آراء ومواقف

الرياض في مواجهة خارطة الطريق الأممية

ياسين التميمي

توقفت مشاورات الكويت بين الأطراف اليمنية، ودخلت مرحلة الجمود تقريبا، وفي المقابل تحركت الدبابات والمدرعات، وازدادت حدة المواجهات، إلى حد يمكن معه وصف ما يجري بأنه ترجيحٌ لكفة الخيار العسكري الذي قد نرى صنعاء مسرحا له.
توقفت مشاورات الكويت بين الأطراف اليمنية، ودخلت مرحلة الجمود تقريبا، وفي المقابل تحركت الدبابات والمدرعات، وازدادت حدة المواجهات، إلى حد يمكن معه وصف ما يجري بأنه ترجيحٌ لكفة الخيار العسكري الذي قد نرى صنعاء مسرحا له.
لا شيء قد يُخرج مشاورات الكويت من جمودها حتى زيارة الأمين العام للأمم المتحدة المرتقبة إلى دولة الكويت اليوم الأحد، ضمن جولة له في المنطقة، في ظل عدم توفر معلومات يقينية عن إمكانية أن تشهد تلك الزيارة إطلاق خارطة الطريق الأممية للحل السياسي في اليمن، التي أعلن عنها مبعوث الأمين العام إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ.

ويقيني أن هذه المبادرة باتت هي المشكلة، بعد أن تبنت بشكل واضح الخيار الذي يطرحه الانقلابيون وانحازت إلى خيارهم للحل الذي يهدف إلى إعادة تأسيس مرجعية سياسية ومشروعية سلطوية جديدة في اليمن.

وترافق ذلك مع سعي أممي حثيث إلى تقريب وجهات النظر بين طرفي المشاورات مع قبول ضمني بإمكانية البحث في طلب الحوثيين تأجيل البت في الترتيبات الأمنية التي فرضها قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والقفز عليها إلى تشكيل حكومة وفاق وطني.

وهنا تبرز أسئلة عديدة بشأن ما إذا كانت الرياض وهي قائدة التحالف العربي، جزءا من خطة الحل الأممية أم أن هذه الخطة تصطدم فعلاً مع الخيارات الاستراتيجية للمملكة في ما يخص الأزمة اليمنية، وعما إذا كان التحالف يتبنى استراتيجية أبو ظبي التي باتت توجه ثقل المعركة العسكرية والأمنية للتحالف في اليمن، باتجاه مكافحة ما يسمى الإرهاب.

قد لا نظفر بإجابة دقيقة على تساؤلات كهذه، لكن لدينا مؤشرات قوية على أن المملكة على وجه الخصوص، هي الطرف المستهدف من المبادرة الأممية، لأن خارطة الطريق تنطوي على نية مبيتة لإنهاء دور التحالف وإنهاء التأثير السعودي  في الأزمة اليمنية الذي يكتسب مشروعيته من كونه يأتي بناء على طلب من السلطة الشرعية للبلاد، ممثلة بالرئيس هادي وحكومته، ومن قرار مجلس الأمن رقم 2216.

تقترح خارطة الطريق أن تتشكل حكومة توافق وطنية، تشرف على حوار سياسي بين الأطراف اليمنية، وهذا الحوار هو من سيقرر مصير البلاد، وهذا يعني أن الحل سيكون مفتوحا على صيغة حل لا تتفق مع المصالح الاستراتيجية للمملكة، ولا يمكن حفظ هذه المصالح عبر ترتيبات جانبية مع فصيل محدد هو “الحوثي”.

والذهاب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تُعهد إليها المرجعية السياسية، هو محاولة صريحة للإطاحة بالمرجعية السياسية الحالية التي يمثلها الرئيس هادي وحكومته، ومعها كل المرجعيات السياسية الثابتة للعملية السياسية في اليمن، وهي:

المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مجلس الأمن ومخرجات الحوار الوطني، وسيكون الحوار السياسي الذي اقترحته الأمم المتحدة، متحرراً من الضغوط العسكرية التي يشكلها اليوم التحالف العربي.

