هناك ما يفصلنا عن العالم.. الكتابة، عالم مجنون أخاذ، هادئ وجاد وعميق وجذاب، عالم قائم بذاته، كون آخر يوازي مجمل حياتنا، متناقضات الأنا والآخر. هناك ما يفصلنا عن العالم.. الكتابة، عالم مجنون أخاذ، هادئ وجاد وعميق وجذاب، عالم قائم بذاته، كون آخر يوازي مجمل حياتنا، متناقضات الأنا والآخر، النور والظلمة، المادي وغير المادي، ففي إحدى المقاربات لعالم الكتابة تقول ماري كار: أكتب ﻷحلم، ﻷتصل بالآخرين، ﻷوثق، ﻷوضح، ﻷزور الأموات.
وبين أن تكون الكتابة هبة وعطاء ومضياً نحو اﻷمام أو توقفاً وجموداً وحظاً عاثراً يتيه الكتاب العالميون في وصف هذه اللحظات التي يتدفق فيها الفكر والقلم، غير أن ما يمكن أن يتفق فيه جميعهم هو أن الكتابة عالم من المتعة والشعور وبأن بصمة ما سوف تخلدك، وأنك ستستمر في هذا العالم الزائل.. ولذلك نكتب، نكتب حتى لا نفشل.
يكتب الكتاب كحالة من الخداع اللذيذ أو الحالات النادرة الصادقة.. يكتبون آلامهم وأحلامهم، آمالهم وإخفاقاتهم، يكتبون ﻷنفسهم وللآخرين، وحتى لو لم يقرأهم أحد فإنهم سيكتبون ﻷنهم قرروا الاستمرار في هذا العالم بالكلمات.. يكشفون عالمهم للقراء، ويبحثون بأقلامهم في عوالم الآخرين.
وﻷن الكتابة مستقبل غامض قد لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسوق المال أو السلع، بل هي مخاطرة من نوع آخر، أن تمضي وتمضي فحسب، حتى لو لم يكن هناك ما يؤشر بمستقبل مستقر.. لهذا تلقى أغلب الكتاب العالميين نصائح في مقتبل حياتهم الإبداعية تدعوهم إلى ترك الكتابة، والبحث عن ذواتهم في عوالم أخرى، ليس من بينها إبداع الكلمة.
لو أن الكاتب اﻷمريكي الكبير مايكل لويس أصغى إلى نصيحة معلمه الذي ناقشه في أطروحة التخرج بأن يترك الكتابة، وأن يحترف مهنة أخرى لما كان العالم قد عرف بعد أحد أهم الكتاب في الأمريكيتين.
من بين قضايا عدة تدفعنا نحو الكتابة.. يلخصها جورج أورويل بالأنانية المطلقة التي يتم فيها الانتقام ممن ازدراك في طفولتك.. واتساقاً مع هذا المبدأ يطرح جون ديديون قوله: الكتابة هي أن تقول: أنا، وأن تفرض نفسك على الآخرين.
كثيرون يرون الكتابة خياراً لا بد منه.. في سؤال طرح على مجموعة كبيرة من الكتاب العالميين مضمونه لماذا تكتب؟ كانت إجاباتهم على اختلاف تعبيراتها إلا أنها كانت تعطي مفهوماً واحداً هي أننا لا نجيد غير الكتابة، ولا سبيل لشيء آخر.
ارتباط الكتابة بالتشويق والاتساع والمتعة والإثارة مرتبط جذرياً باستمرار الكتابة في هذا المشوار الطويل.
تضع ميغ واليتزر تصورها لهذا الهروب، ذلك أن الكتابة في نظرها سعي للتحرر من القلق واستغراق في كتابة السرد، خصوصاً إذا كانت الكتابة تسير على نحو جيد يبعد عني قلق العالم كله، هكذا تقول.. وبحسب تعبير زادي سميث فإن الكتابة كشف عن طريقة وجودنا في العالم وعن وعيي، وما أنا سوى وعيي وذاتي وخبراتي والتغييرات التي صنعتها ورأيت نتائجها، وهذه كلها لا يمكن النفاذ إليها بحسب سميث إلا في الكتابة.
كل ما يخافه الكاتب هو التوقف والاحتباس، والشعور بالجفاف، وهي المرحلة اﻷسوأ كما تصفها إيزابيل الليندي، والتي غالباً ما تتجه في فترات كهذه إلى كتابة المذكرات الشخصية أو كتابة شيء لا يتعلق بالخيال.
غير أنها تضيف بأن خوفها مستمر من امتناع قدرتها على الكتابة، وأن اﻷمر أشبه بابتلاع الرمل كما تصفه الليندي.
قد تطول فترة الاحتباس أو تقصر من كاتب إلى آخر.. يبدأ الكاتب معها بالتفكير جدياً بترك الكتابة معتقداً أنه وصل إلى مرحلة النضوب والعجز عن استعادة مرحلة التدفق وسيلان القلم، والتفكير جديا بالتحول إلى مهنة أخرى كبائع خردوات متجول أو بارعا في مواساة البائسين.