شخصيًا، أذهب لنصف ساعة ليلة العرس فقط، لا عقد فل نضعه على عنق العريس، لا قات مليح يمكن أن نمد به له، لا مجابر، أذهب فقط من أجل الناس ولتحاشي تهمة الغرور، الجلوس بطرف مقبرة هذه الأيام أهون من الجلوس قبالة العريس بحياء..
اكتمل العرس الخامس في القرية هذا الشهر، والتهيؤ يجري لأعراس قادمة، أصوات الزفة مرتفعة للغاية والايقاع ينادي: تعالوا لنرقص.
تم تجاوز عادات، والتخلي عن تقاليد، لم يعودوا يحضرون القات كما كانوا ويولمون بالذبائح، رصاصة في الهواء ليرتعش مشغل MP3، يتحشرج الصوت في السماعة، تنطفئ. العريس ليس قتيل في زمن الحرب، لكن أولئك الذين يذهبون لمشاركة حفلته يبدون وكأنهم يذهبون إلى مقبرة.
الموتى يرقصون، يستأنسون بالصفير والتصفيق، يكتئبون من وهم العتاب.
وفي ساحة العرس، البنادق تحضر، لواصق الشهداء وشعارات الانتماء ملتصقة على مخازن الرصاص. نتحاشى وجه العريس وعينيه إذا ما صادفتنا نظراته المزغللة فرحًا ناقصًا، كلمات الأغاني التي نسمعها، ساذجة، لا تتناغم مع نشوة العرائس. ذلك لا يهم، نحن في زمن الإيقاع، والراقصون يولون الإيقاع جل اهتمامهم، لم يعد لدينا غير عمل أقدامنا وأيدينا ليلة العرس.
أغلب العرسان أبطالاً عادوا من جبهات القتال، جسد أحدهم موشوم بأربع إصابات مختلفة من الجهة اليسرى للرأس إلى الفخذ الأيمن، لو لم تكن الحرب لأوفيناه حقه في الاحتفال، غير أن الطريق مقطوعة لجلب عقد فل بائت.
الأصوات تتلاشى تدريجيًا، يخفت الضوء كلما تقدمنا نحو الواحدة ليلًا، ليلة أخرى سيحتفل بها العريس، ثلاث ليال، تدريجيًا تفرغ البطارية ويبقى الضيوف الثقلاء في الظلام.
الولائم الفاخرة ليمنيين في الخارج غير ولائم الداخل تمامًا..
هناك أضواء ساطعة تكاد تعمي المفتقدين للضوء، هناك يحتلقون حول موائد فخمة، الساسة والإعلاميون، رجال الدين ورجال الأعمال، المرتزقة الذين يميلون حيث مالت الكفة والتمع الدسم، كم كان مباغتًا: لأول مرة نرى كبشًا كاملًا مطبوخًا كما هو على مائدة يمنيين. أحدهم تأمل الصورة وقال: جعله سمكم.
هناك في الخارج يفرحون
في الأعراس الخمسة التي في البلاد، تقطع الضوء، انطفأ، ولم يذبح أحد.
لحوم أكلت، لحوم سقطت ودفنت، شبان بعمر العرسان كان علينا أن نحتفل بهم رحلوا إلى الأبد، الجماهير، تحت ضغط الوضع، سامحوا بحقهم في المرق والقات، لكن ذلك لم يعفهم من خجل المشاركة.
شخصيًا، أذهب لنصف ساعة ليلة العرس فقط، لا عقد فل نضعه على عنق العريس، لا قات مليح يمكن أن نمد به له، لا مجابر، أذهب فقط من أجل الناس ولتحاشي تهمة الغرور، الجلوس بطرف مقبرة هذه الأيام أهون من الجلوس قبالة العريس بحياء..
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.