الأمل يتلاشى: بعد الربيع العربي.. شباب الثورة ما زال يعاني البطالة
قدّم الربيع العربي إشارة واضحة للحكومات والأحزاب الحاكمة على أن وقت إدراج بعض الإصلاحات – وإن لم نقل ثورة كاملة – قد حان؛ إذ تتلخص مطالب شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط في تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية.
يمن مونيتور/ترجمة عن الكونفيرسايشن/
قدّم الربيع العربي إشارة واضحة للحكومات والأحزاب الحاكمة على أن وقت إدراج بعض الإصلاحات – وإن لم نقل ثورة كاملة – قد حان؛ إذ تتلخص مطالب شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط في تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية.
دعّم الركود الاقتصادي وغياب الأمن الاجتماعي لدى الطبقة العاملة تلك الاضطرابات، وقالها المتظاهرون صراحة إن الإصلاحات لن تأتي من الأوتوقراطيين أو المؤسسات المالية الدولية، ولكن من الشعب نفسه.
على غرار الوضع في جنوب صحراء أفريقيا، لم يترجم النمو الاقتصادي إلى نسب عمالة هامة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث تقول الدراسات إن سياسات ما بعد الربيع العربي، تؤكد أن مستوى الجهود المبذولة من أجل مراجعة أسباب ثورات الربيع العربي من جذورها – والمتمثلة أساسًا في بطالة الشباب – لا تفي بالغرض.
سوء التعامل مع هذا التظلم سيؤدي حتمًا لثورة جديدة وحالة من الفوضى، وعندما سئلنا أحد هؤلاء الشباب من الذين شاركوا في ثورات 2011 بعد خمس سنوات أجاب: “لم يتغير شيء ولن يتغير”.
مقدمة ثورة
طوال عقد التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين دفعت المؤسسات المالية – المدعومة من قبل صندوق النقد الدولي – نحو تطبيق سياسات موجهة لسوق دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط في ما يعتبرونه سياسات موجهة لـ”متوسطي الدخل”، وشملت هذه السياسات الانفتاح التجاري ووضع إصلاحات ضريبية وجعل سوق العمل أكثر مرونة، بانتهاجهم هذه المقاربة هم متأكدون من تحقق المقولة القائلة “المد يرفع كل القوارب”.
عندما فشل النمو الاقتصادي في خلق فرص عمل ذات قيمة، نزل شعب المنطقة من الشباب المتعلم، الذي كان يتوقع من الحكومات أن تقدم له الكثير، إلى الشوارع، نظروا إلى النجاح المبكر الذي حققه الربيع العربي في تونس، أو ما سمي بثورة الياسمين 2011؛ لم يطلب الشعب بداية التخلص من قياداته بقدر ما طالب بالشغل.
تشبث صندوق النقد الدولي بفكرة أن النمو الاقتصادي مرتبط بجزء منه بتطوير رأس المال البشري عبر التعليم والتأهيل، من خلال هذه المقاربة ظن أن معدلات التوظيف ستنمو وستتراجع مستويات الفقر، بالنسبة لبعض المراقبين فإن مطالب شباب الربيع العربي الثائر بالشغل تؤكد فشل الاستثمار في رأس المال البشري وحده لمقاومة الفقر.
فعقود الاستثمار في التعليم ومقاومة الأمية لم تقدم الكثير في تحقيق الرفاهية، بل والأهم من هذا أن الرهان على تحسين التعليم قد فشل في غرس مزيد الإيمان بأن العمل هو مكافأة لزيادة الفرص.
تغير القليل
بعد خمس سنوات ما زالت المنطقة تتصارع مع نسب البطالة المرتفعة بين الشباب، ففي يناير/ كانون الثاني أعلنت الحكومة التونسية فرض حظر تجول في جميع أنحاء البلاد لعدة أيام كرد فعل للانتفاضة الجديدة التي اجتاحت البلاد، كما تعرض الأمن لتلك المظاهرات بالغازات المسيلة للدموع.
