لم تشهد أي جريمة حالة تخبط كبرى كالتي شهدتها جريمة تصفية جمال خاشقجي.
لم تشهد أي جريمة حالة تخبط كبرى كالتي شهدتها جريمة تصفية جمال خاشقجي.
هذا التخبط الذي ظهر من المغرد البسيط إلى إمام الحرمين والمشرف على الكعبة.
وحتى الآن ما زلنا نتابع تداعيات خاشقجي متوترين، الصحفيون تحديدًا يهمهم الأمر، لأنهم يعرفون معنى تصفية صحفي وإن كان بسيطًا، فضلًا عن احتواء الجريمة لتفاصيل معقدة ومتشعبة ومجهولة، وتأثيرها على علاقات خارجية وتفاعل المجتمع الدولي معها، واهتمام الإعلام العالمي بها ونقل تفاصيلها الدقيقة أولًا بأول.
إدانة الجريمة والوقوف في صف الضحية، وكذلك التفاعل مع مستجداتها والتعبير عن الغضب، ردة فعل طبيعية لأي إنسان، ولا يعني أبدًا أننا ضد السعودية ومصالحها وسنفرح إن غرقت بأزمة، هذا ما يتصوره الجهلاء معدومو المشاعر، السعودية غنية وموقعها يحتم أن تدير مقاليد السياسة العربية بحكمة، أن تكون قريبة من الجميع، وتعزز إرادات الشعوب، أن تكون متبوعة لا تابعة، أن تنظر لمن يدلها على خطأ ما على أنه ناصح أمين لا خصمًا يجابه بالشتائم وتهم التخوين والعمالة والارتزاق.
لسنا ضد السعودية، ولن نكون في يوم ما ضدها أو ضد أي دولة.
نحن ضد النفاق والتملق، ضد التخبط الغبي، ضد الانتهاكات. في اليمن، فرحنا بها عندما جاءت لاستعادة الشرعية، وعندما انحرف مسار العاصفة بيّنا الخطأ، راجعوا حساباتكم، لكن أكبر المهتمين بما يقوله النقاد، يرد: عملاء.. إخوانج.. قطر.. إلخ.
أن تُحاط بكتائب لجبة من المصفقين، يحركون أيديهم لكل ما تفعله ويشتمون من ينصحك، لا يعني أبداً أنك على صح، حتى وإن أُلقيت الإشادة بك وعرائض المديح من منبر الكعبة، قبلة المسلمين.
فيما يتعلق بشأن خاشقجي، أنكرت الغالبية تحت دواعي حب الملك وولي العهد، أنكر الإعلام، الجوقة الببغاوية لاكت التصريحات ذاتها: مسرحية، خائن، قطر، من خديجة؟ في الوقت الذي انهمك فيه الإعلام العالمي بمتابعة تفاصيل القضية، الهاشتاجات المُنكِرة للجريمة تصدرت عالميًا، تارة بمطالب إغلاق القنوات، وأخرى بالسخرية من خديجة، وثالثة للتعبير عن حب الملك، لكن ذلك لم يؤثر على مسار الحقيقة، وربما أثر سلبيًا على موقف السعودية ككل.
العلماء وإمام الكعبة انضموا إلى الزفة، معبرين عن أسفهم “لحملة تشويه تتعرض لها المملكة”!
القنصلية أنكرت وقالت إنها تتابع تفاصيل اختفائه بعد خروجه منها، والقنصل يظهر مع مراسل وكالة عالمية يتجول داخل مسرح الجريمة ويداه في جيب بنطاله، يفتح الأدراج ليؤكد: لم نخفه.. خرج.
ولي العهد أيضًا عزز رواية القنصلية
سفير المملكة في واشنطن أكد على ذلك، وأن خاشقجي صديقه، ولا يمكن تنفيذ جريمة كهذه دون علم أحد.
استمرت رواية النكران، استمرت الشتائم على كل من يتناول مستجدات القصة محاولًا إدانتها، واستمر التصفيق المنمق وتدفق نفاق المداحين والمتربصين على السواء، ولاذ الخطرون الذين أثروا على دوائر مقربة من الحكم السعودي إلى الصمت المريب.
وبعد تضييق الخناق تغير الموقف السعودي، وأقرت بشكل رسمي، ومع هذا الإقرار انقلب المنكرون، من المغرد البسيط إلى مشرف الكعبة، وجوقة الببغاوات ستلوك الكلمات ذاتها: الإشادة بالعدالة، الإعلام الرسمي نفسه سيستضيف أناسًا للتعليق حول الإقرار، كلهم يشيدون بالملك والمملكة ومواقفها الشفافة، ومصداقيتها العادلة، بما في ذلك “علماء اليمن”، ستستمر حفلة شتم من ينشر المستجدات وتستمر التهديدات الغريبة وكذلك لمز الشهيد جمال خاشقجي.
إنهم يضرون أكثر مما ينفعون، وسيغيرون النغمة تدريجيًا حين يرسل الملك برقية تعزية وأسف للأسرة الثاكلة. إن أصدر الملك أوامر أخرى بشأن القضية سيلهج منبر الكعبة مشيدًا بحنكة الملك.
هذا ما نحن ضده..
ضد توالد المنافقين والمصفقين وأصدقاء السوء، ضد قمع النصائح، الترهيب الأرعن ضد الكلمات، ضد النقد والنصح، مع وجود مناخ لحرية تشمل الجميع وليس الصحفي وحده، حتى المواطن البسيط الذي يفكر بنقد سلوك خاطئ، يجد نفسه في تويتر، ليفعل ذلك دون خوف من الأجهزة الأمنية و”منشار” الرقيب.