فوضى البحر الأحمر.. لماذا لن تنضم الدول العربية إلى التحالف الأمريكي البحري الجديد؟
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
عندما أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف بحري لحماية السفن التجارية المسافرة في البحر الأحمر في وقت سابق من هذا الأسبوع، قال الأمريكيون في البداية إنه ستكون هناك 10 دول مشاركة. ظهرت أسئلة على الفور تقريبًا حول سبب عدم مشاركة بعض أكبر القوى البحرية العربية.
منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت جماعة الحوثيين في اليمن الصواريخ وأرسلت طائرات بدون طيار لمضايقة السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب. وقال مسؤول حوثي كبير على وسائل التواصل الاجتماعي إن هذا لن يتوقف “حتى تتوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة ويسمح بدخول الغذاء والدواء والوقود إلى سكانها المحاصرين”.
وفي 19 تشرين الثاني/نوفمبر، اختطفت جماعة، التي انخرطت في حرب أهلية في الداخل منذ عام 2015 وتسيطر الآن على جزء كبير من البلاد، سفينة غالاكسي ليدر، وهي سفينة شحن مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي. وقد هوجمت سفن أخرى بطائرات بدون طيار، وفي إحدى الحالات، تم اعتلاء سفينة أخرى لفترة وجيزة.
وحدثت المضايقات في الغالب في مضيق باب المندب الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر ويبلغ عرضه 32 كيلومترًا (حوالي 20 ميلًا) عند أضيق نقطة فيه. ويسمح للسفن بالوصول إلى قناة السويس، وهي أقصر طريق بين أوروبا وآسيا.
ونتيجة لذلك، أوقفت العديد من شركات الشحن الكبرى عملياتها التي تمر عبر المضيق.
رغبة الحوثيين
قال دانيال غيرلاخ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وقضايا الإرهاب، في مقابلة مع تلفزيون دوتشه فيله الألماني (DW) “العداء لإسرائيل أحد مبررات الوجود الاستراتيجي للحوثيين؛ رغم أن الواقع لا يشير إلى وجود صراع إقليمي مباشر بينهم وبين إسرائيل”.
وأضاف “يرغب الحوثيون في أن يظهروا للعالم الإسلامي والعربي بأكمله بأنهم يؤازرون الفلسطينيين”.
وجرى إطلاق اسم “حارس الازدهار” على التحالف البحري الذي أعلنت الولايات المتحدة تدشينه قبل أيام مع دعوة انخراط كافة الدول الأعضاء الـ 38 في تحالف ما يُعرف بـ “قوة المهام المشتركة ” المنوط بها مكافحة أعمال التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وأعلنت تسع دول الانضمام إلى تحالف “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة هي البحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وأسبانيا وسيشيل والمملكة المتحدة، لكن مدريد أثارت الجدل بعد أن نفت انضمامها إلى التحالف فيما أعربت فرنسا عن قلقها إزاء تأثير انضمامها على العمليات الأخرى.
وقالت الحكومة الإيطالية إن السفن التابعة للشركات الإيطالية سوف تظل تحت القيادة الإيطالية، بيد أن النقطة التي أثارت الكثير من الجدل تمثلت في غياب عربي بارز عن الانضمام إلى التحالف إذ كانت البحرين الدول العربية الوحيدة التي انضمت إليه.
الجدير بالذكر أن البحرين هي مقر الأسطول الأمريكي الخامس الذي يرتكز نشاطه في المنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، مروراً بالمحيط الهندي وبحر العرب.
قناة السويس
تمثل قناة السويس مصدر دخل قومي هام لمصر؛ إذ تدر إيرادات تبلغ عشرة مليارات دولار في العام.
يُذكر أن القوات البحرية المصرية تولت قيادة “قوة المهام المشتركة – 153” أواخر العام الماضي حيث أكدت في حينه أن القوة تعد “أحد أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التهديدات بكافة أنماطها”.
وسوف تعمل قوات “حارس الازدهار” تحت لواء قيادة “قوة المهام المشتركة – 153”.
وعلى الرغم من أنه من المحتمل أن تخسر الملايين بسبب انسداد قناة السويس، إلا أن مصر لم تنتقد الحوثيين. كما أنها لم تنضم علناً إلى التحالف البحري. عزا الخبراء ذلك إلى قرب مصر من الصراع وحساسية هذه القضية في العالم العربي بشكل عام.
