صحيفة لندنية: أبوالغيط يباشر مهامه على رأس جامعة لا مهام لها
ذهل المواطن الأوروبي بمفاعيل ما أنتجه الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد، فالحدث يعنيه مباشرة في يومه وغده كما في مستقبل الأجيال من بعده. لكن أمر جامعة الدول العربية وضجيجها هو فعل لا يهمّ إلا موظفي المؤسسة العربية الإقليمية ودبلوماسييها، وقليلا ما حرّك أقلاما ولامس انفعالات لدى أي مواطن عربي “من المحيط إلى الخليج”.
يمن مونيتور/العرب اللندنية
ذهل المواطن الأوروبي بمفاعيل ما أنتجه الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد، فالحدث يعنيه مباشرة في يومه وغده كما في مستقبل الأجيال من بعده. لكن أمر جامعة الدول العربية وضجيجها هو فعل لا يهمّ إلا موظفي المؤسسة العربية الإقليمية ودبلوماسييها، وقليلا ما حرّك أقلاما ولامس انفعالات لدى أي مواطن عربي “من المحيط إلى الخليج”.
أن يتسلّم أحمد أبوالغيط مهامه كأمين عام جديد للجامعة ويبدأ في ممارستها الأحد فهو تفصيل لا يقدم ولا يؤخّر في حاضر العالم العربي هذه الأيام، وهو لم يقدم ولم يؤخّر كثيرا في الأيام الغابرة. ومع ذلك فحدث اختيار (حتى لا نقول انتخاب) أمين عام جديد للجامعة العربية يفترض أن يكون مهما، ذلك أن “بيت العرب”، كما يحلو للبعض أن يطلق التسمية على الجامعة، مختصر في شخص الأمين العام وطباعه وكفاءاته، فهو منبره الإعلامي الذي يطل من خلاله ليذكّر العرب بخجل أنهم “أمة” لديهم جامعة تشهد على ذلك.
ولم تعد القمم العربية مناسبة صاخبة تحفل بها بلدان المشرق كما بلدان المغرب، كما لم تعد تسلّي العامة بأحجيات الحضور والغياب والاعتكاف والحرد التي لطالما كانت تلامس الطرافة أكثر من أن تترك أثرا يذكر في حياة المنطقة.
قد يقول قائل إن جامعة الدول العربية تمثّل النظام العربي السياسي الرسمي، وأزمة هذا النظام هي السبب الأساس لأزمة جامعته. وقد يقول قائل آخر إن سقوط الأيديولوجيا بمضامينها القومية قد عرى الجامعة العربية من مبرر وجودها ولزومية استمرارها. لكن ذلك، وإن كان صحيحا، لا يبرئ الجامعة العربية كمؤسسة إقليمية من أنها فشلت في تشييد آليات تكامل أو تنسيق عربي تتناول ما دون السياسي لتلامس قطاعات لا خلاف كبيرا داخلها في الاقتصاد والتربية والثقافة والتواصل وتبادل المعرفة.
لم توفّر الجامعة العربية الحدّ الأدنى من أي بيئة تجعل من “المشروع العربي”، وربما العروبي، جاذبا للمترددين محافظا على المؤمنين.
فعدا عن كون الأمانة العامة للجامعة هي رتبة وظيفية لدى وزارة الخارجية المصرية التي لطالما نقلت وزراءها السابقين من ملاكها إلى ملاك الجامعة، فإن وعود الإصلاح الداخلي التي لطالما كانت بيرق الأمناء العامين السابقين، والتي لطالما اعتمدتها القمم العربية لم ترق إلى مستويات يمكن أن تغيّر شيئا في نظرة المواطن العربي إلى الجامعة العربية، وهو لن يقلقه اختفاؤها يوما ما.
وربما في شخص أحمد أبوالغيط ما يعكس الكيفية التي يتمّ بها اختيار شخص الأمين العام، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار كفاءته على رأس منظمة إقليمية تتجاوز وظيفتها الدور الدبلوماسي، بل إلى اعتبارات تسووية تنطوي على مساومات بين الدول من أجل التقدم في مسألة والتنازل عن أخرى.
ولا يبدو أن حال العالم العربي الغارق في أزماته في الوقت الراهن يسمح باستشراف عزم على المضي قدما باتجاه إعادة تعريف الجامعة وإصلاح أدائها وتفعيل آلياتها. فالجامعة مستقيلة من النزاع حول الصحراء المغربية وغير معنية باتفاق الصخيرات بشأن ليبيا وغائبة عن مقاربة جنيف بخصوص سوريا وبعيدة عن مداولات الكويت حول اليمن واللائحة تطول.
وعلى هذا الأساس وحتى إشعار آخر قد يطول كثيرا، ستبقى الجامعة سرابا واهما لا نذكر وجودها المادي إلا في مبنى المقر في القاهرة ومكاتب الممثليات في بعض عواصم العالم.
وفي تصريحات أمينها العام الذي “يعرب عن قلقه” كما يفعل أمين عام الأمم المتحدة التي، على الرغم من الانتقادات الموجهة لها، مازالت أداة أساسية في إدارة علاقات الدول في هذا العالم.