المرض هو انحراف عن مسار الحياة الأصلي ، شذوذٌ عن الجوهر فيها ألا و هو الصحة و العافية ، المرض لا شأن لهُ بروح الحياة فهو مجرد عارض عابر فيها .. هو قدرٌ سيءٌ حين يصيبنا يسلبنا الكثير من دفء الحياة ، المرضى ليسوا كالأصحاء أبداً ..إنهم يعيشون عالماً آخر لا يمكن للأصحاء أن يفهموه أو يدركوه فالمسافة شاسعة بين العالمين .
المرض هو انحراف عن مسار الحياة الأصلي ، شذوذٌ عن الجوهر فيها ألا و هو الصحة و العافية ، المرض لا شأن لهُ بروح الحياة فهو مجرد عارض عابر فيها .. هو قدرٌ سيءٌ حين يصيبنا يسلبنا الكثير من دفء الحياة ، المرضى ليسوا كالأصحاء أبداً ..إنهم يعيشون عالماً آخر لا يمكن للأصحاء أن يفهموه أو يدركوه فالمسافة شاسعة بين العالمين .
بالطبع يمكن أن يقترب الأصحاء قليلاً من ذلك العالم الكئيب حين تمر بهم وعكات صحية لكنها تكون كالسراب أو كالخيال و سرعان ما تتلاشى من وعيهم ومشاعرهم ، بينما المرضى الذين صار المرض جزء من تكوينهم و حياتهم رغماً عنهم- أصحاب الأمراض المزمنة و المستعصية و البنية الضعيفة- هؤلاء هم من ينتقلون لذلك العالم و يُحبسون فيه دون سبيل للعودة إلى عالم الأصحاء .
لعل ذلك سبب الترخيص العظيم من الرب سبحانه لهم في محكم كتابه حين أخبرنا ( و لا على المريض حرج ) ، الكثير يعتقد أن الآية مجرد مجاز تعاطفي لكن الله ما كان ليتعاطف فقط مع فئة دون استحقاق للمعنى حاشاه سبحانه عن ذلك..
ليس على المريض مؤاخذة و لا حرج و لا لوم و لا معاتبة و ليس عليه أن يلتزم بما يلتزم به أهل العافية من الأثقال الكبيرة …هذا ما أرادهُ الله لهم تخفيفاً عنهم و رحمةً لما أصابهم من سوء و كرب ..يكفيهم أن يصارعوا ويلات المرض .
فحين تكون مريضاً.. فإن الألم يفقدك شعورك بملذات الحياة و كلما استمر الألم تتلاشى الحياة بكل جمالها أمامك ، فما فائدة كل الطعام اللذيذ حين تكون معدتك تلتهب حتى من الماء ؟؟!! حين لا تجد في فمك إلا طعم معدن و مرارة ؟؟!!
حين تكون مريضاً.. يخذلك جسدك أكثر من مرة و في أوقاتٍ حرجةٍ لك ، مع الخيبات التي يسببها لك تفقد ثقتك به ومع الوقت يتسرب (انعدام الثقة) إلى نفسك عينها ، تشعر أنك غير واثق من إنجازك للأمور و غير متأكد أنك قادر على إتمام ما يجب ، جسدك سيخذلك كالمعتاد ..هكذا تحدث نفسك أمام أي أمر يعرض عليك .
حين تكون مريضاً.. تتردد عند التعمق في علاقات طويلة المدى كالصداقات و الزواج و الإنجاب فأنت خائف من تورطك العاطفي مع أخرين سيتألمون معك ..ستكون مجرد عبء عليهم ..ستسبب لهم الكثير من الذكريات الأليمة ..إنك غير متأكد من قدرتك على إسعادهم .
