نشر رأي “الحوثي” جاء بعد يوم واحد فقط من نشر الصحيفة ذاتها، تقريرًا حول اعتزام الإدارة الأمريكية تصنيف الحوثيين كـ”جماعة إرهابية”! أنْ يصل الحدّ منح مجرم حرب كـ”محمد علي الحوثي” مساحةً لكتبة الراي في الواشنطن بوست، واحدة من أعرق الصحف الأمريكية وأكثرها رصانةً، هذا يعني أن الصحافة ليست على ما يرام.
نشر رأي “الحوثي” جاء بعد يوم واحد فقط من نشر الصحيفة ذاتها، تقريرًا حول اعتزام الإدارة الأمريكية تصنيف الحوثيين كـ”جماعة إرهابية”!
الأسوأ أن مقال “الحوثي” نُشر بالصفحة ذاتها التي كان الصحافي السعودي المغدور به جمال خاشقجي -رحمه الله- يكتب بها، وشتّان بين هذا وذاك، إذ الأول يقود جماعة مسلحة تعادي الصحافيين وتعدّهم أخطر من المحاربين، فيما الثاني قضى حياته مدافعًا عن الحقوق والحريات، والدفاع عن الصحافة والصحافيين.
هذه حادثة ليست عابرة، إنها تضع مصداقية ومهنيّة وسائل الإعلام الأمريكية والغربية عمومًا على المحك، وتطرح أكثر من سؤال: هل انضمّت الصحافة، ونعني الرصينة بطبيعة الحال، إلى مصفوفة الأدوات الرخيصة التي تُستخدم لتصفية حسابات سياسية واقتصادية ..الخ بين الدول؟!
هل يمكن العثور على مبرر واحد كافٍ لإعفاء “واشنطن بوست” من هذه الخطيئة الكبرى، ونعني الوقوع في مهزلة “تبييض” جرائم الحوثي وتضليل الرأي العام وجمهور الصحيفة، وتقديم الرجل كما لو كان “داعي سلام”، فيما جماعته تحتجز عشرات الصحافيين، علاوة على قتل آخرين ومصادرة أملاك الصحف وتشريد كل راي لا يؤيد حروب الجماعة وارهابها!
إن العداء للسعودية، سياسيًا كان أم اقتصاديًا، ليس مبررًا كافيًا لأن تنحاز وسائل الإعلام وتفقد مصداقيتها، إذْ العالم بات يراقب ويستطيع الفرز بين الغثّ والسمين، وما عادت تنطلي عليه سياسة “اكذب ثم اكذب.. حتى يصدقك الناس”؛ لقد اندثرت نظريات الإعلام القيدمة التي تعدُّ الجمهور مجرد متلقٍ خامل مهمته تصديق الرسالة فقط. اليوم لدى كل منا حارس بوابة ذاتي، بمقدوره فحص الرسالة الإعلامية ومعرفة خلفياتها وأبعادها.
يمكن تقبل فكرة اللعب الذي تمارسه المنظمات ومراكز الأبحاث، وسياسة تلميع الشبّان الذين يخدمون أهدافها وتقديمهم باعتبارهم “باحثين”، فيما لا نكاد نجد بحثًا علميًا لأحدهم، سوى أنهم ينفذون أجندات خارجية تحت غطاء الدفاع عن مواطني بلدانهم.. لكن لا يمكن قبول هذا بالنسبة للصحافة، الأخيرة هذه مهنة مقدّسة يُراد أن تلوّث بدوافع المصالح والبراغماتية سيئة السمعة.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.