هناك عدد متزايد من الشباب الذي يلتحق بسوق العمل كل سنة ولكن ببساطة لا يوجد لهم عدد كاف من الوظائف، كما أن الوضع أكثر تأزمًا لأن أكثر من 40 بالمائة من الشباب لم يتم احتسابهم في سوق الشغل، لأنهم غير متعلمين أو متدربين فإنه لم يتم اعتبارهم في الإحصائيات الرسمية عن البطالة.
سيساهم طول أمد البطالة وضعف نمو سوق الشغل في تغذية الاضطرابات الشعبية وخلق ميول نحو التطرف، ما قاله أحد المتظاهرين في الأردن يلخص الشعارات التي رفعت في مظاهرات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث قال: “ليس لنا أي مطالب سياسية فقط نطالب بالتحسين من ظروفنا الأليمة”.
الدور الجديد المنوط بالدول القيام به
لماذا لم يتغير شيء؟
ما زال صندوق النقد الدولي يدفع نحو نفس السياسات الليبرالية الجديدة التي ساهمت في بطالة الشباب، حيث قامت هذه المقاربة على فرضية أن تنمية الاقتصاد ستعالج بقية المشاكل آليًا، ولكن هذا لم يكن كافيًا.
وعلى أمل أن يراجع دعمه لليبرالية الجديدة، أعلن صندوق النقد الدولي احتمال فشل مقاربته السياسية المتعلقة بسوق الشغل في تقديم كل ما وعدت به، وحتى الآن قدّمت أفكارًا جديدة منذ سنة 2011 على صعيد المؤسسات المالية الدولية وعلى الصعيد القومي.
ما قاله “أمارتيا سين”، الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، يمكن إعادة صياغته على هذا النحو “تنقص حلول السياسات، التي تنتهجها المؤسسات المالية الدولية التي تدعو الدول للقيام بدور أكبر في عروض تأمين التعليم والتدريب لمواطنيها فقط، إلزامية بتوفير فرص عمل في حال فشل سوق الشغل؛ وهو أمر لا يمكن تجنبه”.
على سبيل المثال، يمكن لحكومات دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط صياغة برامج وظائف عمومية تهتم بتنمية القدرات البشرية بما يناسب احتياجات المنطقة، وسيحتاج هذا لوظائف ذات رواتب لائقة تقدم فائدة وآمان وظيفي للشباب، ولكن هذا سيتعارض مع الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي وسيزيد من حضور تلك الدول وسيطرتها على سوق الشغل.
ذهبت المغرب إلى مستويات أبعد في تطبيق إصلاحات ذات معنى مستخدمة سياسات سوق الشغل الحالية، والمتمثلة في “التدريب المهني، التلمذة الحرفية، الإعانة في التوظيف وتبادل العمالة”، كما زادت المملكة من عدد مكاتب تبادل العمالة على كامل البلاد وتبنت إصلاحات دستورية ووعدت بتقديم دور أكبر للشباب في الاقتصاد والحكم في المغرب.
كما شرعت المغرب في بذل جهود على مستوى عالٍ لإضفاء الطابع المؤسسي على مجموعة من إصلاحات سوق الشغل الهادفة لزيادة توظيف الشباب؛ إعطاء الشباب حقه في لعب دور هام في الاقتصاد المنظم ومنحه الوصول الحر لوظائف القطاع العمومي، إضافة لدعم الأعمال الحرة، وهذه الخطوات ستجعل المغرب المثال الوحيد الناجح في الربيع العربي.
خيبة أمل عميقة تصيب شباب شمال أفريقيا والشرق الأوسط، لذا فإن إصلاحات هامة في مقاومة البطالة في المنطقة ضرورة ملحة في الأيام القادمة، وإلا فإن اضطرابات من نوع ما رأيناه في سنة 2011 قادمة لا محالة.
ترجمة التقرير
المصدر الأصلي
Fading hope: why the youth of the Arab Spring are still unemployed