بدا الدور الحقوقي عاملًا مهمًا في السكوت عن هذه الظاهرة، بل في الدفاع عنها، والتي أظهرتها بجدارة شخصية المحامي “حمّود شنطة”.
أعطانا في بداية الرواية التي افتتحها بمهمة صحفية لصحفي تخلص من تاريخ أبيه النضالي وقرر السير في طريق السلطة والجاه والمال.. تقدم الرواية صورة عن تاريخ شخصيتها الرئيسة “مطهر” الذي ينحدر من قبيلة عريقة كان لأبيه دور في النضال والعمل السري ضد السلطة، لكنه على العكس من ذلك، فهو ينظر إلى تاريخ أبيه باعتباره بطولة آنية أو غباء من نوع آخر، لرجل خدعه بريق النضال والبطولة.
فالصحفي “مطهر” كانت له بطولته الخاصة التي أفصح عنها.. بالتأكيد بطولته ليست كبطولة أبيه، فبطولته تسير إلى جوار السلطة والمال والشهرة.
لكن الرواية وهي تسير في تفاصيل حياة الصحفي “مطهر” ورحلة تنقلاته في طريق القذارة السياسية والمهنية وتواطؤه مع معضلة كبيرة عانى منها وما يزال يعاني منها المجتمع اليمني وهي زواج الصغيرات، فتعاطفه مع الشيخ بكري حسن وهو ينتهك ويغتصب ويضاجع الفتيات الصغيرات ليست فقط تنفيذًا حرفيًا لتعاليم سيده الأكبر “رياض الكياد ومن خلفه السلطة”، بل أيضًا تواطؤًا خفيًا مع جذوره في الانتماء الطبقي التي بدا تأثيرها واضحًا في حياته، فكلاهما أي “الصحفي مطهر والشيخ بكري” ينتميان إلى طبقة اجتماعية واحدة وهي القبيلة، وهذا هو الحبل السِري أيضًا الذي كان يربط الصحفي بالشيخ بكري.
وقد أفصح “مطهر” لاحقًا عن هذا الانتماء الطبقي الذي كان له دور كبير في تحديد خياراته في الحياة والاسترسال في السقوط نحو الدناءات.. لقد قال “مطهر” ذلك بوضوح: أنا برجوازي ولا أقبل أن أتدنى إلى مستوى طبقة البروليتاريا، وأعتقد أنني ضحيت بقدر لا يستهان به من الأخلاقيات والمُثل العليا لأتخلص من وجبة الفول هذه وإلى الأبد.
لقد بنى الروائي وجدي الأهدل شخصية واقعية تنتمي إلى عالم اليوم، لقد بدأت شخصية الصحفي تُطل إلى العالم بوازع الطموح، لكنه سرعان ما وصل هذا البلل إلى أخمص قدميه بعد أن بلل الفساد كل ذرة من جسده، لقد غمره الفساد وأحاط به.
كشف الروائي أيضا عن ما يدور في تلك المناطق المهمشة الخارجة عن دائرة التركيز والاهتمام، فساحل تهامة وقراه هي المكان الأمثل لمعرفة مآسي هذه الظاهرة وخفاياها.
وبالنظرة الواقعية لموضوع الرواية الرئيس وهو “زواج الصغيرات” الذي يحددها عاملان رئيسان هما: السياسة والدين.. فالسياسة لها دورها الخفي في انتشار هذه الظاهرة في اليمن وتوسعها واستغلالها، كما أن لرجال الدين دورهم البارز أيضًا في تفشي واستمرار هذه الظاهرة عبر نقد أي عمل مجتمعي أو مدني يحد من توسع هذه الظاهرة، لكن وجدي الأهدل وهو الذي اكتوى بنار التكفير عقب صدور روايته الأولى “قوارب جبلية” في عام 2002، حاول تجنب الحديث عن العامل الديني، ويبدو أن الرواية التي تصل عدد صفحاتها إلى ثلاثمائة صفحة لم تُشر إلى هذا العامل إلا إشارة خفيفة على خجل وخوف لم تكد تتعدى مرتين، فهناك دور جانبي لرجال الدين اقتصر على تكفير الناشطة “سلام” وهناك إشارة خفيفة في نهاية الرواية لدور العامل الديني في التواطؤ مع الأحداث.
وقد بدا الدور الحقوقي عاملًا مهمًا في السكوت عن هذه الظاهرة، بل في الدفاع عنها، والتي أظهرتها بجدارة شخصية المحامي “حمّود شنطة”.
يعيش الصحفي “مطهر فضل” دون طهر ولا فضيلة، وينتهي وحيدًا قد خسر كل شيء في سبيل البحث عن كل شيء، ويعود كما بدأ يحدوه إيمان عميق ونبوءة فطرية بأن آثامه وخطاياه ستلاحق أبناءه وأحفاده حتى الجيل الرابع.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.