأربعة أضعاف عن سعره الرسمي.
وأجبرت الأزمات التي شرعنها الحوثيون خلال فترة حكمهم، بانتهاج السوق السوداء التي لا هدف لها سوى ابتزاز المواطنين، واجبار غالبيتهم على العودة لزمن الأحطاب.
“مطاردات” رمضانية
لم يسلم التجار والباعة المتجولين والبساطين من المضايقات والمطاردات والاعتقال في حالة رفضهم دفع ايجار للأرض التي يفترشونها وبلغ سعر المتر الواحد في الشوارع الرئيسية للعاصمة “3000” آلاف ريال تذهب عائداتها لمسلحي الجماعة.
وشكا أحد الباعة ممن يبيعون ملابس الأطفال في منطقة التحرير لـ”يمن مونيتور” معاناته من قبل الحوثيين، وقال ” تم نهبي مبلغ 6 آلاف ريال بحجة أني حجزت مترين من مساحة الرصيف من قبل مسلحين لا ندري عنهم هل يتبعون مؤسسات دولية حقيقيو، أم مليشيا ينهبون الباعة المتجولين دعما لما يسمونه بـ”المجهود الحربي” وتمويل حروبهم على اليمنيين.
وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان، يعتاد مئات العاطلين على استغلال موسم العيد من أجل المتاجرة بالبضائع والسلع المتعلقة بالعيد، ويعرضونها في عربات أو مربعات على أطراف الشوارع الرئيسية.
“البغاة”
انتهى شهر رمضان، وسكان العاصمة صنعاء يأملون أن لا يعود هذا الشهر إلا وقد أزال الله من يصفونهم بـ”البغاه” الذين اجتاحوها متسببين بانتكاسة حقيقية في جميع مجالات الحياة.
وقال سكان لـ”يمن مونيتور”، إن الحالة التي يعيشها سكان العاصمة نتيجة انعدام السيولة النقدية، بشكل مخيف من البنوك الرئيسية، يجعل من جماعة الحوثي رائدة الأزمات، ففي كل شهر تقدم للمواطنين أزمة أكبر من سابقتها.
وبدأت أزمة السيولة خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان عقب أشهر من أزمة نقد أجنبي، ووفقا لمصادر في البنك المركزي، فإن البنك قد لا يكون بمقدوره توفيره رواتب شهر يوليو/ تموز الجاري
وفرضت البنوك سحب مبالغ من 70 إلى 100 ألف ريال يمني لمودعيها كسقف يومي، والامتناع عن سحب مبالغ أكبر حتى لو كانت للمودع أرصدة بملايين الريالات.
ومنذ أواخر سبتمبر/ أيلول 2014 اجتاح مسلحو الحوثي وقوات موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح المدن اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء، وأشعلوا حرباً ما تزال نيرانها تستعر إلى يومنا هذا، راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى، ودخلت معها البلاد حالة من الفوضى والانفلات الأمني والحالة الإنسانية الصعبة، وانهار معها سعر العملة المحلية، فيما يقف الاقتصاد الوطني على حافة الهاوية في واحد من أفقر البلدان العربية.
وكانت منظمات دولية معنية بالشؤون الإنسانية والغذائية حذرت، في وقت سابق، من كارثة إنسانية وصحية وغذائية في اليمن إذا لم تتم تغطية تلك الاحتياجات في أسرع وقت ممكن.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من 19 مليون يمني يعانون بسبب الحرب صعوبة في الحصول على المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، ما يجعلهم عرضة لخطر الإصابة بالملاريا والكوليرا والحميات الفيروسية.
وذكرت الوكالة الأمريكية للتنمية، في ملخص إفادتها عن الوضع في اليمن، أن الأزمة الاقتصادية الجارية في اليمن لا تزال تفاقم الاحتياجات الإنسانية كما أن العمليات الإنسانية لا يمكن أن تحل محل النشاط الاقتصادي العادي والتبادل التجاري.