بلغ بي اليأس حدّاً قصيّاً من جدوى الكتابة في شؤون السياسة أو شجون الاقتصاد. ففي كل بلاد العالم، يبيعون السياسة ليشترون اقتصاداً، إلاَّ نحن.. نبيع الاقتصاد لنشتري سياسة!
بلغ بي اليأس حدّاً قصيّاً من جدوى الكتابة في شؤون السياسة أو شجون الاقتصاد. ففي كل بلاد العالم، يبيعون السياسة ليشترون اقتصاداً، إلاَّ نحن.. نبيع الاقتصاد لنشتري سياسة!
وليست السياسة -هنا- ما درجت على فهمها وخوضها الأمم عبر التاريخ، إنما ما سادت في القاموس اليمني المتآكل من الرطوبة والغبار في البيئة والنفوس.
لقد مللنا من تراكم الأزمات دون حلول، حتى بتنا نتمنى حرباً فاصلة تحسم الأمر، ولا تجرجره وراءها. والحرب الأخيرة برغم فداحتها غير كافية لتحقيق هذه الغاية، عدا أنها غرست بذور أزمات وحروب قادمة.
ومللنا من حوارات سياسية تُفضي إلى العدم، حتى صرنا نتمنى وباءً داهماً يشلّ الألسنة ويبتر اللغة من “لغلوغها”.. مثلما مللنا من التنظيرات الجوفاء، والاحالات على الماضي تارةً، وعلى المجهول تارةً أخرى، حتى غدونا نتمنى الانتقال عبر آلة الزمن إلى حقبة ما قبل ظاهرة الدولة.
كما بلغ بي اليأس شوطاً عظيماً من جدوى الكتابة في أمور التربية والتعليم. فلدينا مدارس تنتج الجهل وتعيد انتاج الأمية، وجامعات تنافس مزارع الدواجن في تفقيس أرباع متعلمين وأنصاف أميين!
وفي أيامنا تلك التي لم تعد الاَّ في الأغاني.. “كاد المعلم أن يكون رسولا”.. فقد كان لأستاذي هيبة مُهابة، تجاوزت هيبة الوالد وإمام المسجد ومدير قسم الشرطة. أما في هذه الأيام، فالأستاذ والتلميذ يُدخّنان معاً ويُخزّنان معاً ويسكران معاً!
وأكاد ألبس اليأس -أو يلبسني- ثوباً من وَبْر، من جدوى الكتابة في أحوال القضاء والأمن. فاذا ساد الفساد كل أرجاء البلاد، يظل ثمة أمل في آخر النفق. أما إذا استشرى في مؤسسة القضاء وجهاز الأمن، فاقرأ على الدنيا السلام.
وقد صار اليأس خليلي ونديمي -في صحوي ونومي- من جدوى الكتابة في الأخلاق، بعد أن صار أعتى الفاسدين والمُنْحطين، بل اللصوص والقتلة، يقفون في الصف الأول في الجامع في الجمعة، وبعد أن صار اغتصاب الرياحين يُقترف بفتوى شرعية!
وزاد من يأسي أنني أدرك جيداً أن الاِعلام هو الجبهة المتقدمة في الحرب ضد الفساد والارهاب والتخلف والتطرف والجهل والجهالة وغيرها من الجراثيم المحدقة بروح الوطن والانسان قبل الجسد.. فاِذا بي أجد عدداً غير محدود من الاعلاميين -كبارهم قبل صغارهم- قد نخر فيهم الفساد. وإذا فسد صاحب الكلمة، يبست شجرة الأمة!
وقد وجدتني عاجزاً عن الكتابة في الأدب والفن أيضاً، بعد أن فاضت قلة الأدب عن كأس الأدب، وبعد أن تجاوز العطن مساحة الفن.
وقد استقام الظل والعود أعوج!
فإذا ما انبرى مصطفى كامل هاتفاً مجلجلاً: “لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس”.. قالها سعد زغلول هامساً يائساً: “غطّيني يا صفية، مافيش فايدة”.. فإذا عجز المرء عن فهم العبارة، ترجمتها الدكتورة نادية الجندي إلى لغةٍ أوضح عبارة: “سَلّمْ لي عالبدنجااااان”!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور