أسطورة “الميودسا” في الدستور اليمني
الميودسا تمثال يوناني مصنوع من الرخام للتعبير عن الشؤم والخوف في البلاد، تُدار حوله أسطورة أفريقية قديمة، تقول إن الميودسا تمثال لفتاة فاتنة في غاية الجمال تم اغتصابها في المعبد، فعاقبتها آلهة اليونان الشهيرة “أثينا”، إذ مسختها إلى امرأة مرعبة، و حولت شعرها إلى ثعابين وسحرتها بحيث أي إنسان ينظر إلى عينيها يتحول الى تمثال صخري.
تحولت هذه الفتاة إلى وحش مخيف ينشر الرعب في أرجاء اليونان إلى أن استطاع البطل “بيرسيوس” قتلها وفصل رأسها عن جسدها بوساطة أسلحته الخاصة التي حمته من سحر عينيها.
وعلى الرغم من كون هذه الخرافة عبارة عن أسطورة يونانية ضمن عدة اساطير مشابهة، لكنها في الواقع انعكاس لثقافة الشعوب والمجتمعات.
هذه الأسطورة تثير التفكير حول مكانة المرأة الوضيعة قديمًا وما عانته في مثل هذه البلدان التي منحت المرأة الآن حقوقها بشكل شبه كامل.
منذُ ذلك الزمان والفتاة هي المذنب الوحيد في كل شيء، يصوب المجتمع سهام اللوم عليها ويحملها المسؤولية مباشرة بعد كل حادثة اعتداء تتعرض لها باعتبارها أصلًا لكل الشرور والمصائب.
بالرغم من كل التقدم الثقافي والحضاري في اليونان إلا أن المجتمع كان ينظر للمرأة بنوع من الدونية، وهي النظرة ذاتها التي تمنحها أغلبية المجتمعات العربية واليمن على وجه الخصوص للمرأة حاليًا.
ففي اليونان قديمًا منعوا الفتيات من التعليم، ولا يحق لأي امرأة أن تصبح شاعرة أو كاتبة أو تاجرة أو فيلسوفة، لذا انحصرت الإنجازات القديمة على الرجال، ثم يسألون أصحاب السلطة الذكورية ” لمَ لم يكن في الفلسفة والشعر امرأة عريقة، ليثبتوا العراقة التاريخية للأبوية الذكورية، وعدم جدراة المرأة من تحقيق نفسها كما فعل الرجل.
العادات والتقاليد المتوارثة من قديم الزمان تُسلب المرأة حقوقها بالدرجة الأولى وتُأثر بنظرة الذكور إليها مهما كانت ثقافتهم، حيثُ تركت هذه الأفكار بصمتها على الفلسفة والأدب الذي يتوارث مع مر الأزمان، ” أرسطو” الفيلسوف الإغريقي الشهير أول فيلسوف أثيني، كان من أكبر المنظرين لدونية المرأة في المجتمع حيث أعتقد أن المرأة تُجلب الفوضى والشر للمجتمع، وانها عبارة عن نصف رجل، وأن النساء بالمجمل عديمات الفائدة تمامًا وأنهن يسببن ارتباكًا للمجتمع أكثر من الأعداء.
يُسعدني بأن تلك المجتمعات تطورت في الوقت الحالي على العكس من ماضيها السيء، وظهرت المرأة أكبر قيمة من السابق، وتلقت التعليم وتولت المناصب ولو أنها لم تصل إلى مكانة الرجل تمامًا بعد، إلا أنه تقدم مرضي نوعًا ما.
وعلى غرار ذلك المرأة اليمنية تولت المناصب ومقاليد الحكم منذ قديم الزمان، وحفرت اسمها في التاريخ اليمني، وتدل الكثير من التماثيل الخاصة بالمرأة اليمنية من قبل الميلاد على شأن المرأة وتقديرها عكس الإغريق وغيرها من البلدان.
إلا أن مكانة المرأة اليمينة انحدر تدريجيًا إلى أن وصلت إلى ما هي عليه، وتسربت نظرة البلدان تلك للمرأة في اليمن، وشاع التسلط الذكوري وقمعت حرية المرأة واقصيت من الكثير من المناصب ووضعت القوانين الدستورية التمييزية ضد المرأة اليمنية، في حين شرع زواج القاصرات ولم تمنحها حقها الكامل في الزواج والطلاق والمساواة وقُنن عددهن في المشاركة السياسية.
انتشرت العادات والتقاليد لتمثل عائقا أمام حقوق اليمنيات بالإضافة إلى القوانين التي تسلب المرأة حقها الطبيعي كإنسان كامل مثل شقيقها الرجل.
فالقانون رقم (59) ينص على أن يجوز للرجل أن يطلق زوجته بناءً على رغبته ومن دون الحاجة إلى إبداء الأسباب.. بيد أن المرأة التي تطلب الطلاق يجب أن تلتمس ذلك في المحكمة ولكنها لا تستطيع الحصول على ذلك إلا لأسباب محدودة.
بينما القانو رقم (24) حذف السن المحدد لزواج الفتيات بعد قانون صُدر سابقًا وحدد سن الخامس عشر إلا أنه تم حذفه وشرع زواج الفتيات بأي سن كان شريطة أن يوافق ولي أمر الفتاة، وهذا ما شجع انتشار زواج القاصرات بشكل كبير خصوصًا في الأرياف.
وقانون آخر رقم(26) يسمى قانون الأسرة الذي يغطي المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق وحضانة الأطفال والميراث ويحتوي القانون على عِدة أحكام قانونية تمييزية تفرض قيود شديدة على حياة النساء وتعرضهن لخطر إساءة المعاملة.
ما هذه القوانين إلا نموذجًا للكثير من القوانين الأخرى التي أقامت مجزرة بحق المرأة اليمنية وجعلت النساء في اليمن يتعرضن للتمييز المنهجي والعنف المتفشي، وتتعرض حقوقهن للانتهاك بشكل اعتيادي لأن القوانين اليمنية والممارسات القبلية والعرفية تعاملهن على أنهن مواطنات من الدرجة الثانية.
فمتى ستعود المرأة اليمنية إلى مكانتها الطبيعية كقديم الزمان وتتولى المناصب وتحفر اسمها في التاريخ الجديد، وهل سيحدث شغف الفتيات وارداتهن و وجهود أبطال المجتمع تأثيرًا إيجابيًا بخصوص المرأة، وهل الدستور اليمني سيقر لتعديله ويفك القيد الذي يضعه على عنقها؟!