حسنا، لنفرض أننا اعترفنا بأن ما حدث في سقيفة بني ساعدة من إقصاء لعلي بن أبي طالب وتولي الخلافة لأبي بكر الصديق كانت مشكلة وبداية لانعطاف حالة السلام التاريخي إلى الطريق الأخطر والأكثر دموية، كيف يمكن اليوم أن نحل هذه المشكلة، وكيف يمكن أن نقنع هذا الجيل أن تلك الانعطافة الخطيرة حد تعبير عبد الملك الحوثي كانت السبب في تشوه الحاضر، وأن علينا أن ندفع ثمن كل ما لم نقترفه نحن.
حسنا، لنفرض أننا اعترفنا بأن ما حدث في سقيفة بني ساعدة من إقصاء لعلي بن أبي طالب وتولي الخلافة لأبي بكر الصديق كانت مشكلة وبداية لانعطاف حالة السلام التاريخي إلى الطريق الأخطر والأكثر دموية، كيف يمكن اليوم أن نحل هذه المشكلة، وكيف يمكن أن نقنع هذا الجيل أن تلك الانعطافة الخطيرة حد تعبير عبد الملك الحوثي كانت السبب في تشوه الحاضر، وأن علينا أن ندفع ثمن كل ما لم نقترفه نحن.
عبد الملك الحوثي كما في خطابه الأسبوع الماضي لا يرى الحياة بالنسبة له إلا من منظور الأمويين والعباسيين وأتباعهما.. حربه اليوم ليست أكثر من حرب ضد أتباع معاوية، الذين يقفون حجر عثرة في طريق حكم أولاد علي.. نقطة التاريخ تبتدئ عنده من سقيفة بني ساعدة، وكل ما بعده خطأ يجب تصحيحه.
وفق هذا المعطى يرسل الحوثي جحافله لتلاحق أتباع معاوية وبني أمية، لتلاحقهم في الأرياف والقرى والسهول والجبال، وعلى هؤلاء المشردين والجائعين والخائفين أن يتعرفوا على الإسلام من خلال قاتلهم، من خلال عينيه التي يقدح فيهما الدم.
الفكرة الحوثية غير جذابة، ولا تعطي انطباعا بالحركة، بل بالتوقف والجمود والسكون والصفرية، ودورة التاريخ في حقيقتها ستظل تتمحور حول نقطة السقيفة.
سيكون محبطا حين نقول لأكثر من مليونين ونصف مليون نازح، سبب نزوحكم نومكم في مخيمات اللاجئين كان نتيجة خطأ فادح في سقيفة بني ساعدة.
الجيل الحاضر لا يعنيه ما الذي حدث في سقيفة بني ساعدة، وليس عليه إن كان خطأ يجب تصحيحه أم لا، مطالبته لا تتعدى قول محمود درويش: أعطنا خبز الكفاف، وحاضرا أقوى، فليس لنا التقمص والحلول أو الخلود.
معركتهم بامتياز تتجلى من خلال ثنائيات الحاضر والمستقبل، العدالة والظلم، الدولة والمليشيا، بما يعني أن معادلة الماضي ليست إلا حالة سكون بالنسبة للمستقبل، ومنطقهم يقول: إن لم يكن قد وسعني جلباب أبي لأعيش فيه بسلام فلماذا تسعني أخطاؤه لتشوه حاضري ومستقبلي.
الشاب الذي يطالب بدولة وفق المعايير الديمقراطية يعد في نظر الحوثي امتدادا لمرحلة الانحطاط التاريخي التي ابتدأت ببني أمية.
الدول الحديثة تنشأ اليوم من نقطة الصفر، تركم التراب على تاريخ من الصراع الطويل، ويبقى الماضي عبارة عن تراكم ثقافي وتاريخي مشترك لكل أبنائه، لأن العقل الغارق في الماضي لا يمكنه أن يقدم شيئا للحاضر أو المستقبل، ولا يمكنه أن يهب مجتمعا ما يبحث عنه من أمان.
هذا الأمان المفقود لن يجده الشعب في كلمات عبد الملك الحوثي، الرجل مشدود إلى الماضي، ولا يمكن التغاضي عما تفعله جماعته باعتبارها حركة فتية في تصرفاتها طيش كما يحاول أن يقول محمد عايش، بل إن وحشية الحوثي ستقود جميع اليمنيين ليتحولوا إلى مقاتلين بما فيهم لاعبو الهوب هوب كما يقول محمود ياسين.
أنا لا أتحدث هنا عن معتقدات جماعة الحوثي، فلكل معتقده، ما أنقده هنا، هو تجاوز المعتقدات لتكون واقعا سياسيا يقود البلد، وهنا مكمن المشكلة.
كل جماعة لها الحق في معتقداتها، ماليس من حق أحد أن تتحول هذه المعتقدات إلى حركة سياسية تصنف المجتمع إلى معادين وموالين وتتبنى مشروعا سياسيا خارج مفاهيم الديمقراطية الحديثة.
في نظر الحوثي نحن مخطئون جميعا وعلينا تصحيح هذا الخطأ أو السير إجباريا في الطريق الى فلاديمير.. الطريق الإجباري الذي كان يقود إلى السجن أيام الاتحاد السوفيتي.