السعودية والإمارات
وانضمت السعودية إلى تحالف “قوة المهام المشتركة – 153″، لكنها مؤخراً شرعت في محادثات سلام مع الحوثيين وتقارب مع إيران، الداعم الأكبر لجماعة الحوثي.
ويقول خبراء إن الرياض لم تنضم إلى التحالف البحري الجديد بسبب قلقها أن تلقى الخطوة بظلالها على مستوى التقارب مع الحوثيين والإيرانيين في الوقت الراهن، فضلاً عن مخاوف من أن يقدم الحوثي على استهداف مستودعات النفط السعودية مرة أخرى في تكرار لما حدث عام 2019.
وكان الحوثيون قد هددوا بمهاجمة السفن السعودية والإماراتية في حالة انضمام الرياض وأبوظبي إلى التحالف البحري الجديد.
وفيما يتعلق بالإمارات، يرى الخبراء إن أبوظبي تعد العاصمة العربية الراغبة في تبني موقف أكثر تشدداً ضد الحوثيين من كل النواحي رغم عدم انضمامها التحالف البحري بقيادة واشنطن.
وفي مقال نشرته بلومبرغ، قال الأدميرال المتقاعد بالبحرية الأمريكية، جيمس ستافريديس، إن الإمارات والسعودية “لديهما وجهات نظر مختلفة حول كيفية التعامل مع أزمة الحوثيين حيث تدعو الإمارات إلى عمل عسكري قوي ضد المتمردين (الحوثيين)، في حين تريد الرياض نهجا أكثر اعتدالاً”. وأضاف “يتعين على (الدول الأخرى) إقناع الجانبين السعودي والإماراتي بتنحية خلافاتهما جانباً”.
ونقلت صحيفة “لوريان لو جور” عن إليونورا أرديماني، الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، قولها إن الإمارات المحت في مايو/أيار الماضي إلى رغبتها في الانسحاب من القوة العسكرية المشتركة المتعددة الجنسيات، رغم عدم ترجمة ذلك على أرض الواقع.
وأوضح أرديماني أن الإمارات “غير راضية عن التعاطي الأمني الأمريكي في الشرق الأوسط والذي وصفته بالضعيف في السنوات الأخيرة، ومازالت الإمارات تؤيد الرد الصارم الذي يهدف إلى تقويض القدرات العسكرية للحوثيين وتقليل تهديدهم للملاحة لأن أبو ظبي على النقيض من الرياض لم تنخرط في مفاوضات ثنائية (مع الحوثيين)”. وأضافت الباحثة أن الخوف من شن الحوثيين هجمات على حقول النفط الإماراتية قد يكون مبعث قلق آخر.
وقال محللون إن القاسم المشترك في رفض الدول الثلاث – مصر والسعودية والإمارات – للانضمام إلى التحالف البحري الجديد يكمن في قلقها من أن يُنظر إليها على أنها تدافع ضميناً عن إسرائيل، خاصة وأن استطلاعات الرأي تظهر أن القضية الفلسطينية مازالت محورية لدى شعوب المنطقة.
وفي تعليقه، قالت كاميل لونز، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الولايات المتحدة “شجعت في السنوات القليلة الماضية التعاون بين إسرائيل ودول الخليج من أجل مكافحة النفوذ الإيراني، لكن الحرب الدائرة في غزة تعني أن هذا الشكل من التعاون الأمني في البحر الأحمر من غير المرجح حدوثه في أي وقت قريب”. وأضافت “دول الخليج مثل السعودية غير مستعدة الآن للمضي قدماً في التطبيع الإسرائيلي”.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن هناك في الواقع تسع دول أخرى ستشارك في التحالف البحري الجديد لكنها لا ترغب في الإعلان عن مشاركتها، حسبما صرحت مصادر داخل الإدارة الأمريكية للصحفيين.
ورداً على سؤال عن عدم مشاركة السعودية والإمارات في التحالف، قال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض “أترك كل دولة عضو، سواء أرادت الإقرار بذلك أم لا، أن تتحدث هي عن نفسها”. وقال كيربي لاحقاً، دون إشارة مباشرة إلى أي من البلدين، “هناك بعض الدول وافقت على المشاركة وعلى أن تكون جزءاً من هذا لكن… لها أن تحدد رغبتها في مدى علنية ذلك”.