هذا يعني بشكل واضح أن التحالف العربي والسعودية على وجه الخصوص، سيصبحان خارج نطاق التأثير المباشر على مجريات الأزمة اليمنية، وحينها لن يكون بمقدور السفير السعودي أن يعود إلى صنعاء إلا إذا قبل السفير الإيراني بذلك، وهذا قطعا لن يتم إلا إذا حصلت تسوية تعزز المكاسب التي حصل عليها الحوثيون بعد انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014، وتجعلهم المتحكم والمتصرف بشؤون اليمن وشجونها وتكون إيران صاحبة الوصاية الإقليمية على اليمن.

ومن هذه الزاوية، يمكن تقييم طبيعة التحركات العسكرية اللافتة التي تشهدها جبهات رئيسة في اليمن، مثل “مأرب” و”نِهْمْ” و”الجَوفْ”، مع تدفق عشرات الدبابات والعربات المدرعة، والزيارات عالية المستوى لكبار قادة الجيش البري السعودي إلى مأرب، التي تشير جميعها إلى أن خيار التصعيد العسكري بات هو الخيار الأقرب بعد أن كشفت الأمم المتحدة عن مضمون تصورها للحل.

 

وعلى الرغم من أن بعض القراءات السياسية، تذهب إلى القول بإمكانية دعم السعودية لخارطة الطريق الأممية بصيغتها التي كشف عنها المبعوث الأممي، إلا أن هذه القراءة تفتقد إلى الدلائل، خصوصا مع توفر أكثر من دليل على أن المملكة تبدو منزعجة بالفعل من المبادرة الأممية.

لم تصرح المملكة بشيء حتى الآن بشأن الرؤية الأممية، ولو كانت تتبنى هذه الرؤية لرحبت بها من وقت مبكر، ولكنها صمتت، وأوعزت إلى الحكومة اليمنية لكي ترد بطريقة لا تقبل التأويل بأن خارطة الطريق الأممية للحل في اليمن غير مقبولة، ومن غير المقبول أبدا الذهاب إلى الترتيبات السياسية قبل إنجاز الترتيبات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي المشار إليه آنفا وبالتراتبية ذاتها.

يضاف إلى ما سبق، التحركات والتعزيزات العسكرية الكبيرة التي عبرت الحدود ووصلت إلى مأرب وفرضة نهم القريبة جدا من العاصمة صنعاء.

استنفدت مشاورات الكويت دورها تماما، ولم يعد لاستمرارها أي معنى يذكر، ولا نعتقد أن زيارة بان كي مون إلى الكويت ستنجح في الدفع بهذه المشاورات قدما، لأن أكثر ما عطل مفاعيل هذه المشاورات هي الرؤية الأممية أكثر من أي شيء آخر.

ولا يمكن تصور أن المبعوث الأممي سيعلن رسميا من الكويت، خارطة الطريق التي وعد بها بحضور أمين عام الأمم المتحدة، في ظل غياب مؤشرات حقيقية على إمكان حدوث ذلك، لأن حدث كهذا يفترض أن تسبقه تهيئة إعلامية، واستعدادات عالية المستوى، وهو الأمر الذي يحدث عادة مع إنجاز متفق عليه من جميع الأطراف..

حدث هذا مع “اتفاق السلم والشراكة” سيئ الصيت، الذي هندست له الأمم المتحدة وأشرفت عليه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، وحظي بترحيب من الدول الخليجية، ووقعت عليه الأطراف اليمنية تحت إشراف الرئيس والمبعوث الأممي آنذاك جمال بنعمر، فيما كان الحوثيون قد استكملوا إسقاط العاصمة صنعاء.

ولم تدرك معظم دول الإقليم إلا بعد مضي فترة من الزمن، بأن مخطط إجهاض ثورة التغيير الذي سكتت عنه أو دعمته، قد ذهب باتجاه آخر تماما ليصبح الجميع، بمن فيهم المملكة والخليج، هدفا مباشرا لمخطط شرير رأس حربته المخلوع صالح، والحوثيون، ذراع إيران الطائفي والعسكري في اليمن.

نقلا عن عربي 21

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى