بائع الخضرة لا يعطيك فرصة لطرح السؤال، يقول: إرحل.
لا ينقصنا إلا معايرة بائع البترول في السوق السوداء..
تتوقف الدراجة النارية أمام الأوعية البلاستيكية للبائع المتجهم، فيباشرك: الدبة بواحد وعشرين ألف. وحين تستفسره عن سر الجنون المفاجئ، يرد متهكمًا: اااااااارحل.. وقد مط الهمزة المكسورة في أول الكلمة متشفيًا بموقفك من الثورة.
بائع الخضرة لا يعطيك فرصة لطرح السؤال، يقول: إرحل.
بائع الكراث في مدخل السوق، قال أيضًا: ارحل..
انتقلت الكلمة المكونة من أربعة أحرف هذا الأسبوع من فم لفم، كعدوى الانفلونزا من رذاذ عطسة، كان أول عاطس فيها ناقم على ثورة 2011.
الجنون المتمثل في هبوط العملة وارتفاع الأسعار وتردي الوضع الاقتصادي، جعل المتجولون في السوق يرددون ارحل. من أمام الطاحون إلى محل التموينات الغذائية، من الورشة الميكانيكية إلى محلات استئجار مستلزمات الأعراس، يتضاحكون متندرين من ثورة 2011، يلمزونها بكلمة واحدة: ارحل. هم بذلك يعاتبون المارة الذين خرجوا ضد نظام علي صالح، ويعايرونهم بالهتاف الجريء الذي حطم قداسة المتسلط ومكانته المستبدة في أذهان الناس.
تدخل إلى مكان يرتاده مذبذبين يقولون أنهم يقفون على الحياد، يعلقون على الوضع وهم يلتفتون إليك: ارحل..
لديك قريب في السعودية، مازال ينبض به العرق العفاشي، يحملك مسؤولية ما يجري لأنك خالفته في فبراير قبل سبع سنوات، يذكرك بالماضي: كتبتم “ارحل” على الدرداري (الكعكة الصغيرة) الله لا سامحكم. يقول.
أخشى أن يصل مشجب الرحيل إلى الأمور العاطفية، أن تهجر فتاة حبيبها فيتخبط في وضع كئيب، وحين تستفسرها عن سبب الهجران، ترد وهي تحرك يدها المقبوضة على الأخرى المنبسطة بشكل دائري لتكايدك: ارحل.
يقفزون على سنوات، وبلا أي مبرر منطقي ينسبون كل فشل إلى ثورة 2011، يتناسون ما بعد “ارحل”، تجد نفسك أمام مسؤولية كبيرة، صرت كل شيء، يعايرونك كما لو أنك من فجر الربيع العربي، لا يفهمون العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية، الإرهاصات المتراكمة التي اقتلعت صالح، لا يفهمون أن “ارحل” كانت لها عوامل ساعدت على انتقالها بين الشعوب مثل العدوى، تلك عطسة الربيع.
لا تتحسس رأسك من ثقل المعايرة، واجه دعاويهم غير المنطقية بردود غير منطقية، هم يحملون الوضع المتردي الآن إلى ما حدث قبل سبع سنوات، إلى كلمة “ارحل” تحديدًا، ذكّرهم بأيام باسندوة، أيام الكهرباء وهي تجاهد للعودة، عن الآلاف من المدنيين الذين وظِّفوا في عهد حكومة الوفاق وإن لم يكن هناك أي وظيفة، عن آلاف الشباب الذين التحقوا بالسلك العسكري، عن المنح التي بدأت تهب ونوايا الحكومة التنقيب عن النفط، عن المحافظين وهم يرعون مهرجانات استكشافية لمواهب الشباب، ثم بعد ذلك ذكرهم بالطامة التي أحدثها من قلنا له: ارحل.
“المرحول” من “الراحل والمرحوم”، ذكرهم به حين تحالف مع الحوثيين بدأ عصرًا جديدًا تسارعت فيه وتيرة الانهيار، القتل، الدمار، تحالف الثنائي المتناقض هو السبب الرئيس لكل ما حدث ويحدث، لقد تخلصوا من صالح ولم يتبق إلا هم في أحد أطراف الواجهة، وفي الواجهة يتموضع من ألحقوا الجوع باليمنيين.
أنت غير مسؤول عن فشل الآخرين، غير مسؤول عن الجوع الذي يلويك الآن، قلت: ارحل، طمعًا بدولة تتباهى بها بين العالم، قل لمن يعايرونك، اسألوا من في الواجهة: لماذا هذا النكال؟ قولوا لهم: عودوا إلى جادة الصواب.
قل لمن يعايرونك: أو كونوا مثلي، كونوا شجعانًا لتهتفوا في وجه من ترونه سببًا لبلاء اليمنيين، لتهتفوا بالكملة ذاتها التي قلتها أنا قبل سبع سنوات: ارحل.
تحداهم أن يفعلوا ذلك.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.