ولمَ الناس هكذا يشعرون بالتضحر والملل؟ في زمان الحرمان، وإجبار الناس على الكتمان، خرج المدعو سعدان، في عصر يومه تائها هيمان، بعد ماضجته الزوجة، وأجبرته على الخروج، لأنها تريد متطلبات رمضان، من دقيق وسمن وشيء ثان، وكان قد أخفى بدرج له بعضاً من المال، لقضاء حاجات العيال.
كان المبلغ نفسه الذي أعده قبل عام لرمضان، وبعد ما أتم تجميعه أحس بأمن واطمئنان، فلا داعي للقلق، والهم الذي كان سائداً قد انزلق، خرج يجر أذيال الغرور، لم ينتبه لما يخبره رجل المرور، مر بكل كبرياء يقرأ الطلبات في الورقة بكل ازدهاء، وكانت الطلبات قد وصلت إلى الأربعين، نظر إليها نظرة مستبين، فهو بربه مستعين وماله لأمره مهين، هز رأسه ومضى، وكأن الأمر قد انقضى، فهو الآن قريبٌ من السوق، والفرح في رأسه على الهم يفوق.
أخذ بيد ابنه سائراً إلى الأمام، كان يسأل ابنه عما يريد بكل اهتمام ،والولد يسرد الطلب بعد الطلب، ثم فاجأه العجب، إذْ رأى السوق مملوءةً بالناس من كافة الأجناس، فدخل إلى رأسه نوعٌ من الوسواس، عندما رأى الناس ينتقلون من محل إلى محل، قال يا إلهي مالعمل؟
ولمَ الناس هكذا يشعرون بالتضحر والملل؟ تقدم خطوةً بعد أخرى، فربه بالسوق أدرى، وبما وصلت إليه الأسعار أحرى.
دخل أول الأمر إلى محل البهارات ثم قدم للتاجر ورقة الطلبات، وأعاد يده لتحك رأسه، وأدخل يده الأخرى في جيبه، تحسس ماله فطمأن عندما وجده على حاله، نظر إلى المحل فوجده مملوءاً بالمقاضي فأصبح عن حاله راض، ثم نظر إلى التاجر وهو يضرب آلة الحاسبة، وينظر إلى الناس بعينه الغاضبة، ويرد على من يسأله عن سعر الأشياء، قائلاً: أن لا مجال للتخفيض، سائلاً الرب للناس التعويض، ثم قال لسعدان عن المبلغ المطلوب منه إزاء هذه الطلبات، وطلب منه أن يعجل بالدفع، فالناس ينتظرون وهم على الدرب سائرون، جن جنون سعدان وقال ماهذا الخبر؟، ليس وقتك للمزاح، إن أردت فغداً الصباح، أنا أريد أخذ هذه المقاضي وهذا هو المبلغ الذي أعددته، بعد عناء، ليشعر الأولاد بالرحة والهناء.
أرجوك وافني بما أريد، فحالتي كبقية الشعب على الحديد، والوقت يمضي مننا، ولا أظن جدالاً بيننا، ثم أعطاه النقود، وأخبره أن زوجه في البيت تنتظره كي يعود.
غضب عليه الرجل غضب التجار، وقال مادخلي بارتفاع الأسعار، أنا مثلكم مهموم، فمشرف يوم أمس طلب مني مبلغاً، واليوم قد أخذ مثله، تراني لست السبب، بكل هذا التعب، غادر المحل إذاشئت، وابحث عن غيري، وإن لم تجد المناسب جئت.
خرج سعدان على غير مادخل، يجر ذيل الهم فاقد الأمل، قضى بقية يومه في السوق، وعاد إلى البيت خال اليد مهموم، رمى النقود في يد زوجه وذهب، صمتت الزوجة وكأن الأجل قد تقترب، فحدثها بصوت حزين، بأن تدعو إلى الله فهو وحده المعين!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.