حين تكون مريضاً… تتعرض لنظرات الشفقة من وقت لآخر ، إنك تحتاج للتعاطف لكن عليهم أن لا يقللوا من جدارتك فقط لأنك متعب ، و بين حاجتك لتفهم وضعك وبين شعورك بالظلم لإنتقاصهم من كفاءاتك تعيش عذابات و مد وجزر لا نهاية لها ، تريد أن تصرخ ): أنا قادر على كذا و كذا فلا تشفقوا علي كالعاجز) ، لكنك تكتم صرختك فهي أيضاً مجلبة للخزي لو وجهتها للكثير من البشر الحمقى .
حين تكون مريضاً… فإن الموت يحوم حولك ، فالألم هو رسول الموت الدائم لك ، إنه جزء من سكراتك التي تمزق حبال ارتباطك بالدنيا ؛ لذا من وقت لآخر تشعر بالحزن الشديد لكل شيء جميل يلمسك من الحياة لأنك ببساطة لا تستطيع أن تتمسك بالحياة فيما الموت يلف حولك قيوده و نزعاته.. يصبح الشخص الذي يسعدك و الأمر الذي يبهجك.. سبباً قوياً للوجع الفظيع داخلك فترغب بشدة بالهرب بعيداً منه ، و بالفعل تهرب لعزلتك و صمتك التي لا يفهمها الأخرون خاصة حين تكون في المسرات .
حين تكون مريضاً… ترافقك الحسرات لأمور تقصر فيها ، و أمور تعجز عنها ، و أمور تخاف الخوض فيها ثم يوقفك المرض وسطها ، حسرة وراء حسرة تجعل كل قرارتك حارة كبركان لا يبرد ، بركان يُؤججه أن لا كلمات تملكها لتنقل للآخرين مذاق حسرة واحدة مما تقاسيه ، إنك تكتفي أحياناً بالصمت الغامض أو حتى الانسحاب المتعالي ، انسحاب تظهر فيه متكبر و أناني و مزاجي أفضل من أن تظهر فيه خائف و ضعيف …هكذا توصي نفسك أن تبدو حين تنسحب.
حين تكون مريضاً.. يعاودك الألم فتخرج به عن نطاق التغطية و التفكير المتجرد , ففي خضم الألم تكافح لتتجلد و تصمد.. هذا كل ما يشغل تفكيرك و لا شيء غيره تصب فيه كل اختياراتك ، و حين يخف الألم تحاول استجماع نفسك بعد تلك المعركة التي أثخنتك بالجراح الجديدة و يظل هذا كل ما يشغل بالك و يتحكم بخياراتك ، فأنت لا تملك الكثير من الوقت ، بعد فترة من الهدوء تصير مترقباً للضربة القادمة من المرض متى و أين و كيف؟؟ ..و يظل هذا كل ما يشغل بالك ، تريد أن تكون مستعداً للمرة الأُخرى و تتساءل هل سأبلي بلاءً جيداً ؟!!هل سأكون شجاعاً؟!! كل ذلك يسيطر مجدداً على خياراتك حينها …لقد ألتهم الألم تفكيرك رغماً عنك فلا حيلة أزاء ذلك…فأنت تفكر وفق قواعد ومنطلقات مختلفة عن الأصحاء .
حين تكون مريضاً… تتمنى أن تكون بخير ، أن تكون متعافياً لكن المرض قد أصبح جزء من ذاتك و من نفسك التي تعرفها ، فجأة تكتشف أنه صار شيء متأصل من رؤيتك لهويتك ، لقد صرت باللاواعي منك تتمسك به إذ أنك لم تعد تعرف نفسك بدونه ..بدون كل المتعلقات التي فرضها فرضاً على عيشك …و يا له من صراع بين رغبتك بالعافية و بين تمسكك بالجزء البغيض منك المتفشي داخلك !!!
عندما تكون مريضاً…قصص طويلة لا تنتهي من الحنين و الحزن المتجدد, و وحده الله هو جابر الخاطر و صاحب العوض الحسن…
ألم أخبركم أن المرضى في عالم آخر عن الأصحاء … فلنحاول تفهمهم و إكرامهم و لنلتزم بكونه ليس عليهم حرج كما أوصانا ربنا و ربهم .