كتابات خاصة

الصحفيون المعتقلون.. ضحايا مَن؟

ياسين التميمي

منذ أكثر من عام، لا يزال عشرةُ صحفيين مغيبين في معتقلات ميلشيا الحوثي، وهي التسمية الحديثة للسجون التي أُنشئت في عهد المخلوع صالح، ولا يزال رجاله يشرفون عليها ويشاركون الحوثيين في الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بحق المعتقلين والمغيبين قسرياً. منذ أكثر من عام، لا يزال عشرةُ صحفيين مغيبين في معتقلات ميلشيا الحوثي، وهي التسمية الحديثة للسجون التي أُنشئت في عهد المخلوع صالح، ولا يزال رجاله يشرفون عليها ويشاركون الحوثيين في الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بحق المعتقلين والمغيبين قسرياً.
قضية المعتقلين، هي قضية وطنية بامتياز، فإلى جانب أنها انتهاك قاسي لحقوق الإنسان ولحقه في الحياة الكريمة، هي أيضا استهداف مقصود للكلمة الحرة ولقيمتها العظيمة في المجتمع، والتي إن غابت فسوف يتكرس النموذج الذي نراه اليوم من القمع والقهر والشمولية والاستبداد.
لا يجب أن تصنف هذه القضية باعتبارها جريمة في سياق الحرب، بل بكونها جريمة انتهاك لا تبررها الحرب، لأجل هذا تتأسس قضية المعتقلين كجريمة تدين مجرمين كُثر لا يمكن حصرهم في الحوثيين وشريكهم صالح، بل تتسع القائمة لتشمل أطرافاً معنية بحقوق الإنسان، لأنها سكتت وتواطأت.
لفت نظري البيان الذي صدر عن منظمة الصحفيين العالمية، والذي أعلنت فيه تضامنها مع نقابة الصحفيين اليمنيين، التي كانت قد دعت إلى الإفراج عن هؤلاء الصحفيين، كان الأحرى أن تتضامن بشكل مباشر وبدون أي وسيط مع المنتهكين والمعتقلين، وهم نخبة متميزة من الصحفيين اليمنيين الذين اختاروا الكلمة وسيلة وحيدة لمواجهة الاجتياح الهمجي الغاشم للعاصمة وللدولة ومؤسساتها.
مشكلة هؤلاء الصحفيين ومشكلة بقية المعتقلين من سياسيين وناشطين، هي أنهم وقعوا ضحية التصنيف المقصود لهم بالانتماء الفكري والسياسي لتنظيم سياسي كان الحوثيون قد تلقوا تكليفاً دولياً وإقليمياً باستئصاله، ولكنهم فشلوا بعد أن قرر هذا التنظيم تجنب المواجهة، ووضع بهذا التصرف الحصيف،  الجميع أمام حالة “جيوسياسية” جديدة في اليمن، حولت هذا البلد من نقطة لتقاطع المصالح إلى مفترق حقيقي لهذه المصالح وتصارعها حتى أخذت هذا الحجم من المواجهة المسلحة متعددة الأبعاد.
وتبعاً لهذا التصنيف لم تنشغل المنظمات الدولية الحقوقية بقضية هؤلاء المعتقلين من صحفيين وسياسيين وناشطين، وجرى هذا التغاضي المقصود عن هؤلاء المناضلين فقط، لأنهم ينتمون إلى العمق الفكري والثقافي والديني لأمتنا.
كان اللافت أيضاً أن هذه المنظمات، التي دائماً ما تظهر اهتماماً استثنائياً بالمرأة، قد تجاهلت الوقفات السلمية الاحتجاجية الحضارية للنساء في صنعاء، وتجاهلت المعاناة التي تواجهها هؤلاء النساء من قبل العصابة الحوثية الطائفية، كلما فكرن في إثارة قضية ذويهن من المعتقلين، مثلماً تجاهلت معاناة النساء والأطفال نتيجة القصف المتواصل بمختلف أنواع الأسلحة على تعز.
أيقونة الكفاح والشجاعة والثبات على المبدأ، السياسي البارز محمد قحطان، لم تعد قضية تغييبه ذات أولوية في مشاورات الكويت، وهو الذي كان رافعة نجاح مهمة لمؤتمر الحوار الوطني، وعبر عن إيمان لا يتزعزع بأهمية الحوار والسلام والتعايش، وشق طريقاً شائكاً للوصول إلى نموذج حقيقي للممارسة السياسية الرشيدة القائمة على مبادئ التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، والقبول بالآخر.
هذا الإيغال في إيقاع الظلم على أحرار هذا البلد والسكوت عن هذا الظلم من أطراف عديدة، حتى تلك التي تقدم نفسها على أنها صديقة أو شقيقة، يكشف عن حجم التآمر الذي يتعرض له اليمن.
للأسف يجري التغاضي عن قضية دعاة الحرية والحقوق والكرامة الإنسانية، وأنصار السلام، وفي مقابله يجري الاحتفاء بنموذج أبو علي الحاكم، هذا القاتل الميداني في العصابة الحوثية، الذي بات وأمثاله يحظون بالقبول وبإمكانية التعاطي السياسي معهم أيضاً، بعد كل الجرائم التي ارتكبوها، وتطابقت تماماً مع تلك التي تصنف بأنها جرائم ضد الإنسانية.
أبو علي الحاكم هو النسخة المكبرة من سلسلة عنقودية من القتلة والمجرمين الذين أُطلِقُوا في هذه الحظيرة ليدمروا كل شيء، بما في ذلك أسس العيش المشترك والمواطنة، ونموذج الدولة الديمقراطية، في تدبير مقصود للإساءة إلى ثورة التغيير، وربطها بهذا الحصاد المر الذي لم يكن في الحقيقة نتاج الثورة بل نتاج المؤامرة التي أشرفت عليها ومولتها أطرافٌ دولية وإقليمية قبل أن تتغير قواعد اللعبة، وتعلن إيران أن “الثورة الإسلامية” على الطريقة الخمينية قد نجحت في اليمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى