افصحت أحداث اليومين الأخيرين، عن تطورات في غاية الخطورة وفي غاية السوء، فقد جاءت في شكل ارتداد على كل الترتيبات التي أراد الوطنيون في هذا البلد، وبعض الفاعلين الإقليميين والدوليين إلى حد ما. افصحت أحداث اليومين الأخيرين، عن تطورات في غاية الخطورة وفي غاية السوء، فقد جاءت في شكل ارتداد على كل الترتيبات التي أراد الوطنيون في هذا البلد، وبعض الفاعلين الإقليميين والدوليين إلى حد ما، اعتمادها للخروج باليمن من مأزقه وأزمته وإنهاء الحرب الأهلية الدموية التي فجرها المتمردون الحوثيون وحليفهم المخلوع صالح والوحدات العسكرية المتمردة الموالية له، إلى حد يمكن معه وصف ما يجري بأنه محاولة لإعادة إحياء التحالف إقليمي الطابع للثورة المضادة في اليمن.
إن محاولة كهذه تمثل في الحقيقة سلوكاً أكثر وقاحة من التقاء المصالح بين القوى الموتورة الداخلية والإقليمية التي لم تستطع بعد أن تتخلص من صدمة الربيع العربي، بما شكلته من يقظة جماعية للشعوب في مواجهة التسلط والقهر والاستبداد، والاستئثار بالسلطة ومزاياها، والارتهان للمشروع الأميركي الذي كان قد اعتمد خططاً خبيثة لإعادة توزيع خارطة النفوذ على أساس من التمايز المذهبي، وجعل هذا التمايز وقود صراع طويل الأمد في منطقتنا.
المخلوع صالح في أحدث خطاباته، فتح مزاداً جديداً للحرب والدماء والخراب، باعترافه أنه الذي يخوض الحرب ولكن بمتطوعين يساندون “الجيش” و”اللجان الشعبية” وليس بواسطة الوحدات المتمردة من الجيش السابق التي لا يزال يسيطر عليها، ويهدد بمواصلة هذه الحرب لعشر سنوات أخرى عن أن يذهب إلى “مفاوضات في الرياض”.
أسلوب المخلوع صالح يكشف عن المأزق الشخصي الذي بلغه هذا السياسي الموتور، الذي يبدو أن العزلة تحاصره من كل الجهات، وأن معظم الأطراف الإقليمية والدولية قررت إخراجه من معادلة الصراع ومن المعادلة السياسية، ولهذا بالغ في إضفاء الطابع الوطني على مهمته القذرة في إطالة أمد الحرب، وأراد أن يقدم نفسه حامي حمى “العقيدة” وليس فقط “الوطن”، في مواجهة “الوهابية الجديدة”، وهو توجه يتناغم مع حملة مشابهة تنفذها شخصيات قريبة من دولة رئيسية في التحالف، مثل السلفي المُروَّضْ، هاني بن بريك، المشرف على ما يسمى “الحزام الأمني”، في عدن، وتستهدف منهج الوهابية وعلمائها، على نحو يظهر أن مهمة مواجهة القاعدة، التي تتبناها تلك الدولة الرئيسية في التحالف، ليست إلا حصان طروادة هدفها الأساس هو النيل من قوى ثورة التغيير والمقاومة الشعبية، وتركة الربيع العربي، وهي أهداف باتت تتناغم تماماً مع الأهداف التي تتبناها واشنطن والغرب بشكل عام، وقوى الارتداد على ثورات الربيع العربي والتي تتمحور حول الموجة الجديدة من الشيعية الفارسية المتطرفة.
ولا يمكن فصل ما جرى في عدن من استهداف مباشر لقادة المجلس العسكري والمقاومة الشعبية في تعز، الذين جاءوا إلى عدن بناء دعوة من الحكومة والتحالف، عن حالة الاستهداف هذه التي تطال المقاومة وقوى التغيير، وتريد تحييدها.
لم يكن هناك أفضل من هذه الممارسات الرعناء التي تعرض لها أبطال تعز في عدن، لكي يقتنع الجميع بأن هناك ترتيبات خبيثة اعتمدت ضد تعز وليس معها منذ اللحظة الأولى للحرب، وأن سيل الاتهامات والادعاءات والنيل من سمعة وشجاعة مقاومة تعز قد سقطت بفعل هذا التصرف الأرعن.
قيل إن مقاومة تعز أهدرت 300 مليون ريال سعودي، وإنها لا تقاتل بالمستوى المطلوب، وأن إطالة أمد المعركة في تعز يعود إلى أن أبناءها لا يقومون بما عليهم بشكل كاف.
لم أجد ومعي الكثيرون سبباً منطقياً لأن تقدم مجموعة مسلحة نظامية، وليست خارجة عن القانون كما حاول البعض أن يدعي، بمحاصرة الفندق الذي يقيم فيه قادة الجيش والمقاومة في تعز، ولا ندري ما هي الرسالة التي أراد الطرف المدبر لهذه العملية أن يوصلها، وما جدوى إذلال المقاومة؟
لا توجد إجابات منطقية في حقيقة الأمر سوى أن ما جرى يعكس حالة احتقان عجيبة إزاء استمرار المقاومة في تعز والتي تعبر عن إرادة وطنية حقيقية وتحمل مشروع الوحدة الوطنية واليمنية، وتقاتل من أجل استعادة الدولة وليس فقط من أجل تعز.
خصوصاً وأن محاولات حثيثة جرت وتجري لتمكين فصيل بعينه من مقاومة تعز، بما فيه ذلك دفعه إلى بسط اليد على المناطق المحررة، ولكن هذه المحاولة لم تكن كافية لإنهاء دور المقاومة الوطنية وإخراجها نهائياً من ترتيبات المرحل المقبلة.
إن ما جرى في عدن كشف أكثر ما كشف عن حالة التقاء المصالح والأهداف بين الانقلابيين وبين القوى التي تنشط تحت عناوين مراوغة، من قبيل استقلال الجنوب، وهي مهمة، لا تستهدف فقط إنهاء تركة التغيير بل يبدو أنها تشكل جزءً من مخطط تقطيع أوصال “الرجل اليمني المريض” الذي أغرى بعض القوى الإقليمية ودفعها إلى تبنى هذا النوع من المواقف غير الأخلاقية تجاه اليمنيين.