بين ما درست وقرأت، عشت تجربة مع المذياع، قبل انتشار الهواتف بهذا الشكل الكثيف، كانت الأغاني تسقط من الأوراق الملونة، وكان العشاق يسقطون على ألحفتهم من خيال تلك الأغاني.
الراديو يحفز الخيال، لا تنظر للعبارة بسذاجة، لقد درسنا هذه الميزة في الكلية، الراديو يعتمد على الصوت فقط ويترك للمستمع حق تخيل الصور، العبارة هذه إذا لم تستسغها؛ تعامل معها كما تتعامل مع “القبسات النورانية” لحسين الحوثي.
قرأت جملة تقول: ولنا في الخيال حياة.
وبين ما درست وقرأت، عشت تجربة مع المذياع، قبل انتشار الهواتف بهذا الشكل الكثيف، كانت الأغاني تسقط من الأوراق الملونة، وكان العشاق يسقطون على ألحفتهم من خيال تلك الأغاني.
ومن ميزات الراديو، سهولة الإصغاء للرسالة التي يلقيها، هذه المعلومة درسناها أيضًا، المرأة وهي تعجن تسمع، الفلاح وهو يدوس على سكة المحراث ويضرب الثور، الراكب سيارته، الراعي غنمه في الجبل، كلهم يسمعون للراديو لبساطة استخدامه قبل أن نجد شاشات اللمس في كل يد، وتتوه الأصابع بين الخيارات.
فكرت أن أعيد تجربة تحفيز الخيال، صديق عزيز ألح أن يرسل لي بهدية، نزلت عند رغبته الملحة ليترك لي حق الخيار، كنت متيمًا براديو جدي، وبعد رحيله استحيت أن أطلبه من خالي الذي احتفظ به، لذا طلبت من صديقي راديو.
هدية مضحكة، من يطلب راديو في زمن الآيباد والآيبود وحداثة التفاحة المقضومة؟ أنا فعلت، وقد ظل الراديو يمشي لأكثر من شهرين حتى وصل البلاد، الحرب ترسل الأرواح بسرعة لكنها تقطع الطرقات فتؤجل وصول المستلزمات والمسافرين..
وصل مذياع بانسونيك بغطائه البني المميز، وأخذه أبي، لاحظت أنه يفتحه من الساعة الخامسة والنصف مساءًا، الفترة الصباحية مطفأ، هذا مذياع الليل في الفترة الحالكة.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر، وفي الأسبوع الفائت، ذهب أبي إلى المدينة، ومازالت رغبة تحفيز الخيال تدور في رأسي، أخذت الراديو عند الظهيرة، وتلقائيًا اكتشفت لماذا حوله أبي لمذياع لليل فقط.
أربع محطات إذاعية على الإف إم، هذا ما استقبلته الموجات هنا في الريف التعزي، أربع إذاعات كلها تتبع مليشيا الحوثي، لا وجود لأي محطة أخرى، تسمع صوتاً ناعمًا لفتاة صلفة تتحدث عن جبهات القتال، وبرامج مفتوحة عن الدروس المستفادة من يوم الغدير، لا يملون من وصف التحالف العربي بالعدوان ويثلبونه بلا هوادة، ولا يكلون من وصف الشرعية بالمرتزقة، أما قرْع طبول الزوامل فتحمس المستمع حتى أنه يتخيل بأنه قادر على الخروج من عرض الجدار، وإذا كانت هناك امرأة تسمع وتعجن فستفتح ثغرة من الصحن الذي تعجن به وتغرس يدها في الأرض مترين من فرط الحماسة.
هل فشلت الشرعية في إدارة المعركة اعلاميًا؟
أنا غير متأكد من ذلك، خرجت من تجربة الاستماع للراديو إلى حقيقة بدلًا من تحفيز الخيال، أن الشرعية تفتقر لإذاعة مفتوحة في المحافظة الأكثر كثافة في السكان..
نحتاج لإذاعة فارسة في صوتها
فارسة في برامجها
فارسة وهي في الأصل مابوش.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.