ذكرني أحد أبناء القرية بعنوان كان هنا قبل سنة؛ سعدت عندما أكد لي بأنه استفاد من المقال، قال بأنه همّ أن يضرب ابنته ثم تراجع بسبب تلك الكلمات حول الصبر.
ذكرني أحد أبناء القرية بعنوان كان هنا قبل سنة؛ سعدت عندما أكد لي بأنه استفاد من المقال، قال بأنه همّ أن يضرب ابنته ثم تراجع بسبب تلك الكلمات حول الصبر.
يشعر الإنسان بالزهو عندما يجد شخصاً تأثر بكلماته.. أعيد نشر المقال هنا ربما نجد قارئاً آخر يكف عن إزعاج زوجته لأنه نام حتى غربت الشمس واستيقظ متوثباً غضبة الجائع الصائم..
…
صبر ساعة الصفرة
لطالما حدثونا أن رمضان شهر الصبر، ونحن أصبر الشعوب على التافهين في الأشهر كلها، ولكن حين نرفع أصابعنا لا يصبر علينا أحد، كلهم يتسابقون على قطعها.
صابرون على واقعنا المأساوي، على وعود الحكومة بصرف رواتب الموظفين، على غباء المليشيا وهي تتجول في شوارع جائعة لباعتها المتجولين، على باطل المسلسلات، على بيانات الأمم المتحدة، على الكوليرا، على النواعم اللواتي يصغن تقاريريهن الزائفة لتظليل العالم عن الإنسان اليمني، وعلى موزعي قراطيس التمر.
بعيدًا عن هذا الصبر المحتم، رمضان يفضح الكثير ممن يطفحون قبل آذان المغرب، فيغضبون داخل المنازل.
تذكر، وأنت في منزلك بأنك إنسان وأن كل ما حولك يحس، وليس من الشهامة أن ترفع صوتك للتعبير عن رجولتك ولتحس بأنك مسيطر على جغرافيا عشرة أمتار في عشرة ، عهد السيطرة ولّى.
رجال يرفعون أصواتهم على زوجاتهم في ساعة الصفرة، هذه هي الساعة المقابلة لساعة الصفر، من اخترع هذه الساعة: الصفرة، هي بلا عقارب، ومرتبطة بالمعدة الخاوية، في هذه الساعة تكثر المشاكل، رجال تنتفخ أوداجهم في الداخل، يبثون الرعب في نفوس الساكنين..
لا حاجة لله لصائم لا يمسك لسانه. كيف بمن لا يتصدق بابتسامة على ابنته، أخته، زوجته، أمه، أو من يتعب في عمل طيلة اليوم، لتقوم وتقلب البيت رأساً على عقب لأنك لم تجد القداحة جوار علبة التبغ.
البلاد مشتعلة بالبارود، ونحن في شهر الصبر، وأنت تبحث عن قداحة.
لو مددت سجارتك من النافذة لاشتعلت، ومن المفضل أن تهدأ، كي لا تبدو إنسانًا منزوع الرحمة.
لا يليق بأحد أن يرفع صوته على امرأة في رمضان، في المطبخ أو بأي مكان، أو حتى بقية الشهور.
في رمضان الأصوات تنبعث من رواشن المنازل مع أدخنة الحطب المبللة، أصوات متسلطة على أصوات واهنة متعبة تخرج من المقاطير، كيف تصير قاسيًا هكذا وأنت الصبور على رزايا كبيرة حلت بالبلاد من سنين.
إذا لم يكن بك طاقة على التحكم بنفسك، فلا تصم.. نم، فنومك عبادة، ولا ذمة سعيد أبو الدجر.
غضب في ساعة الصفرة في الطرقات، في أسواق القات، شتائم مقذعة، ورغم أزمة المشتقات النفطية مازالت الأحداث المرورية سارية.
في ساعة الصفرة، ورغم أن الحرب أخذت الكثير من الأطفال، وشلت يد طفلة في تعز منقوشة بالحناء، مازال هناك أطفال يتلقون الضرب بسبب مرورهم أمام آبائهم وهم يلعبون، أو عدم الذهاب إلى الدكان لشراء السيجارة.
مد سبابتك والوسطى، قد تدخن بصاروخ بين أصابعك..
لا تفقد أسرتك لغضب تافه، يكفي أن التافهين من الحوافيش ومن لف لفهم، أفقدونا بلادًا من أعرق البلدان.
في ساعة الصفرة، ينفد الصبر، يلتقي الجوع بالغضب فتكون النتيجة كارثية، أحيانًا تبحث عن سبب صغير لمشكلة لإثبات وجودك، مرة لن تجد سببًا غير ذكر الحمار الماثل أمامك، فتحمي السكين وتخصيه بذريعة تسكعه بين حمير الناس، سيموت الحمار، وتكون أنت قد فقدت أهم خصلة تصلك إلى الجنة: الرحمة.
قيل بأن رجلًا سأل النبي عن شيء يوصله إلى الجنة، فرد عليه النبي: لا تغضب.
*
صوت أبي في المطبخ معترضًا على الزيت الذي يغلي داخل المقلاة، أمي تحدثه عن النوم.
في يد أبي سبحة يذكر الله وفي يده الأخرى علبة تبغ.
أبي يعترض على كمية السكر في المهلبية
ابتسم أبي أخيرًا، حين حدثته عن الصبر، ورد وهو يخرج من المطبخ:
أدور بعسيسة أغالط به الجوع، حتى غضبي مزح.
مش هكه، تخلط مزحك بجدك.. مش اكه بجرح مشاعر الآخرين يا به.
مالك من الآخرين الأوغاد داخل السلطة، الذين أوقفوا مصدر دخلك الوحيد، وقتلوا فلذة كبدك.
على الأقل اصبروا على الأحبة بالرضا، كما صبرتم على الأوغاد بالصميل.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.