كتابات خاصة

لدغة!

سلمان الحميدي

في اليوم الذي لُدغ فيه عبدالله، كنت حذرًا وفزعت من “خيطة” خفيفة تدلت من المعوز الذي أرتديه ولامست ساقي.

لَدَغ الثعبان أخي عبدالله. كان نبض قلبه يتسارع حسب ما استشفيته من أسئلة الدكتور المناوب، كان أخي الصغير يرد بأنه لا يشعر بشيء، فسأله الدكتور: هل خفت عندما لدغك الثعبان؟ كان عبدالله يتوجع من ألم الفراشة التي أوخزت وريده، في الظهر فقط قال لأصحابه متباهيًا: من يوم أعرف نفسي لم أضرب إبرة ولم تُوضع على يدي فراشة؟

رد عبدالله للدكتور: قاهوه حنش، موتشتيني أشخس له؟!
إلى وقت قريب لم تكن للدغات الثعابين أي أهمية، والترياق الذي نعتقد أنه يغلب السم كان الثوم والحقين؛ لكن مؤخرًا، في قريتنا مات أحد الأصدقاء في بواكير شبابه، في العشرين من عمره، مات بلدغة ثعبان مجهول، لدغه في الظلام واختفى. ومنذ ذلك الوقت، من يتعرض للدغة مجهولة، وإن كانت من أم أربعة وأربعين، يذهب للمستوصف، ومن يحس بحركة خفيفة على جسمه ينهض فزعًا وينفض ملابسه ويرعب من بجواره.
في اليوم الذي لُدغ فيه عبدالله، كنت حذرًا وفزعت من “خيطة” خفيفة تدلت من المعوز الذي أرتديه ولامست ساقي.
انتشر خبر اللدغة سريعًا، وعندما عدنا من المستوصف ليلًا كانت النساء في بيتنا ينتظرن العودة.
شعرت بتضامن الناس معنا وتعاطفهم الجم عند المصائب، جارنا أوقف الدراجة التي عادت بنا وسأل السائق: هل روحتم بمحمد وهو بخير؟ رد السائق: الحمدلله.. زي الفل. واستدار ناحيتي: حسه عند محمد.
كان حس الناس عند أخي محمد، الذي استشهد في المدينة. وينظرون إلينا بشفقة: إنهم أسرة مبتلاة بالمصائب.. أحزنتهم الحرب ولم يسلموا من الثعابين.
طفلة جارنا وهي في الصف الثاني الابتدائي، كانت متعاطفة هي الأخرى، وقد جاءت قبل العودة من المستوصف، كانت تترحم: أوه يا رب، عادوه اشتري له تلفون اليوم، ليت كان الحنش جدم أخي محمد ولا جدم عبدالله.. قالت.
حادثة اللدغة ستؤرخ هكذا: في اليوم الذي أعقب هزيمة الريال وفوز البرشا بخماسية ساحقة مقابل هدف يتيم.
عبدالله يشجع برشلونة، وأنا أيضًا. وفي يوم المباراة وبعده، كنا نغيظ الرياليين بمزح. هناك شخص كثيرًا ما أستشهد به، يحيى شداد، الريالي الذي يظن بأنه مشجع نحس، غادر المباراة بعد الهدف الثاني، في اليوم التالي كنت أفرد أصابعي الخمس وأؤشر له مازحًا. عند اللدغة وأنا أبحث عمن يأتي سريعًا لنسعف عبدالله، لم أجد غير يحيى، اتصلت به، فجاء سريعًا، كان أول من جاء وغادرنا المستوصف سويًا، أنا وهو وعبدالله. وقد قررنا، إذا لم نستطع تشجيع الريال ولو مجاملة، سنصمت ولن نغايظ أحدًا عند الهزيمة. الصداقة أبقى.
لست أعرف إذا كان ضروريًا الخروج من استفادة صغيرة من درس اللدغة، ذلك أن اليمن منذ مدة تتعرض للدغ من كل النواحي ومختلف الأرجاء، تعيش أكبر عرض للثعابين في التاريخ، حتى أولئك الذين يأتون بذريعة حمل الترياق، يصلون وينصنصون ألسنتهم ويلدغون.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى