لا نهضة حقيقية لأُمَّة أو دولة أو مجتمع، من دون تعليم حقيقي. لا نهضة حقيقية لأُمَّة أو دولة أو مجتمع، من دون تعليم حقيقي.
فالجهل لا يصنع مجداً.. والأمية لا تبني تنمية.. ومزارع التفقيس والتدجين المُسمَّاة زوراً: مدارس وجامعات -كتلك التي تزدحم بها بلادنا- لا يمكنها البتة أن تخلق سوى قطيع من حملة الشهادات التي تتلخص قيمتها الحقيقية في ثمن الحبر الذي طُبعت به!
اليمن ليست أقل امكانات طبيعية ولا ثروات بشرية من دول ومجتمعات عديدة تجاوزتنا كثيراً على صعيد التنمية المزدهرة، لعزمها وتصميمها وتعليمها على نحوٍ قفز بها أشواطاً قياسية بحساب الزمن والمسافة. وهذه الدول والمجتمعات لم تتقدم – اقتصادياً واجتماعياً- بفضل ثرواتها وأموالها، ولكن بفضل ادراكها الناضج لمعنى وقيمة المفاتيح السحرية: الارادة ثم الادارة، وبينهما التنظيم، وقبل هذا وتلك: التعليم.
فقد أقدمت الدول والمجتمعات التي تصبو إلى التقدم والازدهار على تغيير أنظمة التعليم التقليدية لديها -من الأساسي إلى الجامعي- فأرستْ نُظُماً حديثة تُلائم تطلعاتها إلى مواكبة ركب التقدم والحضارة.. فيما ما نزال نقبع في نظم تعليمية تقليدية لا تختلف كثيراً عن “الكُتَّاب” أو “المعلامة”.. وبالتالي نستقبل -كل عام- مخرجات كارثية لا تتميز كثيراً عن مخرجات مزرعة الغراسي للدواجن أو مزرعة جعولة للعجول، بعد أن صارت مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا مضخات ميكانيكية لانتاج وإعادة انتاج الجهل بل والأمية!
مثالاً، أرست ماليزيا وسنغافورة أنظمة تعليمية حديثة، رصدت لها أكثر من 20% للأولى و 15% للثانية من ميزانيتها، في مرحلتها التأسيسية على مدى 30 عاماً، وهو العامل الأساسي والسبب المباشر الذي قفز بهما إلى مواقع متقدمة في ميدان الاقتصاد العالمي، وبالتالي حققت لشعوبها مراتب عالية المستوى على صعيد الرفاه الاجتماعي في أزمنة قياسية.
فماذا رصدنا، وكم، من ميزانيتنا للتعليم الذي يحتاج أساساً إلى انقلاب جذري وشامل في نظمه ومناهجه وأساليبه ووسائله؟ .. والمصيبة أن المهمة الوطنية الجليلة المتمثلة بمحو الأمية قد تقهقرت وتيرتها قبل أن تتوقف هي الأخرى، فأعاد ذلك التوقف مؤشر الأمية إلى الارتفاع بأرقام عالية، بعد أن كان هذا المؤشر ينحني كثيراً نحو الأسفل قبل 30 عاماً فحسب!
فالأمية الأبجدية وحدها تضرب في عضد المجتمع على نحو بالغ الضرر، وباتت تشكل خطراً كبيراً على المجتمع والتنمية. وحسب بيانات رسمية فان نسبة الأمية في اليمن تجاوزت نسبة 36% من اجمالي السكان في العام 2010. ومع استمرار حالة تدني مستوى التعليم النظامي وتفاقم ظاهرة التسرب الدراسي واغلاق صفوف محو الأمية وتعليم الكبار وحرمان الفتيات من التعليم في مناطق ريفية عديدة، فان هذه النسبة قابلة للارتفاع على نحو مرعب، انْ لم يكن ذلك قد حدث فعلاً منذ العام سالف الذكر.
هذا على صعيد الأمية الأبجدية فحسب، ناهيك عن الأمية الثقافية والسياسية والحقوقية، وكذا الأمية الجديدة -بمنظور العالم اليوم- وهي الأمية التقنية التي تشير إلى العاجز عن التعاطي مع وسائط الاتصال وتقنية المعلومات الحديثة باعتباره أميَّاً بالضرورة. وإذا أخذنا بهذا المعيار لتجاوزت نسبة الأمية لدينا أكثر من 90% بكثير!
إن الثورة الحقيقية التي تحتاجها الشعوب والمجتمعات اليوم ليست تلك المُعمَّدة بالدم والحديد والنار وضرب معاقل الرجعية والديكتاتورية والاستعمار.. إنما هي ثورة التعليم التي ستقود تلك المجتمعات إلى الحرية الحقة وتنير دروب الشعوب إلى الحضارة المطلقة.
ألف باء تاء ثاء جيم.. الجهل رجيم.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.